- إنضم
- 1 ديسمبر 2021
- المشاركات
- 269
- مستوى التفاعل
- 1,722
- النقاط
- 3
صحيفة «وول ستريت جورنال» نشرت يوم 18 يوليو تقريرا تناول أزمة العلاقات السعودية الإماراتية.. «محمد بن زايد» اتهم «محمد بن سلمان» في حديث خاص أواخر 2022 بأن تصرفاته المنفردة تقوض علاقات البلدين، وانتقد تقاربه المتزايد مع روسيا خاصة فيما يتعلق بالسياسات النفطية، والالتزام بسياسة خفض إنتاج «أوبك+» من النفط، وعقد اتفاق المصالحة مع إيران دون التنسيق مع الامارات.. ومن ناحية أخرى، وفى إحاطة صحفية مغلقة عقدها بن سلمان في ديسمبر 2022 مع مجموعة من الصحفيين، وصف موقف أبوظبي داخل أوبك بأنهم «وضعوا سكينًا في ظهرنا»، وعرض مطالبه من الإمارات محذرا «إن لم يلتزموا بها سنتخذ ضدهم خطوات عقابية، أقسي من تلك التي اتخذت ضد قطر عام 2017».. و«دوجلاس لندن» أحد العاملين السابقين بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أكد لـ «وول ستريت جورنال» ان بن سلمان يشعر أن بن زايد قاده إلى صراعات مدمرة تخدم مصالح الإمارات وليس السعودية، مثل الحرب الأهلية في اليمن.. القطيعة سادت بين الزعيمين منذ ديسمبر الماضي.
التوتر السعودي الإماراتي ليس أزمة طارئة، لكنه قديم قدم وضع «عبد العزيز آل سعود» حدود المملكة العربية السعودية، وتمددها على حساب الامارات وقطر وسلطنة عُمان، خاصة فيما يتعلق بواحة «البريمي»، التي تم تقاسمها بين الأطراف المعنية.. السعودية أجبرت الإمارات عام 1974 على توقيع «اتفاق جدة»، الذي اعترفت فيه المملكة بالإمارات، مقابل حصولها على مجموعة من الأراضي الغنية بالنفط على الحدود بين الدولتين.. وثائق «ويكيليكس» المسربة عن دوائر صنع القرار في واشنطن، كشفت أن بن زايد كان يستهزئ بالسعوديين ونظامهم السياسي سراً، وكان يسخر من «تأتأة» الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، وينتقد جهله، كما كان يصف شعب المملكة بالجهل والتخلف.
حين توفى الشيخ «زايد آل نهيان» مؤسس الإمارات، وتولى نجله خليفة للحكم، قام بإثارة موضوع الاتفاقية «الظالمة» مع المملكة عام 2004، مبررا بأن بلاده اضطرت لتوقيعها في ظرف استثنائي، نظرا لحاجتها آنذاك لاعتراف المملكة بالدولة الوليدة، لكن الجانب السعودي تمسك بها.. «ويكيليكس» في نوفمبر 2010 نقلت من جديد وثيقة عن بن زايد بتاريخ يوليو 2006، قال فيها ان «السعوديين ليسوا أصدقائي الأعزاء، وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط، فالإمارات وقطر خاضتا حروباً ضدهم، والإمارات وحدها خاضت 57 معركة ضد السعوديين خلال الـ 250 سنة الماضية».. إذن الرصيد مثقل بالمرارة.
ولكن، بعد تولى بن سلمان ولاية عهد السعودية في يونيو 2017، نشأت بينه وبين بن زايد ولي عهد أبو ظبي آنذاك علاقة شخصية، كان فيها الأول يستفيد من خبرات الثاني في الحكم وتنمية البلاد، وكان بن زايد هو الذي أقنع الرئيس الأمريكي ترامب بدعم وصول الأمير السعودي الشاب للعرش، ضمانا لسيطرة الأميرين على الخطاب السياسي واستراتيجية المنطقة، وكان دافع بن زياد وراء تبنى بن سلمان، هو الحرص على دعمه في القضاء على الحركة الوهابية المتطرفة، في عقر دارها، حتي لا تهيمن خلاياها على دول الخليج، ما يعنى تقويض النموذج الإماراتي.
الخطة الاقتصادية السعودية لرؤية 2030، تستهدف تنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط، لذلك هددت منتصف فبراير 2021، بإيقاف التعاقدات الحكومية - بدءاً من مطلع 2024- مع أي شركة أو مؤسسة تجارية متعددة الجنسيات، ما لم تقم بنقل مقرها الإقليمي بالمنطقة الى السعودية، وهو اجراء بدا موجها أساسا ضد الامارات، لأن مقار معظم هذه الكيانات تقع في دبي، فضلا عن سعى السعودية لإقامة مركز هايتك، ومواقع سياحية ولوجستية كبيرة، مما يمس مكانة وعائدات الإمارات.
السعودية تخشي حال انسحابها من اليمن، أن يتجه الشمال التابع للحوثيين للتحالف مع إيران، في الوقت الذي يدين فيه الجنوب بالولاء للإمارات، فتخرج المملكة من الحرب صفر اليدين، خاصة انها تخطط لمد خط أنابيب نفطي لميناء «المكلا» بخليج عدن، عبر محافظة حضرموت اليمنية، لكن الحركة الانفصالية الجنوبية التي تدعمها الامارات، ويمتد نفوذها لحضرموت ترفض ذلك صراحة.. الرياض عطلت في مارس 2023 دخول الشاحنات الأردنية من منفذ «الغويفات» الإماراتي الى جمرك «البطحاء» السعودي، بحجة وجود صعوبات فنية في أنظمة الترانزيت بالجمرك السعودي، حتى وصلت أعداد الشاحنات المحتجزة الى 500 شاحنة.
السعودية دشّنت في مارس 2023 شركة طيران وطنية ثانية «الرياض»، لمنافسة خطوط الطيران الخليجية، وعلى رأسها «طيران الإمارات»، ذات التصنيف العالمي الرفيع.. التنافس بين الدولتين امتد أيضا للقوة الناعمة؛ الامارات دعمت تنظيم مؤتمر «جروزني» بالشيشان أغسطس 2016، لإعادة تعريف «أهل السنة والجماعة»، ولم توجه الدعوة لعلماء السلفية والوهابية السعوديين، ما سمح بالتوافق على أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية وأهل المذاهب الأربعة، ما دفع السعودية للهجوم على الجهات المنظمة والمشاركين من علماء الدين، وعلى رأسهم فضيلة الامام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وعقدت «مؤتمر منى» بمكة المكرمة، الذي حذر من انشاء تكتلات تفرق المسلمين.
المملكة قامت بشراء نادي نيوكاسل لكرة القدم في إنجلترا عام 2021، وأنفقت المليارات لاجتذاب كبار اللاعبين على مستوى العالم، كما استقطبت نجوم الفن لتحسم تفوقها في تلك الأنشطة على كل دول المنطقة، لكن الامارات لم تكن خارج المنافسة، لأن نادي مانشستر الذي يملكه عضو بارز في العائلة الحاكمة في أبوظبي فاز بكأس إنجلترا وكأس أوروبا لكرة القدم في موسم 2023.
ورغم قيام الإمارات بسحب قواتها من التحالف العربي منتصف 2019، الا انها واصلت دعم حركات الانفصال في الجنوب، وتبنت المجلس الانتقالي الجنوبي، في مواجهة دعم السعودية للمجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، وكلا منهما يسعي لقيادة الحوار مع الحوثيين بصنعاء، امتدادا للصراع القديم الممتد بينهما، والذي عكس حدته منع طائرة الرئيس المنتخب السابق عبد ربه منصور هادي وعدد من القيادات الموالية للسعودية من الهبوط بمطار عدن، ما اضطرهم للعودة الى الرياض.
نقطة انهيار العلاقات بين السعودية والامارات كانت بسبب قرار الأخيرة عام 2022، توقيع اتفاق أمني مع المجلس الرئاسي الذي تدعمه السعودية برئاسة العليمي في ديسمبر 2022، يمنح أبوظبي حق التدخل في اليمن والمياه القريبة من سواحله، في حالة وجود تهديد وشيك، وتدريب القوات اليمنية في الإمارات، وتعميق التعاون الاستخباراتي، إضافة لسعي الامارات لبناء قاعدة عسكرية ومدرج طيران على جزيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر.. ثم استقبلت أبوظبي أحد اجتماعات المجلس ما اعتبرته السعودية تحدياً لاستراتيجيتها في المنطقة، ودفعها لنشر قوات سودانية من التحالف العسكري العربي في مناطق قريبة من العمليات الإماراتية، وتكثيف محادثاتها مع الحوثيين، لإنهاء الحرب اليمنية، دون السماح لأبوظبي بعرقلتها.
الخلاف بين بن سلمان وبن زايد يعكس منافسة على القوة الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، وأسواق النفط العالمية، الامارات ترى ان تحديد حصتها الإنتاجية وفقا لسياسة أوبك بقرابة 3 مليون برميل/ يوم، يحملها خسائر إيرادات مفقودة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، لذلك رفعت مستوى إنتاجها النفطي إلى ما يزيد عن أربعة ملايين برميل/يوم، وتخطط لتجاوز الخمسة ملايين.. أما الحرب السودانية فقد نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرا في 12 يوليو 2023، وصفت فيه القتال بين حميدتي والبرهان بأنه يتعلق بالمنافسة بين الإمارات والسعودية، لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.. الرياض تسعى من خلال التنسيق مع واشنطن لوقف الحرب، اما أبو ظبي فهي تدعم ميليشيات الدعم السريع لإحكام سيطرتها على السودان.. وفي سوريا رتب بن سلمان لعودتها إلى جامعة الدول العربية، رغم ان بن زايد سبقه بالمبادرة لعودة العلاقات العربية مع سوريا قبل ذلك بأعوام.
ومن علامات الخلاف الظاهرة، غياب بن زايد عن حضور عدة قمم في السعودية، الأولى قمة «العلا» التي استضافها بن سلمان للمصالحة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في يناير 2021، الثانية بالرياض وجمعت قادة عدد من الدول العربية بالرئيس الصيني شي جين بينج، والثالثة القمة العربية التي شهدت عودة سوريا لجامعة الدول العربية، أما بن سلمان فقد غاب عن القمة الإقليمية التي استضافتها الامارات لبعض القادة العرب في فبراير الماضي.
الشيخ طحنون بن زايد شقيق حاكم الامارات ومستشار الأمن القومي، يعتبر أحد الأصدقاء المقربين جدا لولي العهد السعودي، ورغم ذلك قام بست رحلات للمملكة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين بن سلمان وبن زايد، لكنه لم يتمكن من لقاءه، الا في 7 مايو 2023 بعد ان ساعدت ادارة الرئيس الأميركي بايدن في ترتيب اللقاء.. ورغم تعهد الامارات بعدم محاولة افساد محادثات السلام في اليمن، الا ان بن سلمان أبلغ مستشاريه «لن نغير أياً من السياسات تجاه الإمارات، فلم أعد أثق بهم».
وهناك سعى أماراتي دؤوب لتسوية الخلافات القديمة بين دول الخليج بعضها لبعض، وخاصة بين قطر والبحرين، والهدف الاستراتيجي للإمارات هو انشاء طوق موالي لها يبدأ من الكويت شمال غرب الخليج حتى اليمن جنوب غرب الجزيرة العربية، يضم البحرين وقطر وسلطنة عمان واليمن، بهدف محاصرة السعودية، والحد من قدرتها في الهيمنة على دول المنطقة.
ولكن، في تقديرنا ان هناك حدودا للخلاف بين الدولتين لن يتم تجاوزه، نظرا للمصالح الاقتصادية التي تجمعهما، فالإمارات تأتي في طليعة الدول المستثمرة في السعودية بقيمة إجمالية تتجاوز 34 مليار درهم، وهناك أكثر من 30 شركة ومجموعة استثمارية إماراتية تنفِّذ مشاريع كبرى، اما الاستثمارات السعودية المباشرة في الإمارات فقد تجاوزت 16 مليار درهم.. العمق التاريخي والموضوعي للخلاف، يخصم في الحقيقة من النفوذين الأمريكي والغربي، لصالح مزيدا من تدعيم مصالح روسيا والصين في الجزيرة العربية عامة والدولتين خاصة.. ما قد يبطئ سرعة إنهاء الحرب اليمنية، وربما يعرقل محاولة إنشاء تحالف أمني خليجي في مواجهة قوة إيران، فضلا عن انه يجهض كل محاولات إسرائيل انشاء علاقات دبلوماسية مع السعودية.
الخلاف السعودي الإماراتي أحد المحددات الرئيسية لحالة الاستقرار السياسي في المنطقة، لكنه في كل الأحوال لن يبلغ حد الصدام.. وفي كل الأحوال فإن مصر ليست طرفا؛ فعقب الإطاحة بحكم الاخوان عام 2013 اتفقت الدولتان على دعم النظام السياسي الذي أطاح بهم، قبل ان ينقلبا ويقررا التوقف، بعد ان تأكدا من خطورة الرؤية الاستراتيجية للنظام على طموحاتهما في سيادة المنطقة.. وخلال الحرب الأهلية في ليبيا شاركت الامارات في دعم نظام بنغازي الذى انحازت له مصر، ضد سيطرة الإسلام السياسي والميليشيات وتركيا على الغرب الليبي.
السعودية والامارات يدعمان النظام الإثيوبي باستثمارات كبيرة.. ولكن كلا منهما يؤيد طرف مختلف من الطرفين المتصارعين في السودان.. اذن المواقف تحركها المصالح، ومصر غير مطالبة بالانحياز لأحدهما ضد الآخر، وانما علينا ان نظل بصفة عامة على بعد واحد منهما، الا لو التزمت احداهما في أزمة بموقف يتعارض مع مصالحنا، على نحو ميلنا في الحرب السودانية للموقف السعودي، نظرا لانحياز الامارات لميليشيا الدعم السريع ضد الجيش الوطني.
منقول من صفحة الكاتب السياسي و الباحث فى شئون الأمن القومى جمال طه
التوتر السعودي الإماراتي ليس أزمة طارئة، لكنه قديم قدم وضع «عبد العزيز آل سعود» حدود المملكة العربية السعودية، وتمددها على حساب الامارات وقطر وسلطنة عُمان، خاصة فيما يتعلق بواحة «البريمي»، التي تم تقاسمها بين الأطراف المعنية.. السعودية أجبرت الإمارات عام 1974 على توقيع «اتفاق جدة»، الذي اعترفت فيه المملكة بالإمارات، مقابل حصولها على مجموعة من الأراضي الغنية بالنفط على الحدود بين الدولتين.. وثائق «ويكيليكس» المسربة عن دوائر صنع القرار في واشنطن، كشفت أن بن زايد كان يستهزئ بالسعوديين ونظامهم السياسي سراً، وكان يسخر من «تأتأة» الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، وينتقد جهله، كما كان يصف شعب المملكة بالجهل والتخلف.
حين توفى الشيخ «زايد آل نهيان» مؤسس الإمارات، وتولى نجله خليفة للحكم، قام بإثارة موضوع الاتفاقية «الظالمة» مع المملكة عام 2004، مبررا بأن بلاده اضطرت لتوقيعها في ظرف استثنائي، نظرا لحاجتها آنذاك لاعتراف المملكة بالدولة الوليدة، لكن الجانب السعودي تمسك بها.. «ويكيليكس» في نوفمبر 2010 نقلت من جديد وثيقة عن بن زايد بتاريخ يوليو 2006، قال فيها ان «السعوديين ليسوا أصدقائي الأعزاء، وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط، فالإمارات وقطر خاضتا حروباً ضدهم، والإمارات وحدها خاضت 57 معركة ضد السعوديين خلال الـ 250 سنة الماضية».. إذن الرصيد مثقل بالمرارة.
ولكن، بعد تولى بن سلمان ولاية عهد السعودية في يونيو 2017، نشأت بينه وبين بن زايد ولي عهد أبو ظبي آنذاك علاقة شخصية، كان فيها الأول يستفيد من خبرات الثاني في الحكم وتنمية البلاد، وكان بن زايد هو الذي أقنع الرئيس الأمريكي ترامب بدعم وصول الأمير السعودي الشاب للعرش، ضمانا لسيطرة الأميرين على الخطاب السياسي واستراتيجية المنطقة، وكان دافع بن زياد وراء تبنى بن سلمان، هو الحرص على دعمه في القضاء على الحركة الوهابية المتطرفة، في عقر دارها، حتي لا تهيمن خلاياها على دول الخليج، ما يعنى تقويض النموذج الإماراتي.
الخطة الاقتصادية السعودية لرؤية 2030، تستهدف تنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط، لذلك هددت منتصف فبراير 2021، بإيقاف التعاقدات الحكومية - بدءاً من مطلع 2024- مع أي شركة أو مؤسسة تجارية متعددة الجنسيات، ما لم تقم بنقل مقرها الإقليمي بالمنطقة الى السعودية، وهو اجراء بدا موجها أساسا ضد الامارات، لأن مقار معظم هذه الكيانات تقع في دبي، فضلا عن سعى السعودية لإقامة مركز هايتك، ومواقع سياحية ولوجستية كبيرة، مما يمس مكانة وعائدات الإمارات.
السعودية تخشي حال انسحابها من اليمن، أن يتجه الشمال التابع للحوثيين للتحالف مع إيران، في الوقت الذي يدين فيه الجنوب بالولاء للإمارات، فتخرج المملكة من الحرب صفر اليدين، خاصة انها تخطط لمد خط أنابيب نفطي لميناء «المكلا» بخليج عدن، عبر محافظة حضرموت اليمنية، لكن الحركة الانفصالية الجنوبية التي تدعمها الامارات، ويمتد نفوذها لحضرموت ترفض ذلك صراحة.. الرياض عطلت في مارس 2023 دخول الشاحنات الأردنية من منفذ «الغويفات» الإماراتي الى جمرك «البطحاء» السعودي، بحجة وجود صعوبات فنية في أنظمة الترانزيت بالجمرك السعودي، حتى وصلت أعداد الشاحنات المحتجزة الى 500 شاحنة.
السعودية دشّنت في مارس 2023 شركة طيران وطنية ثانية «الرياض»، لمنافسة خطوط الطيران الخليجية، وعلى رأسها «طيران الإمارات»، ذات التصنيف العالمي الرفيع.. التنافس بين الدولتين امتد أيضا للقوة الناعمة؛ الامارات دعمت تنظيم مؤتمر «جروزني» بالشيشان أغسطس 2016، لإعادة تعريف «أهل السنة والجماعة»، ولم توجه الدعوة لعلماء السلفية والوهابية السعوديين، ما سمح بالتوافق على أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية وأهل المذاهب الأربعة، ما دفع السعودية للهجوم على الجهات المنظمة والمشاركين من علماء الدين، وعلى رأسهم فضيلة الامام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وعقدت «مؤتمر منى» بمكة المكرمة، الذي حذر من انشاء تكتلات تفرق المسلمين.
المملكة قامت بشراء نادي نيوكاسل لكرة القدم في إنجلترا عام 2021، وأنفقت المليارات لاجتذاب كبار اللاعبين على مستوى العالم، كما استقطبت نجوم الفن لتحسم تفوقها في تلك الأنشطة على كل دول المنطقة، لكن الامارات لم تكن خارج المنافسة، لأن نادي مانشستر الذي يملكه عضو بارز في العائلة الحاكمة في أبوظبي فاز بكأس إنجلترا وكأس أوروبا لكرة القدم في موسم 2023.
ورغم قيام الإمارات بسحب قواتها من التحالف العربي منتصف 2019، الا انها واصلت دعم حركات الانفصال في الجنوب، وتبنت المجلس الانتقالي الجنوبي، في مواجهة دعم السعودية للمجلس الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، وكلا منهما يسعي لقيادة الحوار مع الحوثيين بصنعاء، امتدادا للصراع القديم الممتد بينهما، والذي عكس حدته منع طائرة الرئيس المنتخب السابق عبد ربه منصور هادي وعدد من القيادات الموالية للسعودية من الهبوط بمطار عدن، ما اضطرهم للعودة الى الرياض.
نقطة انهيار العلاقات بين السعودية والامارات كانت بسبب قرار الأخيرة عام 2022، توقيع اتفاق أمني مع المجلس الرئاسي الذي تدعمه السعودية برئاسة العليمي في ديسمبر 2022، يمنح أبوظبي حق التدخل في اليمن والمياه القريبة من سواحله، في حالة وجود تهديد وشيك، وتدريب القوات اليمنية في الإمارات، وتعميق التعاون الاستخباراتي، إضافة لسعي الامارات لبناء قاعدة عسكرية ومدرج طيران على جزيرة في مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر.. ثم استقبلت أبوظبي أحد اجتماعات المجلس ما اعتبرته السعودية تحدياً لاستراتيجيتها في المنطقة، ودفعها لنشر قوات سودانية من التحالف العسكري العربي في مناطق قريبة من العمليات الإماراتية، وتكثيف محادثاتها مع الحوثيين، لإنهاء الحرب اليمنية، دون السماح لأبوظبي بعرقلتها.
الخلاف بين بن سلمان وبن زايد يعكس منافسة على القوة الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، وأسواق النفط العالمية، الامارات ترى ان تحديد حصتها الإنتاجية وفقا لسياسة أوبك بقرابة 3 مليون برميل/ يوم، يحملها خسائر إيرادات مفقودة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، لذلك رفعت مستوى إنتاجها النفطي إلى ما يزيد عن أربعة ملايين برميل/يوم، وتخطط لتجاوز الخمسة ملايين.. أما الحرب السودانية فقد نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريرا في 12 يوليو 2023، وصفت فيه القتال بين حميدتي والبرهان بأنه يتعلق بالمنافسة بين الإمارات والسعودية، لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.. الرياض تسعى من خلال التنسيق مع واشنطن لوقف الحرب، اما أبو ظبي فهي تدعم ميليشيات الدعم السريع لإحكام سيطرتها على السودان.. وفي سوريا رتب بن سلمان لعودتها إلى جامعة الدول العربية، رغم ان بن زايد سبقه بالمبادرة لعودة العلاقات العربية مع سوريا قبل ذلك بأعوام.
ومن علامات الخلاف الظاهرة، غياب بن زايد عن حضور عدة قمم في السعودية، الأولى قمة «العلا» التي استضافها بن سلمان للمصالحة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في يناير 2021، الثانية بالرياض وجمعت قادة عدد من الدول العربية بالرئيس الصيني شي جين بينج، والثالثة القمة العربية التي شهدت عودة سوريا لجامعة الدول العربية، أما بن سلمان فقد غاب عن القمة الإقليمية التي استضافتها الامارات لبعض القادة العرب في فبراير الماضي.
الشيخ طحنون بن زايد شقيق حاكم الامارات ومستشار الأمن القومي، يعتبر أحد الأصدقاء المقربين جدا لولي العهد السعودي، ورغم ذلك قام بست رحلات للمملكة، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين بن سلمان وبن زايد، لكنه لم يتمكن من لقاءه، الا في 7 مايو 2023 بعد ان ساعدت ادارة الرئيس الأميركي بايدن في ترتيب اللقاء.. ورغم تعهد الامارات بعدم محاولة افساد محادثات السلام في اليمن، الا ان بن سلمان أبلغ مستشاريه «لن نغير أياً من السياسات تجاه الإمارات، فلم أعد أثق بهم».
وهناك سعى أماراتي دؤوب لتسوية الخلافات القديمة بين دول الخليج بعضها لبعض، وخاصة بين قطر والبحرين، والهدف الاستراتيجي للإمارات هو انشاء طوق موالي لها يبدأ من الكويت شمال غرب الخليج حتى اليمن جنوب غرب الجزيرة العربية، يضم البحرين وقطر وسلطنة عمان واليمن، بهدف محاصرة السعودية، والحد من قدرتها في الهيمنة على دول المنطقة.
ولكن، في تقديرنا ان هناك حدودا للخلاف بين الدولتين لن يتم تجاوزه، نظرا للمصالح الاقتصادية التي تجمعهما، فالإمارات تأتي في طليعة الدول المستثمرة في السعودية بقيمة إجمالية تتجاوز 34 مليار درهم، وهناك أكثر من 30 شركة ومجموعة استثمارية إماراتية تنفِّذ مشاريع كبرى، اما الاستثمارات السعودية المباشرة في الإمارات فقد تجاوزت 16 مليار درهم.. العمق التاريخي والموضوعي للخلاف، يخصم في الحقيقة من النفوذين الأمريكي والغربي، لصالح مزيدا من تدعيم مصالح روسيا والصين في الجزيرة العربية عامة والدولتين خاصة.. ما قد يبطئ سرعة إنهاء الحرب اليمنية، وربما يعرقل محاولة إنشاء تحالف أمني خليجي في مواجهة قوة إيران، فضلا عن انه يجهض كل محاولات إسرائيل انشاء علاقات دبلوماسية مع السعودية.
الخلاف السعودي الإماراتي أحد المحددات الرئيسية لحالة الاستقرار السياسي في المنطقة، لكنه في كل الأحوال لن يبلغ حد الصدام.. وفي كل الأحوال فإن مصر ليست طرفا؛ فعقب الإطاحة بحكم الاخوان عام 2013 اتفقت الدولتان على دعم النظام السياسي الذي أطاح بهم، قبل ان ينقلبا ويقررا التوقف، بعد ان تأكدا من خطورة الرؤية الاستراتيجية للنظام على طموحاتهما في سيادة المنطقة.. وخلال الحرب الأهلية في ليبيا شاركت الامارات في دعم نظام بنغازي الذى انحازت له مصر، ضد سيطرة الإسلام السياسي والميليشيات وتركيا على الغرب الليبي.
السعودية والامارات يدعمان النظام الإثيوبي باستثمارات كبيرة.. ولكن كلا منهما يؤيد طرف مختلف من الطرفين المتصارعين في السودان.. اذن المواقف تحركها المصالح، ومصر غير مطالبة بالانحياز لأحدهما ضد الآخر، وانما علينا ان نظل بصفة عامة على بعد واحد منهما، الا لو التزمت احداهما في أزمة بموقف يتعارض مع مصالحنا، على نحو ميلنا في الحرب السودانية للموقف السعودي، نظرا لانحياز الامارات لميليشيا الدعم السريع ضد الجيش الوطني.
منقول من صفحة الكاتب السياسي و الباحث فى شئون الأمن القومى جمال طه