احداث 15 ابريل 2023 .. ماذا يحدث في السودان ؟
بقلم Ihab Omar
في سنوات التمرد المدعوم خارجياً في إقليم دارفور السوداني، حاربت مليشيات الجنجويد بجانب القوات النظامية السودانية، وهى ميلشيا عشائرية تنتمي الى القبائل العربية التي استوطنت دارفور.
الرئيس الاخواني المشير عمر البشير وجد في مليشيات الجنجويد ضالته لتطبيق الطقس الاخواني المعتاد في صناعة جيش موازي، مثلما فعلها الملالي في ايران بإنشاء الحرس الثوري وكما حاول الاخوان في مصر تطبيق التجربة ذاتها عامي 2012 و2013، وهكذا خرجت قوات الدعم السريع الى الحياة العامة السودانية بقرار رئاسي في أغسطس 2013.
كانت القوة تتبع في بادئ الامر جهاز الامن الوطني ثم المخابرات العامة، ثم مرر البشير الى البرلمان عام 2017 قرار بنقل تبعية قوات الدعم السريع الى القوات المسلحة السودانية.
مع ذلك، ظلت قوات الدعم السريع جيش داخل الجيش، لا يوجد للقيادة العامة للقوات المسلحة السودانية سيطرة عليها، تتبع البشير مباشرة، لا يمتلك قادة الجيش صلاحيات اقالة أيا من قيادات الدعم السريع او محاسبتهم على افعالهم.
امتلكت قوات الدعم السريع امبراطورية اقتصادية اخوانية، كما للعديد من عناصر القوة تاريخ من الجرائم القبائلية والخروج عن القانون وقطع الطرق للسرقة، إضافة الى ان الشخص الذى اوكل اليه البشير تأسيس وتنظيم القوة هو تاجر أبل متهم بتشكيل عصابي لقطع الطرق يوما ما ، الا وهو محمد حمدان دقلو او كما يطلق عليه .. حميدتي، وقام البشير بتقليده مرتبة فريق أول من دون ان ينخرط في الكلية الحربية او المؤسسة العسكرية شأنه شأن كافة عناصر قوات الدعم السريع.
شاركت قوات الدعم السريع في حرب اليمن الثانية ضمن التدخل البري لتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، كما لعبت دور هام في فرملة الهجرة غير الشرعية للأثيوبيين عبر السودان.
مع اندلاع الثورة السودانية (19 ديسمبر 2018 – 11 ابريل 2019) انحاز الجيش السوداني لمطالب الشعب وعزل الرئيس عمر البشير وتولي وزير الدفاع الفريق اول أحمد عوض بن عوف رئاسة السودان ليوم واحد فحسب ما بين 11/12 ابريل 2019 ولكن الجيش استجاب لمزيد من المطالب والضغوط وتنحى بن عوف لصالح عبد الفتاح البرهان الذى تولي رئاسة السودان منذ يوم 12 ابريل 2019 حتى اليوم.
تنفس السودان الصعداء عقب سقوط النظام الاخواني، وتدخلت مصر وفرملت عقوبات افريقية ودولية على السودان بتهمة ان ما جرى انقلاب عسكري واقنعت القاهرة العالم بان السودان يمر بمرحلة انتقالية يجب الاعتراف بشرعيتها.
كان هنالك وفاق بين الجيش والقوى السياسية، ولكن مع مجيء إدارة جو بايدن اختلف الوضع، بدأ الاعلام الأمريكي ثم الدولي يتحدث عن "المكون المدني" و"المكون العسكري" بعد ان كانت "قوي وطنية" وشراكة ثورية انهت ثلاثون عاماً من الفاشية الدينية.
ثم بدأ الخلاف بين الطرفين، وبدأ مجموعة من السياسيين تتأهب لأجندة غير وطنية فور تسلم القوى المدنية للسلطة من المجلس العسكري، هنا قام الجيش في 25 أكتوبر 2021 بحركة تصحيحية الغرض منها تأجيل تسليم السلطة للمدنيين من اجل عقد اتفاق سياسي جديد يضع مزيد من الضمانات الوطنية على فكرة تسليم السلطة.
عنون الاعلام الأمريكي والدولي الحركة التصحيحية بانها انقلاب عسكري، والبعض اتهم مصر بالتورط فيها، ولم يكن ذلك كله صحيحاً، اذ كان الجيش اساساً في السلطة فلا يعرف كيف ينقلب الجيش على سلطة في يده اصلاً ، وكذا كان البرهان رئيساً فكيف ينقلب الرئيس على نظام حكمه ؟
بدا الجيش في سلسلة مباحثات مع القوى السياسية من اجل وضع خارطة طريق لاجراء الانتخابات وتسليم السلطة للإدارة المنتخبة، وتم الاتفاق على توحيد المؤسسة العسكرية اى دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتسليم امبراطورية الدعم السريع الاقتصادية الاخوانية لوزارة المالية، ما يعني ان حميدتي – الذى عاش حياة رغداء باعتباره رجل البشير المدلل ثم اصبح عملياً نائب الرئيس السوداني عقب الثورة – سوف يخسر كل شيء.
بدأ حميدتي في ارتداء الأقنعة واحداً تلو الآخر، ادعى ان الثورة في خطر، وان الديموقراطية هي الحل، وان ما جرى في 25 أكتوبر 2021 كان انقلابا ندم على المشاركة فيه، وان الجيش يجب ان يسلم السلطة قبل اى شيء ثم لاحقاً يتم مناقشة أحوال قوات الدعم السريع عبر البرلمان المنتخب!
امام تصاعد الخلافات بين الدعم السريع والجيش السوداني، نشر حميدتي قوات الدعم السريع في اكثر من ولاية (تتألف جمهورية السودان من 18 ولاية).
وفى صباح السبت 15 ابريل 2023 بدأت وحدات قوة الدعم السريع في مهاجمة مقار الجيش السوداني، والمطارات المدنية، ومقر الإذاعة والتلفزيون، فى محاولة واضحة للانقلاب والاستيلاء على السلطة، ولا تزال الاشتباكات جارية.
بالطبع هنالك قوي إقليمية ودولية توظف مخاوف ومطامع شخصية مثل حميدتي، قوي إقليمية ودولية تريد ان تري القوة العسكرية في السودان تتقاتل وتنقسم كما جري مع الجيش السوري واليمني عام 2011، قوي إقليمية ودولية ترى في هذا الخلاف ثغرة للدخول الى السودان وتحويله الى ملعب جديد ضمن ملاعب إقليمية تستضيف مونديال الحرب العالمية الثالثة كما الحال مع سلسلة الحرب على الإرهاب ثم حروب الربيع العربي وحالياً الحرب الأوكرانية.
الفوضى في السودان ولكن العين على مصر، بعد ان فرملت مصر تصدير الفوضى الخلاقة من حدودها الشرقية وأصبحت مصر اليوم هي مايسترو اعمار قطاع غزة الفلسطينية، وأغلقت مصر صنابير الفوضى الخلاقة انطلاقاً من ليبيا برسم الخط الأحمر (محور سرت الجفرة) وانتصار الرؤية المصرية بحق ليبيا في مؤتمر برلين يناير 2020 وصولاً الى التفاهم الأخير بين القاهرة وانقرة على وضع خارطة طريق لعقد انتخابات عامة برلمانية ورئاسية في ليبيا تؤدى الى انهاء انقسام الحكومة والرئاسة والجيش في الجار الغربي لمصر.
حاولت بريطانيا عام 2005 ارسال قوات الى السودان تحت يافطة حفظ السلام في إقليم دارفور ولكن مصر وقتذاك تصدت لمحاولة توني بلير، السودان مطمع منذ سنوات لما به من ثروات طبيعية وبشرية وايضاً لسهولة استهداف مصر استغلالاً للانصهار التاريخي بين مصر والسودان في كل شيء.