العقوبات الاميركية على #السودان بلا فعالية ان لم يكن هناك مساعدة من #الإمارات
ياسر زيدان | مجلة فورين بوليسي الاميركية
+
فرضت الولايات المتحدة هذا الشهر، عقوبات على كبار قادة قوات الدعم السريع المدعومة من مجموعة فاغنر، والتي تقاتل القوات المسلحة السودانية منذ اندلاع أعمال العنف بين الطرفين في الخرطوم في 15 أبريل/نيسان.
كما أعلنت وزارة الخارجية فرض قيود على التأشيرات على الجنرال عبد الرحمن جمعة، قائد قوات الدعم السريع بغرب دارفور، مستشهدة بتورطه في انتهاكات حقوق الإنسان، وفرضت وزارة الخزانة عقوبات على الفريق أول عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان "حميدتي" دقلو ونائب قائد قوات الدعم السريع، لدور الجماعة شبه العسكرية في انتهاكات حقوق الإنسان والقتل العرقي في السودان.
تشير هذه الخطوات إلى تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع في السودان، لكن واشنطن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للمساعدة في إنهاء العنف.
وكانت الحكومة الأمريكية قد فرضت عقوبات على كيانات تجارية مرتبطة بكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في بداية يونيو/حزيران، مما يشير إلى سياسة التكافؤ تجاه الأطراف المتحاربة غير ان العقوبات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت قوات الدعم السريع فقط، تشير إلى تحول طفيف في السياسة الأمريكية.
لم يكن بوسع الولايات المتحدة تجاهل حليف فاغنر في السودان مع وصول جرائم قوات الدعم السريع إلى مستوى غير مسبوق، وعلى الرغم من حملات الضغط التي تقوم بها قوات الدعم السريع في الكابيتول هيل، تظل قوات الدعم السريع مرادفًا لميليشيا الجنجويد التي قتلت الآلاف في دارفور حيث مازال العديد من المشرعين الأمريكيين يتذكرون الإبادة الجماعية التي جرت على اياديهم في دارفور عام 2003.
لكن على الرغم من كل حملات الضغط والدعاية الباهظة التي قامت بها قوات الدعم السريع في الكابيتول هيل، فإن قوات الدعم السريع هي مرادف لميليشيا الجنجويد سيئة السمعة التي قتلت الآلاف من سكان دارفور تحت قيادة حميدتي.
لقد أوضحت الولايات المتحدة من خلال الموجة الجديدة من العقوبات أنها لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يكرر الجنجويد ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وينشرون الفوضى في باقي البلاد.
وبالرغم من امتلاك الحكومة الأمريكية العديد من المخاوف بشأن سلوك القوات المسلحة السودانية، إلا أن هناك فرقًا واضحًا بين الجيش المحترف والميليشيا العائلية التي تتلقى المشورة من مجموعة فاغنر والتي تدير بشكل مشترك مناجم الذهب المرتبطة بروسيا.
لكن هذه العقوبات الجديدة تفتقر إلى القوة لسبب بسيط: أن هذه الإجراءات لن تعيق قوات الدعم السريع عسكريًا بشكل كبير أو تردع فظائعها بسبب الشبكة المالية الواسعة للمجموعة والتي تعمل انطلاقا من دولة الإمارات.
لقد أنشأ حميدتي شبكة هائلة من شركات الظل التي يديرها ألغوني حمدان دقلو، شقيقه الأصغر في دبي، مستلهما خطواته من الاستراتيجيات المالية لمجموعة فاغنر، غير ان الحكومة الاميركية تواجه صعوبة في التعامل مع امتثال شريكها الخليجي للعقوبات، وقد اظهرت التقارير الأخيرة أن فاغنر والكيانات الروسية لا تزال تعمل انطلاقا من الإمارات على الرغم من العقوبات الأمريكية.
لقد زار مسؤولون كبار من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الإمارات هذا الشهر للضغط على هذه الدولة الخليجية بشأن إعادة توجيه البضائع ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا، ولهذا على واشنطن العمل بشكل وثيق آيضًا مع الإمارات لكشف الإمبراطورية المالية الخاصة بقوات الدعم السريع واستهداف هذه الكيانات التي تمول الجرائم ضد الإنسانية
كما يجب على الحكومة الأمريكية ممارسة المزيد من الضغوط على الإمارات لوقف شحنات الأسلحة إلى قوات الدعم السريع بعد ان كشف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا عن تسليم العشرات من شحنات الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع عبر مطار أمدجراس في شرق تشاد، كما اظهرت مقاطع فيديوية جديدة من السودان حصول الميليشيا المدعومة من فاغنر على أسلحة متطورة جديدة في الآونة الأخيرة.
من بين هذه اللقطات، اسقاط إحدى الطائرات المسيرة على يد القوات المسلحة السودانية وهي تحمل علامات واضحة تشير إلى أنها مصنوعة في صربيا وتم بيعها إلى الإمارات، كما اظهر مقطع آخر صاروخ كورنيت جديد مضاد للدبابات في يد أحد جنود الميليشيا، والذي قدمته فاغنر مقابل ذهب قوات الدعم السريع.
لقد استخدمت قوات الدعم السريع كلا السلاحين في هجومها الأخير جنوب الخرطوم، لكن الحكومة الأمريكية لم تقم بإدانة شحنات الأسلحة الإماراتية، فخلال مقابلة مع البرنامج الإخباري على PBS، أكدت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أن الأسلحة تدخل إلى السودان عبر الدول المجاورة، لكنها لم تذكر هذه الدول بالاسم.
ولم تكن قوات الدعم السريع تمتلك هذه الأسلحة المتقدمة عندما بدأت الجماعة حملتها للاستيلاء على السلطة في أبريل/نيسان، لكن الان وبفضل هذه الأسلحة المتطورة، أصبحت قوات الدعم السريع قادرة على مهاجمة قواعد الجيش المحصنة والأحياء المدنية المحيطة بها.
إن استمرار وصول شحنات الأسلحة المتقدمة هذه إلى قوات الدعم السريع يؤدي إلى إطالة أمد الصراع في السودان ويمنح منتهكي حقوق الإنسان المزيد من القوة لارتكاب المزيد من الفظائع.
كما ان ايقاف هذه الشحنات يمكن أن يغير بشكل جذري ميزان القوى في ساحة المعركة لأنه سيحد من قدرة قوات الدعم السريع على مهاجمة الفرقة المدرعة التابعة للقوات المسلحة السودانية وقواعدها وستؤدي مثل هذه الخطوة أيضًا إلى تجميد مشروع فاغنر للذهب في السودان، والذي يساعد في تمويل الهجوم الروسي على أوكرانيا.
تتمتع واشنطن بالنفوذ للتأثير على الإمارات للتخلي عن تحالفها مع حميدتي ومتابعة مصالحها الاستراتيجية الأخرى في المنطقة وتظل الإمارات شريكًا أمنيًا واقتصاديًا أساسيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط على الرغم من العثرات الأخيرة في العلاقات الثنائية.
للإمارات مصالح حيوية في موانئ السودان وأراضيه الزراعية، وقبل أشهر من الحرب، أعلنت عن مشروع بقيمة 6 مليارات دولار على البحر الأحمر في شرق السودان، ويتضمن ميناءً جديدًا ومطارًا وطريقًا إلى منطقة زراعية في شمال السودان.
يمكن خدمة مصالح أبو ظبي في السودان بشكل جيد دون ان تقوم ابوظبي بدعم ميليشيا حميدتي؛ وفي الواقع، فإن الدولة المستقرة المسالمة هي الأفضل لمثل هذه الأعمال.
جدير بالذكر أن سكان شرق وشمال السودان، حيث لجأ العديد من الضحايا إليها، يتشاركون العداء الشديد تجاه قوات الدعم السريع، ونتيجة لدعمها لقوات الدعم السريع ودعم حميدتي، تلحق الإمارات الضرر بصورتها العامة ومصالحها الاستراتيجية طويلة المدى في السودان.
"بدلاً من المزيد من التهديدات، نحتاج للعمل الآن" كانت هذه كلمات جو بايدن - عضو مجلس الشيوخ الأمريكي آنذاك - وهو يدعو إلى وقف فوري لإبادة جماعية في دارفور عام 2007، وبعد خمسة أشهر من الحرب في السودان، حان الوقت للحكومة الاميركية للاستماع إلى أعضاء الكونغرس الذين يطالبون بالتحرك ضد المعتدي الذي يرتكب فظائع ضد شعب السودان.
هناك حاجة إلى مبعوث رئاسي خاص إلى السودان للإشارة إلى المشاركة القوية للبيت الأبيض والتنسيق بين مكتبي أفريقيا والشرق الأدنى في وزارة الخارجية، ولكن الأهم من ذلك هو أنه يجب على الحكومة الأمريكية منع قوات الدعم السريع من تمويل وتسليح حملة الإبادة الجماعية بالاستعانة من الشركات الوكيلة في الإمارات.
يجب على بايدن ألا يسمح بإبادة جماعية أخرى تحت اشرافه.