- إنضم
- 19 نوفمبر 2021
- المشاركات
- 11,680
- مستوى التفاعل
- 40,084
- النقاط
- 43
- المستوي
- 10
- الرتب
- 10
معركة تحرير السويس هي معركة دارت بين اسرائيل وأفراد من المقاومة الشعبية وبعض عناصر الجيش في مدينة السويس المصرية يومي 24-25 أكتوبر عام 1973. وكانت آخر معركة كبرى في حرب اكتوبر، قبل سريان وقف إطلاق النار. في 23 أكتوبر مع وصول وشيك لمراقبي الامم المتحده، قررت قوات العدو اقتحام السويس، على افتراض أنها ستكون ضعيفة الدفاعات. أوكلت المهمة إلى لواء مدرع وكتيبة مشاة من لواء المظليين، ودخلت المدينة دون وجود خطة للمعركة. تعرض اللواء لكمين وتعرض لخسائر كبيرة، كما تعرضت قوات المظليين لنيران كثيفة والعديد منهم أصبحوا محاصرين داخل المبانى المحلية.
وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا يوم 23 أكتوبر بتوقيت شرق الولايات المتحدة، اتصل كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة من نيويورك بوزير الخارجية الأمريكي هنرى كسنجر في واشنطن هاتفيا، واخطره أن مصر تقدمت بشكوى رسمية عن الخرق الاسرائيلي لوقف اطلاق النار، وانه يقترح ايفاد قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف اطلاق النار.
وكان هنري كيسنجر الشديد التعصب لاسرائيل بحكم ديانته اليهودية، قد استغل منصبه كوزير خارجية الولايات المتحدة لتقديم مساعدات ضخمة لاسرائيل منذ بداية الحرب في شتى المجالات. وأثناء محادثاته مع بريجينيف خلال رحلته الى موسكو من اجل وقف اطلاق النار، تعمد اضاعة الوقت وتأخير اجتماع مجلس الامن لكي يعطي مهلة اضافية لاسرائيل عسى أن تسجل قواتها مزيدا من التقدم في جبهة القتال.
وفي نفس الوقت الذي تم فيه عزل السويس عن العالم الخارجي، نجح العدو في احكام حصارة الجيش الثالث الميداني شرق القناة، وكان هذا الجيش يتشكل من فرقتين 7 مشاة و19 مشاة وقوامها حوالي 40.000 ضابط وجندي ونحو 250 دبابة. وعلاوة على ذلك أصبحت هذه القوات كلها هي ومدينة السويس خارج نطاق شبكة الدفاع الجوي (سام) فقد كان الجيب الاسرائيلي الممتد من جنوب ترعة الاسماعيلية شمالا حتى ميناء الأدبية جنوبا يفصل بين كتائب الصواريخ المصرية أرض جو في الغرب ووحدات الجيش الثالث ومدينة السويس في الشرق مما أتاح الفرقة للطائرات الاسرائيلية للقيام بهجماتها العنيفة المركزة على السويس وعلى قوات الجيش الثالث دون اي فرصة لردع الطائرات الاسرائيلية المغيرة. هذا ولم تكن لدى القيادة المصرية وقتئذ أي قوات احتياطية غرب القناة سواء على المستوى التعبوي أو الاستراتيجي للقيام بهجوم مضاد رئيسي أو للقيام بضربة مضادة يمكن عن طريقها انهاء عزلة السويس وفك الحصار عن وحدات الجيش الثالث شرق القناة.
وبتعليمات من السكرتير العام للأمم المتحدة الجنرال الفنلندي إنزيو سيلاسفو قائد قوات الطوارئ الدولية في قبرص كلا من القاهرة وتل أبيب عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 339 في 23 أكتوبر، وتم الاتفاق بينه وبين المسئولين في القيادتين المصرية والاسرائيلية على أن تلتزم قوات الطرفين بالموعد الثاني لوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 339 وهو الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر.
ورغم اعلان اسرائيل قبولها لهذا الموعد الجديد لوقف اطلاق النار، فان عملياتها الحربية ضد الجيش الثالث وضد مدينة السويس استمرت طوال المدة من 24 إلى 27 أكتوبر. فقد كان الاسرائيليون يأملون أن تستسلم خلال هذه الفترة تحت ضغطهم الشديد قوات الجيش الثالث المحاصرة، وأن ينجحوا في اقتحام مدينة السويس قبل وصول قوات الامم المتحدة. ولو قدر لهم أن يحققوا ما كانوا يهدفون اليه لكانت مصر قد واجهت كارثة عسكرية من أسوأ الكوارث في تاريخها.
ولا شك في أن من أهم العوامل التي شجعت القيادة الاسرائيلية على الاستمرار في محاولاتها لحصار وتدمير الجيش الثالث والاستيلاء على مدينة السويس، تلك المساعدات الأمريكية الجبارة عبر الجسر الجوي الأمريكي لتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة في محاولة لقلب ميزان الموقف العسكري بعد النجاح الساحق الذي أحرزته القوات المصرية في المرحلة الأولى من الحرب. وكان الالتزام الامريكي بضمان أمن وسلامة اسرائيل الذي يمثل خطا استراتيجيا رئيسيا في السياسة الامريكية بمنطقة الشرق الأوسط، هو العامل الاول الذي شجع اسرائيل على مواصلة عملياتها الحربية غرب القناة على الرغم من صدور قرارين من مجلس الامن بوقف اطلاق النار، وهما القراران رقما: 339 في 22 أكتوبر، و339 في 23 اكتوبر ، اللذان أعلنت اسرائيل نفسها موافقتها عليهما.
وقبل مهاجمة مدينة السويس، وبعد احكام الحصار حولها، كان هدف القيادة الاسرائيلية هو القضاء على بقايا وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التي اشتركت في المعارك التعطيلية العنيفة ضد قوات الجنرال ابراهام أدان المتقدمة على المحور الساحلي الموازي للبحيرات المرة والقناة، مما أدى في النهاية الى تداخلها بين القوات الاسرائيلية.
وفي مساء يوم 23 أكتوبر كانت بقايا الوحدات الفرعية للفرقة السادسة الميكانيكية متمركزة في بعض المواقع الدفاعية التي احتلتها على عجل في المنطقة المحصورة ما بين طريق القاهرة-السويس الشمالي (طريق 12) وطريق القاهرة-السويس الرئيسي. وكانت وصلة جنيفة التي تتقاطع مع الطريق الشمالي على مسافة 6 كم جنوب معسكر حبيب الله وتتقاطع مع الطريق الرئيسي عند علامة الكيلو متر 109، تحد هذه المنطقة من الشرق. وكانت قوات الفرقة السادسة الميكانيكية في وضع تكتيكي خطير بسبب احاطة قوات العدو بها من الجوانب الاربعة: من الشرق في منطقة عجرود ومدخل السويس، ومن الغرب في منطقة الكيلو متر 101 طريق القاهرة السويس، ومن الشمال في مرتفعات جبل جنيفة وجبل غرة والتبة الزلطية، ومن الجنوب جبل عتاقة وكان القضاء عليها يعتبر مسالة وقت لاغير. ورغم ذلك فان القيادة الاسرائيلية كانت تهدف الى سرعة تطهير جميع الهيئات الحاكمة والمرتفعات شمال طريق القاهرة –السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا من القوات المصرية، حتى يمكنها القيام بعملياتها ضد مدينة السويس دون احتمال اي تدخل من جانب القوات المصرية التي كانت لا تزال في الغرب.
وبناء على تعليمات قائد الجيش الثالث الذي انتقل منذ مساء يوم 23 أكتوبر الى مركز قيادته الرئيسي في جنوب جبل عوبيد بعد اقتحام الدبابات الاسرائيلية لمركز قيادته المتقدم شمال غرب السويس، كان العميد أ. ح أبو الفتح محرم قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية موجودا عند علامة الكيلو متر 109 طريق القاهرة-السويس في الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر بعد ان اصبح القرار الثاني لوقف اطلاق النار نافذ المفعول، انتظارا لوصول المراقبين الدوليين الذين وعد الجنرال سيلاسفو بارسالهم في هذا التوقيت لارشادهم الى مناطق التجمعات المصرية داخل المنطقة التي احتلها اسرائيل عقب القرار الاول لوقف اطلاق النار لامكان تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 339 باعادة القوات الاسرائيلية الى خط 22 أكتوبر.
ولكن مفاجاة قاسية كانت في انتظار العميد أبو الفتح. فبدلا من قدوم المراقبين الدوليين، قدمت الى المنطقة الدفاعية التي تحتلها وحدات فرقته الطائرات الاسرائيلية لتقوم بهجماتها المدمرة، وتلاها قصف عنيف مركز من المدفعية الاسرائيلية ، واتضح ان اعلان اسرائيل قبولها لوقف اطلاق النار كان في المرتين ستارا خادعا لتقوم من ورائه بعملياتها.
وقبل الظهر تقدمت الدبابات الاسرائيلية الى الموقع الدفاعي شمال تقاطع الكيلو متر 109 الذي كانت تحتله بقايا وحدات من اللواء الأول مشاة ميكانيكي من اتجاهي الشرق والغرب على طول طريق القاهرة السويس الرئيسي، وتحت قصف عنيف من المدفعية وعن طريق المعاونة المباشرة للطيران، اخترقت الدبابات الاسرائيلية الموقع الدفاعي في حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء. وتحولت الدبابات الاسرائيلية بعد ذلك شمالا، وتحت ستار هجمات جوية مركزة وقصف مدفعي كثيف قامت الدبابات الاسرائيلية باختراق الموقع الدفاعي لبقايات وحدات اللواء 113 مشاة ميكانيكي في الساعة الخامسة مساء، وبذا تم تدمير وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية غرب القناة بعد معارك شرسة ، وسقطت جميع المواقع المصرية شمال طريق القاهرة السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا.
وكان الجنرال ابراهام أدان قائد الفرقة المدرعة الاسرائيلية التي تحاصر السويس قد تلقى رسالة لاسلكية من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية في الساعة الثانية صباح يوم 24 أكتوبر يسأله فيها اذا كان في مقدرته احتلال السويس في خلال ساعتين ونصف الساعة، وهي الفترة بين طلوع الفجر في الساعة الرابعة والنصف، وموعد السريان الثاني لوقف اطلاق النار في الساعة الرابعة صباحا. وعندما رد الجنرال ادان بأن هذا يتوقف على عدد المصريين المقاتلين بالمدنية ومدى تصميمهم على القتال، وأنه يستطيع الاستيلاءعلى جزء من المدينة من أسوأ الفروض، فتردد جونين قليلا ثم قال: "حسنا اذا كانت بئر السبع فتقدم على الفور، واذا كانت ستالينجراد فلا تدخلها". وبكلمات أخرى كان جونين يعني انه اذا كان في الامكان الاستيلاء على السويس بنفس السهولة التي بها استيلاء الاسرائيلية على مدينة بئر السبع في 20 أكتوبر 1948 فانه يوافق على الهجوم، ولكن اذا كان أدان سيلقي مقاومة مثل تلك التي صادفها الجنرال الالماني فون باولوس عند محاولة اقتحام مدينة ستالينجراد السوفيتية عام 1945 فينبغي عليه العدول عن المحاولة. وعقب هذا الحوار مباشرة أصدر الجنرال أدان أمرا الى قواته بالهجوم على مدينة السويس في صباح يوم 24 أكتوبر وفقا للخطة التالية:
وكانت السويس – من وجهة النظر العسكرية- بعيدة تماما عن خطر التعرض لاي غارة اسرائيلية بعد أن نجحت القوات المصرية ذلك النجاح الساحق يوم 6 أكتوبر،وتمكنت من عبور قناة السويس، واجتياح خط بارليف وانشاء منطقة حصينة من رؤوس الكباري شرق القناة تكسرت أمام صلابتها وقوتها جميع الهجمات الاسرائيلية المضادة. ونتيجة لهذا الوضع لم تتخذ بشأن الدفاع عن المدينة أي تدابير عسكرية شاملة ، فلم توضع خطة مرسومة لمواجهة أي غزوة محتمل، ولم تخصص قوات كافية للدفاع عن مرافق المدينة ومنشآتها الهامة، ولم يعين قائد عسكري للسويس الا بعد أن تعرضت فعلا للغزو. فقد صدر الأمر بتعيين المستشار العسكري للمحافظة قائدا عسكريا لها مساء 23 أكتوبر. ورغم كل الظروف الصعبة التي واجهتها السويس عندما وجدت جيش الغزاة يحيط بها من كل جانب، استطاع شعبها الباسل باسلحته البدائية وبفضل التحامه بقواته المسلحة أن يصد تلك الجحافل المدرعة الفتاكة التي انطلقت يوم 24 أكتوبر تخترق شوارع المدينة.
خلفية
في فجر يوم 23 أكتوبر انتهكت إسرائيل قرار مجلس الامنمن فضلك,
تسجيل الدخول
أو
تسجيل
لعرض المحتوي!
الصادر في 22 أكتوبر 73 بوقف اطلاق النار، فقد تقدمت الفرقتان المدرعتان بقيادة الجنرالين ابراهام أدان وكلمان بموافقة القيادة الجنوبية الاسرائيلية، جنوبا في اتجاه السويس، وأصبح من الواضح أن اسرائيل مصممة على تحقيق أهدافها التي لم تتمكن من تحقيقها قبل وقف اطلاق النار، بسبب المقاومة المصرية الباسلة، وهي عزل مدينة السويس واحكام الحصار حول الجيش الثالث الميداني شرق القناة، لاستخدام ذلك كورقة رابحة في يدها للمساومة بها خلال المحادثات التي كان من المنتظر عقدها بينها وبين مصر وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 338.وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا يوم 23 أكتوبر بتوقيت شرق الولايات المتحدة، اتصل كورت فالدهايم السكرتير العام للأمم المتحدة من نيويورك بوزير الخارجية الأمريكي هنرى كسنجر في واشنطن هاتفيا، واخطره أن مصر تقدمت بشكوى رسمية عن الخرق الاسرائيلي لوقف اطلاق النار، وانه يقترح ايفاد قوة طوارئ دولية لمراقبة وقف اطلاق النار.
قرار مجلس الأمن رقم 339
نظرا لان السفير السوفيتي أناتولي دوبرينين كان لا يزال في موسكو عقب حضوره محادثات الرئيس بريجينيف وكسنجر يوم 21 أكتوبر في العاصمة السوفيتية، فقد بادر كيسنجر عقب حديث فالدهايم معه الى الاتصال بالقائم بالأعمال السوفيتي في واشنطن، وقدم له اقتراحا لينقله الى موسكو، وهو أن يجتمع مجلس الأمن كي يكلف السكرتير العام فالدهايم باصدار نداء الى الاطراف المعنية بضرورة الالتزام بوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 338.وكان هنري كيسنجر الشديد التعصب لاسرائيل بحكم ديانته اليهودية، قد استغل منصبه كوزير خارجية الولايات المتحدة لتقديم مساعدات ضخمة لاسرائيل منذ بداية الحرب في شتى المجالات. وأثناء محادثاته مع بريجينيف خلال رحلته الى موسكو من اجل وقف اطلاق النار، تعمد اضاعة الوقت وتأخير اجتماع مجلس الامن لكي يعطي مهلة اضافية لاسرائيل عسى أن تسجل قواتها مزيدا من التقدم في جبهة القتال.
خرق وقف اطلاق النار
عند منتصف ليلة 23/24 أكتوبر كانت القوات الاسرائيلية التي اندفعت في اتجاه الجنوب منذ فجر 23 أكتوبر قد أكملت في ظل وقف اطلاق النار حلقة الحصار حول مدينة السويس، فقد تم لها قطع طريق السويس القاهرة من ناحية الغرب، والطريقين اللذين يؤديان الى الاسماعيلية من ناحية الشمال، وهما طريق القناة وطريق المعاهدة، كما تم لها قطع الطريق البري الذي يربط السويس بميناء الأدبية وخليج السويس من ناحية الجنوب، وبوصول بعض القطع البحرية الاسرائيلية صباح يوم 24 أكتوبر الى ميناء الأدبية تم قطع الطريق البحري الذي يربط السويس بالخليج والبحر الأحمر.وفي نفس الوقت الذي تم فيه عزل السويس عن العالم الخارجي، نجح العدو في احكام حصارة الجيش الثالث الميداني شرق القناة، وكان هذا الجيش يتشكل من فرقتين 7 مشاة و19 مشاة وقوامها حوالي 40.000 ضابط وجندي ونحو 250 دبابة. وعلاوة على ذلك أصبحت هذه القوات كلها هي ومدينة السويس خارج نطاق شبكة الدفاع الجوي (سام) فقد كان الجيب الاسرائيلي الممتد من جنوب ترعة الاسماعيلية شمالا حتى ميناء الأدبية جنوبا يفصل بين كتائب الصواريخ المصرية أرض جو في الغرب ووحدات الجيش الثالث ومدينة السويس في الشرق مما أتاح الفرقة للطائرات الاسرائيلية للقيام بهجماتها العنيفة المركزة على السويس وعلى قوات الجيش الثالث دون اي فرصة لردع الطائرات الاسرائيلية المغيرة. هذا ولم تكن لدى القيادة المصرية وقتئذ أي قوات احتياطية غرب القناة سواء على المستوى التعبوي أو الاستراتيجي للقيام بهجوم مضاد رئيسي أو للقيام بضربة مضادة يمكن عن طريقها انهاء عزلة السويس وفك الحصار عن وحدات الجيش الثالث شرق القناة.
وبتعليمات من السكرتير العام للأمم المتحدة الجنرال الفنلندي إنزيو سيلاسفو قائد قوات الطوارئ الدولية في قبرص كلا من القاهرة وتل أبيب عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 339 في 23 أكتوبر، وتم الاتفاق بينه وبين المسئولين في القيادتين المصرية والاسرائيلية على أن تلتزم قوات الطرفين بالموعد الثاني لوقف اطلاق النار وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 339 وهو الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر.
ورغم اعلان اسرائيل قبولها لهذا الموعد الجديد لوقف اطلاق النار، فان عملياتها الحربية ضد الجيش الثالث وضد مدينة السويس استمرت طوال المدة من 24 إلى 27 أكتوبر. فقد كان الاسرائيليون يأملون أن تستسلم خلال هذه الفترة تحت ضغطهم الشديد قوات الجيش الثالث المحاصرة، وأن ينجحوا في اقتحام مدينة السويس قبل وصول قوات الامم المتحدة. ولو قدر لهم أن يحققوا ما كانوا يهدفون اليه لكانت مصر قد واجهت كارثة عسكرية من أسوأ الكوارث في تاريخها.
ولا شك في أن من أهم العوامل التي شجعت القيادة الاسرائيلية على الاستمرار في محاولاتها لحصار وتدمير الجيش الثالث والاستيلاء على مدينة السويس، تلك المساعدات الأمريكية الجبارة عبر الجسر الجوي الأمريكي لتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدات المتطورة في محاولة لقلب ميزان الموقف العسكري بعد النجاح الساحق الذي أحرزته القوات المصرية في المرحلة الأولى من الحرب. وكان الالتزام الامريكي بضمان أمن وسلامة اسرائيل الذي يمثل خطا استراتيجيا رئيسيا في السياسة الامريكية بمنطقة الشرق الأوسط، هو العامل الاول الذي شجع اسرائيل على مواصلة عملياتها الحربية غرب القناة على الرغم من صدور قرارين من مجلس الامن بوقف اطلاق النار، وهما القراران رقما: 339 في 22 أكتوبر، و339 في 23 اكتوبر ، اللذان أعلنت اسرائيل نفسها موافقتها عليهما.
وقبل مهاجمة مدينة السويس، وبعد احكام الحصار حولها، كان هدف القيادة الاسرائيلية هو القضاء على بقايا وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية التي اشتركت في المعارك التعطيلية العنيفة ضد قوات الجنرال ابراهام أدان المتقدمة على المحور الساحلي الموازي للبحيرات المرة والقناة، مما أدى في النهاية الى تداخلها بين القوات الاسرائيلية.
وفي مساء يوم 23 أكتوبر كانت بقايا الوحدات الفرعية للفرقة السادسة الميكانيكية متمركزة في بعض المواقع الدفاعية التي احتلتها على عجل في المنطقة المحصورة ما بين طريق القاهرة-السويس الشمالي (طريق 12) وطريق القاهرة-السويس الرئيسي. وكانت وصلة جنيفة التي تتقاطع مع الطريق الشمالي على مسافة 6 كم جنوب معسكر حبيب الله وتتقاطع مع الطريق الرئيسي عند علامة الكيلو متر 109، تحد هذه المنطقة من الشرق. وكانت قوات الفرقة السادسة الميكانيكية في وضع تكتيكي خطير بسبب احاطة قوات العدو بها من الجوانب الاربعة: من الشرق في منطقة عجرود ومدخل السويس، ومن الغرب في منطقة الكيلو متر 101 طريق القاهرة السويس، ومن الشمال في مرتفعات جبل جنيفة وجبل غرة والتبة الزلطية، ومن الجنوب جبل عتاقة وكان القضاء عليها يعتبر مسالة وقت لاغير. ورغم ذلك فان القيادة الاسرائيلية كانت تهدف الى سرعة تطهير جميع الهيئات الحاكمة والمرتفعات شمال طريق القاهرة –السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا من القوات المصرية، حتى يمكنها القيام بعملياتها ضد مدينة السويس دون احتمال اي تدخل من جانب القوات المصرية التي كانت لا تزال في الغرب.
وبناء على تعليمات قائد الجيش الثالث الذي انتقل منذ مساء يوم 23 أكتوبر الى مركز قيادته الرئيسي في جنوب جبل عوبيد بعد اقتحام الدبابات الاسرائيلية لمركز قيادته المتقدم شمال غرب السويس، كان العميد أ. ح أبو الفتح محرم قائد الفرقة 6 مشاة ميكانيكية موجودا عند علامة الكيلو متر 109 طريق القاهرة-السويس في الساعة السابعة صباحا يوم 24 أكتوبر بعد ان اصبح القرار الثاني لوقف اطلاق النار نافذ المفعول، انتظارا لوصول المراقبين الدوليين الذين وعد الجنرال سيلاسفو بارسالهم في هذا التوقيت لارشادهم الى مناطق التجمعات المصرية داخل المنطقة التي احتلها اسرائيل عقب القرار الاول لوقف اطلاق النار لامكان تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 339 باعادة القوات الاسرائيلية الى خط 22 أكتوبر.
ولكن مفاجاة قاسية كانت في انتظار العميد أبو الفتح. فبدلا من قدوم المراقبين الدوليين، قدمت الى المنطقة الدفاعية التي تحتلها وحدات فرقته الطائرات الاسرائيلية لتقوم بهجماتها المدمرة، وتلاها قصف عنيف مركز من المدفعية الاسرائيلية ، واتضح ان اعلان اسرائيل قبولها لوقف اطلاق النار كان في المرتين ستارا خادعا لتقوم من ورائه بعملياتها.
وقبل الظهر تقدمت الدبابات الاسرائيلية الى الموقع الدفاعي شمال تقاطع الكيلو متر 109 الذي كانت تحتله بقايا وحدات من اللواء الأول مشاة ميكانيكي من اتجاهي الشرق والغرب على طول طريق القاهرة السويس الرئيسي، وتحت قصف عنيف من المدفعية وعن طريق المعاونة المباشرة للطيران، اخترقت الدبابات الاسرائيلية الموقع الدفاعي في حوالي الساعة الثالثة والنصف مساء. وتحولت الدبابات الاسرائيلية بعد ذلك شمالا، وتحت ستار هجمات جوية مركزة وقصف مدفعي كثيف قامت الدبابات الاسرائيلية باختراق الموقع الدفاعي لبقايات وحدات اللواء 113 مشاة ميكانيكي في الساعة الخامسة مساء، وبذا تم تدمير وحدات الفرقة 6 مشاة ميكانيكية غرب القناة بعد معارك شرسة ، وسقطت جميع المواقع المصرية شمال طريق القاهرة السويس حتى علامة الكيلو متر 101 غربا.
وكان الجنرال ابراهام أدان قائد الفرقة المدرعة الاسرائيلية التي تحاصر السويس قد تلقى رسالة لاسلكية من الجنرال جونين قائد القيادة الجنوبية في الساعة الثانية صباح يوم 24 أكتوبر يسأله فيها اذا كان في مقدرته احتلال السويس في خلال ساعتين ونصف الساعة، وهي الفترة بين طلوع الفجر في الساعة الرابعة والنصف، وموعد السريان الثاني لوقف اطلاق النار في الساعة الرابعة صباحا. وعندما رد الجنرال ادان بأن هذا يتوقف على عدد المصريين المقاتلين بالمدنية ومدى تصميمهم على القتال، وأنه يستطيع الاستيلاءعلى جزء من المدينة من أسوأ الفروض، فتردد جونين قليلا ثم قال: "حسنا اذا كانت بئر السبع فتقدم على الفور، واذا كانت ستالينجراد فلا تدخلها". وبكلمات أخرى كان جونين يعني انه اذا كان في الامكان الاستيلاء على السويس بنفس السهولة التي بها استيلاء الاسرائيلية على مدينة بئر السبع في 20 أكتوبر 1948 فانه يوافق على الهجوم، ولكن اذا كان أدان سيلقي مقاومة مثل تلك التي صادفها الجنرال الالماني فون باولوس عند محاولة اقتحام مدينة ستالينجراد السوفيتية عام 1945 فينبغي عليه العدول عن المحاولة. وعقب هذا الحوار مباشرة أصدر الجنرال أدان أمرا الى قواته بالهجوم على مدينة السويس في صباح يوم 24 أكتوبر وفقا للخطة التالية:
- لواء جابي: يتم دخول السويس من اتجاهين: من اتجاه الغرب على محور طريق القاهرة السويس، ومن اتجاه الجنوب الغربي على محور طريق الزيتية السويس، وتندفع القوتان الى وسط المدينة.
- لواء آريين: يدخل السويس من اتجاهين: اتجاه الشمال (طريق الجنانين) ومن اتجاه الشمال الغربي، على أن يكون مجهود الرئيسي على اليمين بموازاة طريق القاهرة السويس، وكانت تتبع لواء آرييه من المظليين بقيادة المقدم يوسي. وكان على قوات آرييه الالتقاء بقوات جابي عند وسط المدينة. ولتأمين المدينة عقب اقتحامها بالدبابات الاسرائيلية، تم تخصيص كتيبتي مشاة من لواء دوفيك تماري لكي تتبع الدبابات على طريق القاهرة-السويس للقيام بعملية التطهير. وكانت الخطة تقضي بأن يتم معاونة هجوم لواءي جابي وآرييه بقصف مدفعي كثيف، وأن تتبعه في الحال ضربة جوية مركزية ضد مراكز المقاومة داخل السويس. وكان على لواء نيتكا ولواء دوفيك تماري (عدا كتيبتين) أن يواصلا عملية تطهير الحزام الاخضر بين الشلوفة والسويس.
وكانت السويس – من وجهة النظر العسكرية- بعيدة تماما عن خطر التعرض لاي غارة اسرائيلية بعد أن نجحت القوات المصرية ذلك النجاح الساحق يوم 6 أكتوبر،وتمكنت من عبور قناة السويس، واجتياح خط بارليف وانشاء منطقة حصينة من رؤوس الكباري شرق القناة تكسرت أمام صلابتها وقوتها جميع الهجمات الاسرائيلية المضادة. ونتيجة لهذا الوضع لم تتخذ بشأن الدفاع عن المدينة أي تدابير عسكرية شاملة ، فلم توضع خطة مرسومة لمواجهة أي غزوة محتمل، ولم تخصص قوات كافية للدفاع عن مرافق المدينة ومنشآتها الهامة، ولم يعين قائد عسكري للسويس الا بعد أن تعرضت فعلا للغزو. فقد صدر الأمر بتعيين المستشار العسكري للمحافظة قائدا عسكريا لها مساء 23 أكتوبر. ورغم كل الظروف الصعبة التي واجهتها السويس عندما وجدت جيش الغزاة يحيط بها من كل جانب، استطاع شعبها الباسل باسلحته البدائية وبفضل التحامه بقواته المسلحة أن يصد تلك الجحافل المدرعة الفتاكة التي انطلقت يوم 24 أكتوبر تخترق شوارع المدينة.