مصر في الصومال: تحدث بهدوء واحمل عصا غليظة
وبفضل الدعم الدولي المستمر، فإن بعثة حفظ السلام الجديدة في الصومال لديها القدرة على تحقيق الاستقرار في البلاد ومنعها من أن تصبح بؤرة للجماعات المتطرفة.
في أغسطس 2024، وافق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي على تشكيل بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم واستقرار الصومال (AUSSOM)، وهي الخطوة التي أقرها لاحقًا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن المقرر أن تتولى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم واستقرار الصومال، وهي البعثة الثالثة التي يقودها الاتحاد الأفريقي بهدف تحقيق الاستقرار في الصومال، مهام بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) بحلول يناير 2025. وتأتي هذه البعثة في وقت حرج بالنسبة للصومال، الذي يواجه صراعًا داخليًا وعدم استقرار اقتصادي وتهديدات أمنية من جماعات مسلحة مثل حركة الشباب منذ عام 1991.
التحديات الحالية التي تواجه الصومال
لا تزال الصومال تكافح مجموعة من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية. وعلى الرغم من التدخلات الدولية المتعددة، تواجه البلاد تهديدات مستمرة من حركة الشباب، التي تحتفظ بالسيطرة على العديد من المناطق الريفية وأظهرت قدرتها على ضرب المدن الكبرى، بما في ذلك مقديشو. ويسلط الهجوم المميت في أغسطس/آب، والذي أسفر عن مقتل اثنين وثلاثين مدنيًا، الضوء على الخطر المستمر الذي تشكله الجماعة.
كما تكافح الحكومة الفيدرالية الصومالية لفرض سيطرتها على المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي مثل أرض الصومال وبونتلاند. واستمرت هذه المناطق في مقاومة سلطة الحكومة المركزية، مما زاد من تعقيد الجهود الرامية إلى استقرار البلاد.
وعلاوة على ذلك، تركت موجات الجفاف المتكررة، إلى جانب عقود من الصراع، ما يقرب من 7 ملايين صومالي في حاجة إلى مساعدات إنسانية.
الانتقال من قوة المهام الخاصة في الصومال إلى قوة المهام الخاصة في الصومال
من المقرر أن تنسحب قوة المهام الخاصة في الصومال بالكامل بحلول 31 ديسمبر 2024، مما يترك الأمن في الصومال في أيدي الجيش الوطني الصومالي. ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن قدرة الجيش الوطني الصومالي على التعامل مع التهديدات الأمنية المتزايدة، حيث لا يزال الجيش يعاني من نقص التمويل ونقص المعدات. ومن المتوقع أن تتولى قوة المهام الخاصة في الصومال المسؤولية وتواصل جهود تحقيق الاستقرار، لكنها تواجه تحدياتها الخاصة، بما في ذلك نقص التمويل المحتمل
وبدون التحضير الكافي، فإن الانتقال بين قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي قد يخلق فراغًا أمنيًا قد تستغله حركة الشباب. ويشكل سيناريو الانهيار على غرار ما حدث في أفغانستان تهديدًا حقيقيًا للبلد المنهك من الصراع، وهو ما أعربت عنه أيضًا الدول المجاورة، مؤكدة على الحاجة إلى استمرار الدعم الدولي لمنع هذه النتيجة..
البعثات السابقة للاتحاد الأفريقي
لقد دفع تاريخ الصومال الطويل من عدم الاستقرار إلى إرسال العديد من بعثات حفظ السلام، بدءًا من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميسوم) في عام 2007. ولعبت أميسوم دورًا فعالاً في دفع حركة الشباب إلى الخروج من المدن الكبرى، لكن الجماعة احتفظت بالسيطرة على مناطق ريفية شاسعة. كما لم تتول أميسوم زمام المبادرة في معالجة القضايا الأساسية في الصومال: أزمة سياسية اتسمت بالنزاعات حول هياكل الحكم، ونقص المصالحة، والصراعات المسلحة المتعددة المترابطة التي تحركها عوامل مختلفة. في أبريل 2022، انتقلت أميسوم إلى ATMIS، والتي تهدف إلى تسليم المسؤوليات الأمنية للقوات الصومالية تدريجيًا.
وعلى الرغم من بعض النجاحات، واجهت ATMIS صعوبات في التعامل مع قضايا التمويل وفشلت في تحقيق أهدافها بالكامل، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى نقص الدعم الدولي. ومن المتوقع الآن أن تستأنف AUSSOM العمل من حيث انتهى ATMIS، ولكن هناك مخاوف بشأن مشاكل تمويل مماثلة.
دور مصر في الصومال
إن مشاركة مصر في الصومال مدفوعة بمصلحتها الاستراتيجية في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب. إن عدم الاستقرار في الصومال، وخاصة إذا اكتسبت حركة الشباب المزيد من الأرض، يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح مصر، بما في ذلك سيطرتها على البحر الأحمر وقناة السويس. بالإضافة إلى ذلك، تخشى مصر سيناريو مشابه لسقوط أفغانستان في قبضة طالبان، حيث سيسمح الفراغ الأمني لحركة الشباب بتأسيس دولة إسلامية في الصومال، مع عواقب تمتد إلى الدول المجاورة مثل كينيا وإثيوبيا وجيبوتي.
وسعت مصر دورها في جهود حفظ السلام في الصومال من خلال توقيع بروتوكول تعاون عسكري. ومن خلال هذا البروتوكول، تقوم مصر بتزويد الجيش الوطني الصومالي بالأسلحة والمعدات والتدريب لدعم الجيش الوطني الصومالي. تهدف مصر إلى مساعدة الصومال في سد الفراغ الأمني الذي خلفه انسحاب قوات الأمن الصومالية ومنع حركة الشباب من اكتساب المزيد من الأرض. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت مصر بتقديم قوات ودعم عسكري لـ (AUSSOM)
لمصر تاريخ طويل في المشاركة في بعثات حفظ السلام في جميع أنحاء إفريقيا والعالم. تعد مصر واحدة من أكبر الدول المساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. تم نشر قوات حفظ السلام المصرية في مناطق الصراع مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان. يؤكد هذا الانخراط على دور مصر كقوة استقرار في إفريقيا، ملتزمة بالحفاظ على السلام والأمن في جميع أنحاء القارة.
الدور المعقد لإثيوبيا
بينما وضعت مصر نفسها كقوة استقرار في الصومال، فإن دور إثيوبيا أكثر إثارة للجدل. لإثيوبيا تاريخ طويل من التدخل في الشؤون الصومالية، والتي غالبًا ما ينظر إليها القادة الصوماليون والمصريون على أنها توسعية. وأحدث نقطة توتر هي تورط إثيوبيا في أرض الصومال، وهي منطقة منشقة عن الصومال أعلنت استقلالها في عام 1991 ولكنها غير معترف بها دوليًا.
في عام 2018، دخلت إثيوبيا في اتفاقية تطوير ميناء مع أرض الصومال لميناء بربرة الاستراتيجي، متجاوزة الحكومة الفيدرالية الصومالية. وقد تعرضت هذه الخطوة لانتقادات باعتبارها انتهاكًا للسيادة الصومالية، كما أدت إلى زيادة التوترات بين إثيوبيا والصومال ومصر.
وعلاوة على ذلك، اتُهمت إثيوبيا باستخدام وجودها العسكري في الصومال لتعزيز مصالحها الخاصة بدلاً من المساهمة في السلام والأمن. دعت حكومة الصومال الفيدرالية مرارًا وتكرارًا إلى انسحاب القوات الإثيوبية من المناطق الصومالية الرئيسية، مشيرة إلى مخاوف من أن تصرفات إثيوبيا قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر.
موقف مصر من إثيوبيا والبحر الأحمر
القضية بين مصر وإثيوبيا ليست وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر. فإثيوبيا لديها بالفعل حق الوصول من خلال اتفاقياتها مع جيبوتي، تمامًا كما أن الدول غير الساحلية الأخرى في المنطقة لديها صفقات مماثلة. على سبيل المثال، تستخدم أوغندا وجنوب السودان موانئ كينيا، بينما تصل بوروندي ورواندا إلى موانئ تنزانيا. ولم تعارض مصر وصول إثيوبيا عبر جيبوتي.
ومع ذلك، فإن الشاغل الأساسي لمصر والصومال يكمن في تورط إثيوبيا مع أرض الصومال، وهي منطقة مستقلة غير معترف بها في الصومال وأعلنت استقلالها. وترى كل من الحكومة الفيدرالية الصومالية ومصر هذا الأمر بمثابة تحدٍ مباشر لسلامة أراضي الصومال. وتُنظر إلى تعاملات إثيوبيا مع أرض الصومال، وخاصة اتفاقية الموانئ في بربرة، على أنها جزء من استراتيجية أوسع لتقويض أرض الصومال وإضعاف سيادة الصومال. وهذا له آثار خطيرة على استقرار المنطقة بأكملها.
علاوة على ذلك، فإن النزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير لا يتعلق بالسد نفسه أو بحق إثيوبيا في التنمية. بل إن القضية تنبع من رفض إثيوبيا الموافقة على إطار ملزم قانونًا لملء السد وتشغيله، وهو أمر بالغ الأهمية لضمان الأمن المائي لمصر وحماية حقوقها بموجب القانون الدولي.
الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية لمصر
يمكن تلخيص سياسة مصر في الصومال على أنها "تحدث بهدوء ولكن احمل عصا كبيرة". وبينما تواصل مصر الانخراط دبلوماسيًا مع الجهات الفاعلة الإقليمية، فإنها تحافظ على علاقات عسكرية قوية في الصومال، سواء من خلال مساهماتها في قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي واتفاقيات الدفاع الثنائية. ويعمل هذا النهج كرادع للتهديدات الخارجية ووسيلة للحفاظ على سلامة أراضي الصومال.
إن مشاركة مصر هي أيضًا انعكاس لاستراتيجيتها الجيوسياسية الأوسع في منطقة القرن الأفريقي. فالبحر الأحمر ممر ملاحي بالغ الأهمية، وأي اضطراب ناجم عن عدم الاستقرار في الصومال قد يكون له عواقب اقتصادية وخيمة على مصر. وعلى هذا النحو، فإن لمصر مصلحة راسخة في ضمان عدم تحول الصومال إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة مثل حركة الشباب.
من بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي إلى بعثة الاتحاد الأفريقي
مع انتقال الصومال من بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي إلى بعثة الاتحاد الأفريقي، فإن التحديات التي تواجهها كبيرة. إن انسحاب بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، إذا لم تتم إدارته بعناية، قد يؤدي إلى فراغ أمني تستعد حركة الشباب لاستغلاله. إن مشاركة مصر في الصومال، من خلال جهود حفظ السلام والدعم العسكري، تسلط الضوء على التزامها بضمان الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، فإن تصرفات إثيوبيا في أرض الصومال تعقد الجهود الرامية إلى الحفاظ على السلام في المنطقة، حيث تهدد سياساتها التوسعية السيادة الصومالية.
إن استراتيجية مصر المتمثلة في الجمع بين المشاركة الدبلوماسية والوجود العسكري القوي تعكس أهدافها طويلة الأجل المتمثلة في ضمان السلام والأمن في الصومال. وبفضل الدعم الدولي المستمر، تتمتع بعثة الاتحاد الأفريقي بإمكانية استقرار الصومال ومنعها من أن تصبح مرتعًا للجماعات المتطرفة. ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى جهود مستدامة لضمان قدرة الجيش الوطني الصومالي على تولي مسؤوليات الأمن في البلاد بشكل فعال في الأمد البعيد.
من خلال مساهماتها في حفظ السلام ودعمها الاستراتيجي للحكومة الصومالية، وضعت مصر نفسها كلاعب رئيسي في تشكيل مستقبل الصومال والقرن الأفريقي ككل.
محمد فريد عضو بمجلس الشيوخ المصري ومؤسس النادي الليبرالي بالقاهرة.
محمد ماهر صحفي وباحث مصري مقيم في الولايات المتحدة ومشارك سابق في برنامج التبادل الثقافي الدولي الذي ترعاه وزارة الخارجية.
الصورة: Mr Root / Shutterstock.com.