- إنضم
- 20 نوفمبر 2021
- المشاركات
- 36,300
- مستوى التفاعل
- 115,275
- النقاط
- 63
- المستوي
- 11
- الرتب
- 11
عمرو موسى: «الشرق الأوسط الجديد» دخل مرحلة التنفيذ وهناك نية لفرض هيمنة إسرائيل على المنطقة.. حوارات مستقبل الشرق الأوسط (الحلقة الأولى)
توافق العرب ليس تعريفًا للمستحيل.. ومصر والسعودية قادرتان على جعله ممكنًا
انطلاقًا من خبرته فى العديد من الملفات السياسية والدبلوماسية بصفته وزيرًا أسبق للخارجية المصرية لعقد كامل، وأمينًا عامًا أسبق للجامعة العربية لعقد آخرـ تفتح «المصرى اليوم» مع عمرو موسى، نقاشًا حول مستقبل الشرق الأوسط فى ظل واقعه المعقد، بعد عام من حرب الإبادة فى قطاع غزة، وتمدد أصداء الحرب إلى الجنوب اللبنانى.
كشف السياسى المخضرم عن رؤيته الاستراتيجية لتداعيات الأحداث التى يشهدها الشرق الأوسط، فى الآونة الأخيرة، وتناول رؤيته للأزمات التى تعصف بمنطقتنا، بدءًا من توسع إسرائيل على حساب جيرانها، معتبرًا أن «هناك تفويضًا غربيًّا لإسرائيل للسيطرة على منطقتنا»، منتقدًا الدور العربى «المتراجع»، ومتناولًا تأثير الاتفاقات الإبراهيمية على وضع المنطقة.
فى حواره مع «المصرى اليوم»، لم يتوانَ «موسى» عن توجيه الانتقادات لبعض السياسات العربية والدولية؛ محذرًا من العواقب الوخيمة لصمت الدول العربية وعدم اتخاذها موقفًا موحدًا، فى مواجهة «تحديات وجودية خطيرة»، كما كشف عن مقترحات سبق أن طرحها فى سياق منصبه كأمين عام للجامعة العربية فى مواجهة المخططات التى ترسم للمنطقةـ مثل إقامة «رابطة الجوار العربى»، لافتًا إلى معارضة الرئيس مبارك.
عبر «موسى» عن قلقه من مستقبل المنطقة، مؤكدًا أن «الغضب العربى المكتوم سينفجر حتمًا فى مواجهة المخططات الإسرائيلية»، كما استدعى من التاريخ أدوارًا كبرى رسمت ملامح القيادة المصرية للإقليم؛ مؤكدًا أن مصر «لا ترتضى دور المتفرج » وأى محاولة لتهميشها ستكون غير محمودة العواقب.
تحدث موسى عن رؤيته لعملية السابع من أكتوبر، وكيف ينظر لدور حماس وحزب الله ومستقبلهما، معتبرًا أن رحيل السنوار أو «كل حماس» لا يعنى انتهاء المقاومة، فهى قائمة ما دامت القضية قائمة.
دعا «موسى» إلى تحالف «شرق أوسطى بمفهومنا العربى» فى مواجهة التوسع الإسرائيلى، بل ذهب لأن تطال طموحات التوسع الإسرائيلى، أراضى سعودية وعربية أخرى، متطرقًا إلى التحديات الجيوسياسية التى تشهدها المنطقة، معتبرًا أن ما يحدث فى منطقتنا إيذان بإعادة عهود الاستعمار، وأمر بالغ الخطورة على الشرق الأوسط بأراضيه ومياهه وسكانه.
وجه «موسى» بضرورة اتساع هذا التحالف ليضم جيرانًا فى الإقليم، بدءًا من القرن الإفريقى وصولًا لغرب آسيا، متطرقًا إلى سبل إيجاد فرصة لإقليمنا فى نظام متعدد الأطراف وأهمية إسهامنا فى تطويره.
وإلى نص الحوار:
■ أشرت فى مذكراتك إلى وجوب مكافحة «الشرق أوسطية» بمفهومها الاستعمارى وحذرت من خطورة «الهرولة» نحو التطبيع السياسى والاقتصادى مع إسرائيل قبل الاتفاق على تسوية شاملة للقضية الفلسطينية.. هل تعتقد أن منطقتنا يعاد ترسيمها جيوسياسيًا دون أن تلتفت لما يحاك لها من مخططات؟
- بداية، دعينى أعبر عن شكرى لك وللجريدة الغراء «المصرى اليوم»، أن أتاحت لى أن أطرح من خلالها على الرأى العام المصرى والعربى، وربما على ما هو أبعد منهما، وجهة نظرى فيما سألتنى فيه بشأن مجرى الأمور فى منطقتنا وما حولها من تغيرات سلبية ممنهجة؛ إذ يعتقد المنطق الغربى -وإن باستثناءات مقدّرة – أنه يمكن إخضاع الكل العربى لما رسمته السياسة الإسرائيلية من مخططات تأبيد الاحتلال وممارسة التوسع وفرض الاستعمار.
وللأسف، انتقلت تلك المخططات من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ فيما يبدو.
لم يعد هناك «خجل»، بل تأييد فاضح للسياسات الإسرائيلية المنفلتة التى أعلن عنها نتنياهو «ببجاحة» منقطعة النظير، بأنه سيمضى فى طريقه لفرض نظام إقليمى جديد فى المنطقة، انطلاقًا مما سماه «أمن إسرائيل» منتهيًا إلى ترتيب أوضاع المنطقة وفق التفسير الصهيونى المعارض للمضامين الحقيقية للأمن والسلام.
أصبحت المخططات التى تحاك للمنطقة رهن التنفيذ القسرى، وهذا أمر بالغ الخطورة على مستقبل الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط بأراضيها وسكانها ومياهها.
أمر غير مسبوق فى المنطقة والعالم أن تسعى دولة بحجم إسرائيل إلى التحكم فى أمن إقليم بأكمله.
لقد أمنت السياسة الإسرائيلية العقاب لخرقها المتتالى القانون الدولى واحتقارها النظام الدولى وإعلانها الأمين العام للأمم المتحدة «شخصًا غير مرغوب فيه» لأن الغرب يحمى سياساتها وتوسعاتها الدموية على حساب جيرانها.
كيف يمكن لدولة صغيرة بحجم إسرائيل أن تعلن هذا التحدى وتمارسه بوقاحة غير مسبوقة؛ لأن الغرب يحميها ولن يسمح بالمساس بها.. فى الماضى كان هناك نوع من «القبول الساكت» لدعم الغرب إسرائيل بحجة وذريعة تشجيعها على الانخراط فى سلام، بما يتيح قيام دولة فلسطينية «حقيقية»، ويُدخل المنطقة فى مرحلة استقرار، على الأقل هذا ما قيل لنا.
لكن تبين فى السنوات الأخيرة أن الأمر ليس كذلك، بل أصبح من الواضح أن هناك توجهًا لحماية «توسعات إسرائيل»، وهذا أمر بالغ الخطورة على مستقبل السلام والاستقرار فى المنطقة، ويفتح الباب لتوسعات فى ردود الفعل وحركات المقاومة.
قبلت دول كبرى بإنهاء إسرائيل القضية الفلسطينية، وإزاحتها من أجندة السياسية الدولية والإقليمية، وتوقفت عن الحديث عن الاحتلال الإسرائيلى واتجهت فقط للحديث عن «تطبيع شامل» مع العرب، دون مقابل. لم تكتفِ إسرائيل بذلك، واستمرت فى الدموية والتدمير وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، مما أدى إلى السابع من أكتوبر، تلك العملية ذات المعانى المتعددة والمضامين المهمة التى عبرت عن انفجار فلسطينى فى وجه الاحتلال والمخططات التوسعية والاستيطانية.
أما عن الصمت والسكوت العربى، والذى عبرتِ عن استياءك إزاءه فهو بالفعل يشكل علامة استفهام كبرى تثير الدهشة والحزن، لكن هو فى الحقيقة غضب مكتوم سينفجر حتمًا فى لحظة ما؛ فليس من الطبيعى أن يشاهد المواطن العربى ما يجرى فى غزة ولبنان، أو ما وراء ذلك ثم يخر ساكتًا فتفسر دوائر الصهيونية هذا السكوت بأنه علامة لقبول الأوضاع «قسرًا» أو «رضاء» لا يهم.
هناك حالة غضب شديد لدى شعوب العالم العربى، خاصة الأجيال الشابة الصاعدة، وهو غضب متصاعد، وعليه إذا كان هناك صمت اليوم فلن يكون هناك صمت غدًا، خصوصًا بعدما تتكشف بقية الأمور ويتضح أن الأمر لن يكون قاصرًا على إبادة غزة وإخضاع الضفة أو النيل من لبنان، إنما هو أولًا: فرض نظام إقليمى جديد، وهو نظام غير عربي، لا تؤخذ فيه المصالح العربية المشتركة فى الاعتبار.
وثانيًا: إعادة الممارسات الاستعماريةـ والسماح لإسرائيل باستعمار فلسطين، وممارسة السيادة على أراضى الفلسطينيين، إن ما يحدث فى منطقتنا إيذان بإعادة عهود الاستعمار فى منطقتنا وأنحاء مختلفة من العالم، لن يتوقف هنا بل يمتد ليطال إفريقيا وجنوب آسيا وبلدان أمريكا الجنوبية، أى بلدان وشعوب الجنوب العالمي، على تفصيل، ليس هذا الحوار مكانه.
■ برز مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» فى كتابات الأمريكى ألفريد ماهان عام 1902 قبل أن تعلنه كوندليزا رايس.. فى المقابل.. «الفعل العربى» إلى أين؟
- منذ التسعينيات عاد طرح ما يسمى بـ«الشرق الأوسط الجديد» كجزء من التطور نحو رسم صورة العالم الجديد عقب انتهاء الحرب الباردة. كانت لأمريكا توجهات كثيرة، ليس على مستوى المنطقة العربية فحسب، إنما على المستويين العالمى والدولى.
الخطورة كانت ولا تزال كامنة -ليس فقط فى مضمون الطرح- إنما فى أن المنطقة العربية لم تمارس أى رد فعل مدروس لمواجهة هذه السياسات ولم تجتمع لدراسته، من حينها.
المنطقة لن تستقر إلا بوجود رؤية عربيةـ نتوافق عليها ونطرحها ونقف وراءها، ونتفاوض انطلاقًا منها، لقد حان الوقت لذلك، الآن على الفور، وليس غدًا.
وإذا كان البعض «يرفع حاجبيه» مندهشًا من الحديث عن توافق العرب باعتباره تعريفًا لـ»المستحيل»، فأنا أعتقد بل أثق بأنه يمكن التوصل إلى توافق عربى تكون مصر والسعودية على رأس المتوافقين، وأظن أن باستطاعتهما أن يقودا عملًا عربيًا يجعل هذا المستحيل ممكنًا.
■ قلت إن الوضع الحالى فى منطقتنا والعالم يستلزم «تحالفًا إقليميًا أساسه العرب».. ما ملامح هذا التحالف؟.. وهل ثمة أمل لتدشينه فى ظل تباين المصالح مؤخرًا؟
- علينا الدفع بتصور موازٍ لمواجهة السياسات والمخططات التى تُرسم للمنطقة، يجب أن تكون لنا خريطة للشرق الأوسط كما نراه ـ وفق تصورنا السياسى والتاريخى، القائم على معطيات اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية مشتركة، نضخ فيها روح العصرنةـ وربما شيئًا من القومية. مصر والسعودية فى رأيى تستطيعان صياغة هذه المبادرة.
هناك تصورات جغرافية لما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» أدخل عليها المحافظون الجدد أفغانستان، بل فكروا فى ضم باكستان أيضًا، مما يعنى ضم دول من جنوب آسيا الى دول غرب آسيا (العربية) لتعويم واستهداف الهوية العربيةـ بل أعتقد أن هذا الطرح من شأنه أن يمهد لـ«ترسيم زعامة إيران لهذا الشرق الجديد»، -إذ ستكون فى وسطه بل فى قلبه- وأعتقد أن ذلك المخطط لا يزال قائمًا، وأن «استرداد إيران لحضن الغرب» سيعقب العودة لهذا المخطط.
إننا نستطيع مثلًا أن نصيغ رؤية أخرى فى صياغة الشرق الأوسط للامتداد الشرق أوسطى بألا يكون نحو الشرق، بل إلى الجنوب، حيث القرن «الإفريقى العربى» الذى يضم 4 بلدان أعضاء فى كل من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى، كما أن عددًا من الدول الإفريقية جنوب الصحراء كان يجدر دعوتها للانضمام للجامعة العربية مثل تشاد، وقد ناقشت ذلك بالفعل مع عدد من زعماء المنطقة عام 2009 ورأوا تأجيله.
أرى أن علينا نظر هذا الطرح الآن على أن نعيد صياغته، والنظر فى أعضائه المحتملين ومياهه مثل (البحر الأحمر وخليج عدن).
مثال آخر يتعلق بالبحر المتوسط وجزره، وصلتهما بالشرق الأوسط الجديد، أن الأمن والتعاون المشترك ليس بريًّا فقط، بالإضافة إلى العنصر الاقتصادى له. هذه أفكار أطرحها للدراسة دون تفضيلها على أخرى، نفكر سويًّا وأن نتحدث سويًا، وأن نقدم تصورات نحو مستقبل الشرق الأوسط وسلامه واستقراره ورضائه قد تكون أكثر فائدة وأسهل تطبيقًا، ولكن يجب أن يذكر كثيرون ما طرحته رسميًا عام 2010 من إقامة «رابطة الجوار العربى» بريادة من الجامعة العربية لكن عارضها الرئيس مبارك، رحمه الله، بشدة وناقشها معى الملك عبدالله بن عبدالعزير، من زاوية دور الأمين العام للجامعة فى طرح هذه الأفكار الكبيرة قبل إثارتها مع الملوك والرؤساء.
الأمر جدى، حيث يتصل بصياغة مستقبل المنطقة، لا أتحدث هنا عن تحدّ سياسى وعسكرى مع دول عظمى أو كبرى ولكن أدعو لعمل سياسى ودبلوماسى رصين، فى مواجهة ما يقوم به الآخرون، فلا يصح ترك رسم مستقبل المنطقة لهم والانتقال بها إلى مرحلة التنفيذ دون أطروحات سياسية من جانبنا وحركة دبلوماسية نشطة نطلقها فى محاولة جادة لوضع الأمور فى نصابها.
وفى النهاية لا يصح بل لا يمكن أبدًا القبول برسم مستقبل منطقتنا من منطلق هيمنة إسرائيل عليها، هذا لابد من معارضته بل مقاومته، خصوصًا، بعدما رأينا من عناصر هذه الهيمنة «نار ودماء ودمار وتفرقة عنصرية وعدم تسامح دينى واحتلال عسكرى وتطرف عقائدى، غرور عنصرى، وإيذان بإعادة عهود الاستعمار إلى المنطقة»، ولكنه هذه المرة استعمار إسرائيلى أى Adding insult to injury كما يقول الإنجليز. لا يمكننا القبول بهكذا نظام إقليمي، بل لا يجب ذلك.
■ هل يعود غياب رد الفعل العربى لموازين القوى أم لتباين المصالح فى الداخل العربى الذى يعانى حالة من التشرذم؟
- ما يسمى بـ«الشرق الأوسط الجديد» هو موجه لطمس الهوية العربية. مثل هذه السياسات وأهدافها لا بد أن تواجه برد فعل على نفس المستوى السياسى وبعمل دبلوماسى حثيث من جانبنا، وهنا أقول بأنه آن الوقت لأن نتكلم بصراحة وبوضوح عن الانقسام العربى وتأثير جوانب من السياسيات العربية السلبية علينا، وعلى مصالحنا.
هناك «كروت» قوى عربية لا شك فى فاعليتها إذا درست بتعقل، وأجدنا استخدامها لتغيير واقع المنطقة. يجب أن نتفق على الأقل على الحد الأدنى للحفاظ على المصالح العربية مع تعريفها والاتفاق على أولوياتها.
■ بعد عام الإبادة فى غزة.. ظهرت «غزة» أخرى فى الجنوب اللبنانى ومناطق عربية غيرها سمحت للصراع أن يتسع فى العالم العربى.. ما تعليقكم؟
- بكل تأكيد، فى المنطقة ككل، وفى العالم العربى خاصة، نعم لابد أن نتوقع ذلك على اتساع المنطقة كما هدد نتنياهو بالفعل.. تصورى أن السماح لنتنياهو بتهديد منطقة تضم ملاييين من البشر علانية، والسكوت يخيم على الجميع بدءًا من الدول الكبرى وصولًا إلى العرب، يثير علامات استفهام: فهل يا ترى «نتنياهو يهذى»؟ أما إيران، فهذا موضوع يطول شرحه لكننى أرى أن إيران الحالية ليست مدرجة على قائمة أعداء الغرب أو أمريكا؛ بل هناك تعاون استراتيجى إيرانى غربى غاية فى الذكاء، (مع التسليم بوجود ملفات مختلف عليها) وأعتقد أن تسليم أمور العراق لإيران إثر انسحاب القوات الأمريكية بعد غزو العراق له معنى، وترك الحبل غير مشدود مع حزب الله لسنوات طويلة له أيضًا معنى، ثم التوصل لاتفاق نووى عام 2015 وأخيرًا التشاور الأمريكى الإيرانى، بشأن صواريخ إيران التى وجهت لإسرائيل يتحدث عن نفسه، وكذلك بالنسبة للأسلحة الإسرائيلية الموجهة إلى إيران، أما إسرائيل فربما يكون لها قول آخر يقوم على إسقاط النظام الإيرانى كلية، وهو ما قد يتبناه الغرب لاحقًا.
إننا أمام تغيير جذرى فى مسار الأمور فى المنطقة على أساس إلغاء القضية الفلسطينية، أو دفن حلم قيام دولة فلسطينية، والدفع بدولة إسرائيل أوما يسمى بـ«الدولة اليهودية» لتكون «من النهر إلى البحر» مع ضم نهائى للجولان وكل أرض عربية محتلة ومحاولة الضغط على الدول العربية لتوطين أكبر عدد من الفلسطينيين على أراضيها والدفع بحل «غير جدي» لموضوع الدولة الفلسطينية
والأخطر أننا ربما نكون بصدد العودة إلى «صفقة القرن»، بعد فوز ترامب وعودته للبيت الأبيض، بل إنه قد يسعى لإسقاط النظام الإيرانى الحالى لمحاولة إعادة إيران لـ«الحضن الغربى» مع فرض البعد الإسرائيلى على سياساتها المستقبلية مع إنهاء برنامجها النووى.
وإلى أن يتم ذلك فدعونى أحذر، بأن فرض العنجهية والدموية الإسرائيلية مع استخدام التقدم التكنولوجى فى هكذا صراع وممارسته رسمية ومحاولة تفسير الاعتداءات الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس سوف يؤدى لامتلاك الفواعل من غير الدول «حزب الله» و«حماس» وبدائلهما أو غيرهما من الجماعات المسلحة، قدرات تكنولوجية غير مسبوقة واستخدام التقدم التكنولوجى نفسه بما يمكنها من مواجهة إسرائيل بأسلحة مناظرة، ما يعنى أن منطقتنا لن تشهد استقرارًا على المستوى المنظور، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلى ودخوله مرحلة الاستعمار.
■ هل تخلى العرب عن كروت قوتهم التى تحدثت عنها طواعية؟.. وهل يؤدى ذلك لاتجاه المنطقة نحو مزيد من الصراعات؟
- أنا لا أفهم مبدأ «القبول أو الاستسلام»، والإفراط فى ذلك عبر قبول الدمار وقبول إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها وقبول القتل والتوسع، هذا شىء يخرج عن حدود المنطق. أعتقد أن رفض ذلك سيكون واضحًا، ونحن فى الطريق لهذا الرفض العربى القوي.
وهنا دعينى أولًا أعدد كروت القوة العربية وأعرفها، وهى ليست مرتبطة بالقوة العسكرية بقدر ارتباطها بالقوة الناعمة العربية، وبقدراتنا الاقتصادية والثقافية، علينا الانخراط فى تعاون اقتصادى مُجدٍ جاذب يشكل نقلة نوعية فى الفعل العربى والإقبال الإقليمى للتعاون معه، وكذلك فى طرح حضارى وتعليمى وتحقيق حكم رشيد.
ما من سيادة سياسية منفصلة عن هذه القوى المتعددة! للأسف لم نفعل هذا بعد، وعلينا ألا ننفق الوقت فى لوم أنفسنا وإنما فى تطوير هذا الموقف.
وعليه أقول من غير المنطقى بل نقطة سلبية فى تاريخ العرب هذا الصمت المطلق، أنا لا أقول أن علينا معاداة أمريكا -تلك القوة العظمى- إنما يجب أن يكون هناك الحد الأدنى من ردود الفعل ذات الجدوى، نحن لسنا خالى الوفاض من كروت القوى، نحن لا نريد أن تخرب المنطقة إنما نريد بناءها. أما قبول السياسيات الإسرائيلية، والاستسلام لها، فكلا.
■ يعتقد البعض أن أمريكا تريد تحويل المنطقة إلى «كانتونات» معزولة كما جرى فى فلسطين المحتلة.. ما تعليقك؟
- أمريكا دولة عظمى ومن ديدن الدول العظمى السيطرة، مثلما جرى من الإمبراطورية البريطانية والفرنسية وغيرهما من حركات الاستعمار الأوروبى.
أما عن تفويض هذه السيطرة لإسرائيل للهيمنة على العالم العربى بل الشرق الأوسط كله، فكما رفضنا سيطرة الدول العظمى علينا ورفضنا الاستعمار، فمن باب أولى أن نرفض السياسات الإسرائيلية التى تستهدف الهيمنة الإقليمية.
إنه الاستعمار الجديد وسوف يأتى وقت لتصفية الاستعمار مرة أخرى، هذا منطق التاريخ. أما إهمال كروت القوة العربية وعدم استخدامها نهائيًّا فهو خطأ استراتيجى ضخم.
■ يرى البعض أن إسرائيل زرعت فى منطقتنا العربية «امتدادًا للاستعمار» والقيام بدور بالوكالة.. ما قولك؟
- السيطرة الغربية قائمة بأشكال متعددة، وإذا سألتنى عن رأيى: الغرب لا يحتاج إسرائيل لتأكيد سيطرته وتحقيق مصالحه.
باتت إسرائيل عبئًا على الغرب، بل بسببها بات الغرب مكروهًا، وزاد الأمر سوءًا، هذا الانحياز المؤسف ليس لإسرائيل إنما لدمويتها والسكوت على ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية بل تمكينها من مواصلة الإبادة والقتل الجماعى والتدمير الشامل وتعويق مجلس الأمن عن إصدار قرار وقف إطلاق النار حماية للمدنيين وإعمالًا لنصوص القانون الدولى والإنسانى.
■ فى هذا السياق القاتم.. هل تعتقد أن منطقتنا تدفع ثمن تجاذب القوى الكبرى والأقطاب التى تسعى لتغيير النظام العالمى منفردة؟
- بالطبع، تلك التغيرات لم تشهدها أوروبا أو آسيا ودول المحيط الأطلسى، لماذا؟، لأن منطقتنا بها وضع غير طبيعى، وهو أن إسرائيل دولة لا تنتمى إلى الثقافات القائمة فى الشرق الأوسط، وهناك سعى لفرض هيمنتها على المنطقة بالدم والنار، وهذا شىء لن ينتهى على خير.
بمفاهيم القرن الـ21 يمكن لإسرائيل أن تتفوق تفوقًا لحظيًا، لكن غدًا سوف تمتلك كل المنظمات والأطراف أدوات القوة التى ستؤهلها لمواجهة ذلك، والرد على التكنولوجيا بالتكنولوجيا، وهذا يجعل مستقبل الوضع الأمنى فى المنطقة، ومن حولها، «على كف عفريت»ـ وهذا الصراع لن يظل حبيس المنطقة، بل سيمتد لدول المتوسط ويلقى بظلاله على أوروبا.
■ كيف تتجنب المنطقة الانزلاق إلى مزيد من الصراعات والأزمات؟
- مستقبل المنطقة لا يصح أن يترك فى أيدى الدول الأخرى، أعلم تمامًا أننا أضعف من هذا التحالف (الإسرائيلى- الأمريكى)، ولكن هذا الضعف «نسبى» إذا استخدمنا -كما قلت - كروت قوتنا وجلسنا سويًا لنضع حلًا لدعم الغرب لإسرائيل فى مغامراتها وتوسعاتها وسياساتها التدميرية وحمايتها من عدم تحمل عواقب خرق القانون الدولى؛ أى أن نعمل على وقف هذا التيار السلبى الذى ستكون له أبعاد سحيقة، وأنا فى هذا «متشائم» تمامًا، على الأقل فى الوقت الحالى.
■ كيف تصف الموقف العربى الرسمى؟.. ومن وجهة نظرك «الفعل العربى» إلى أين؟
- لا يوجد فعل عربى، هناك «كلام» وكلام ضعيف، لكن هناك احتمال لفعل عربى فى مرحلة ما أرجو أن تكون قريبة؛ إذا اتجه العرب - كما سبق أن أشرت- نحو تجمع، ولو كان جزئيًا يشمل مصر والسعودية والأردن ودولًا أخرى ذات اهتمام بقضايا أساسية كالقضية الفلسطينية، آنذاك نستطيع.
وأنا متصور أن هذا الموضوع، فى بعده الإقليمى هو رهن الاتصالات الحالية بين الدبلوماسيات العربية وكل من إيران وتركيا، يتحدث فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان، كما أن وزير الخارجية، بدر عبدالعاطى، تحدث مع الوزير الإيرانى بصدده.
حين تتابعين التصريحات السعودية ستجدينها فى منحى متصاعد، ومؤخرًا جرى التأكيد على أنه لا يجوز أن يأتى التطبيع نتاج الضغط. دائمًا مقابل دولة فلسطينية حقيقية.. هذا الخط يجب أن يعلن تأييده فى العالم العربى والإسلامى حتى يكتسب زخمًا.
■ ماذا عن الموقف العربى من القوة النووية الإسرائيلية وكذا الإيرانية؟، وهل بات التسلح سبيل النجاة؟
- لا توجد قوة نووية حلال وأخرى حرام، لذلك هناك موقف مصرى وعربى راسخ بضرورة إنهاء القوة العسكرية النووية فى الإقليم.. قبول البعض بامتلاك إسرائيل سلاحًا نوويًا أمر مرفوض، وعلينا أيضًا أن نرفض التسلح النووى من أى دولة، وهذا يجب أن يقال. وغير مقبول من بعض البلدان الغربية الإعلان عن رفض القوة النووية الإيرانية، ثم تبتلع لسانها ولا تتحدث عن السلاح النووى الإسرائيلى. هذا أمر غير مقبول وغير منطقى.
أما فيما يتعلق بدور المجتمعات العربية والذى ذكرته أكثر من مرة، فالعدو فى المنطقة ليس فقط إسرائيل، السياسات غير الرشيدة ضارة هى الأخرى للغاية، وعدم الاهتمام بالتعليم والتسليم للتعليم الأجنبى وكأنه سفينة النجاة. نحن بحاجة إلى منظومة تعليمية تشمل الجميع. غير منطقى الاستهانة بالقوة البشرية.
■ وهل تعتقد أن منطقتنا ستنجو بالديمقراطية والتعليم؟.. أيضًا كيف يمكن للعوامل الاقتصادية والسياسية أن تشكل مستقبل العلاقات الإقليمية فى الشرق الأوسط؟
- نعم بالتعليم الجيد، والحركة نحو الديمقراطية، وبالحكم الرشيد ذى الأولويات المنضبطة، وبحسن إدارة الأمور ليس فقط فى العالم العربى، بل فى الشرق الأوسط، كله، أيضًا فى الجنوب من العالم سوف تتحسن الأمور.
وبمناسبة الديمقراطية، رأينا مظاهرات فى العواصم الأوروبية ضد الدموية الإسرائيلية، وشهدنا علامات الاستفهام ومعها بعض الابتسامات الساخرة، أن الشارع العربى لم يشهد مظاهرات كالتى شهدها الشارع الغربى.
■ كيف تنظر إلى «الفواعل من غير الدول»، وأخص هنا «حماس وحزب الله»؟
- فى رأيى لولا السياسات الإسرائيلية، ولولا الطريقة الخطيرة التى أدير بها احتلال الأراضى العربية، والتوسع على الأراضى العربية فى فلسطين وسوريا ولبنان، ما ظهرت حماس ولا ربما حزب الله.
ما حدث فى الأراضى المحتلة من تدمير للقرى، وطرد للسكان، وعدم تسامح دينى، وسياسة ودموية وسياسة تحقيرية مهينة للمواطن الفلسطينى، ومن ثم المواطن العربى، كان يجب أن يولد فعلًا مقاومًا، لولا هذا ما كانت 7 أكتوبر. إذن المسؤول الأول عن هذه التحركات الأمنية والسياسية هو فرض الاحتلال، وتمكينه.
إسرائيل مسؤولة عن وجود الفواعل من غير الدول، لأنه لولا مخططاتها لما وجدت هذه التحركات. منطق الأمور أنه طالما استمر الاحتلال استمرت المقاومةـ وهذا منطق التاريخ.
■ إذن كيف تقيم السابع من أكتوبر؟، وماذا تقول لمن يلقون باللوم على المقاومة ويحملونها مسؤولية تدمير غزة؟
- ما حدث فى 7 أكتوبر لم يكن بداية لشىء، إنما كان نتاجًا لسياسة إسرائيلية أريد لها أن تنتقل بالقضية الفلسطينية إلى مرحلة إنهائها.
قبل 7 أكتوبر كان الحديث عن القضية الفلسطينبة يتوارى ويخفت، بل قيل للعرب من قوى كبرى وصغرى إن القضية «عفا عليها الزمن».
قالوا: «تعالوا معنا إلى الفضاء وانسوا فلسطين»، لكن أحداث7 أكتوبر كان لها دور فى إفشال هذه السياسات وأعادت القضية لخريطة العالم علها تصل لحل عادل.
■ لماذا سبقتنا جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية بمقاضاة الاحتلال الإسرائيلى فى جريمة «الإبادة»؟ ألم نكن أولى بهذه الخطوة؟
- العالم العربى يتراجع. لم يعد يحظى بالقرار الحاسم والمنضبط طبقًا لأولياته، الذهاب للقضاء أمر مشروع بل حق حضارى؛ فاللجوء لأحد أفرع الأمم المتحدة مقاومة بمشروعية القوانين، ولذلك كان يجب أن يبادر طرف عربى بهذه الخطوة. جنوب إفريقيا بتوجهها لمحكمة العدل أسهمت فى إنقاذ منظومة العدالة وإنقاذ النظام متعدد الأطراف. إننى أحيى دولة جنوب إفريقيا لإقدامها الحضارى والقانونى على «جرجرة» إسرائيل إلى ساحات المحاكم الدولية لتعاقب على جرائم الحرب التى ارتكبها جيشها.
■ إذن.. ترى أن النظام الدولى بحاجة إلى إصلاح؟ وهل يتعسر نجاح النظام متعدد الأطراف بسبب ممارسات بعض القوى الكبرى؟
- لا أرى أن النظام متعدد الأطراف فشل تمامًا؛ بل شهد قصص نجاح مشهودة قدمت خدمات كثيرة للعالم النامى، ما فشل فى النظام متعدد الأطراف هو نظام الأمن الجماعى الذى يختص به مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لقد فشلا فى مواجهة تهديدات السلم الدولى لأسباب معروفة، وفى قمة المستقبل، التى عقدت فى سبتمبر الماضي، تناولت القمة أزمة مجلس الأمن وأزمة نظام الأمن الجماعى؛ لأنه منعدم الكفاءة بسبب الفيتوـ وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، ولكننى لا اعتقد أن هناك إمكانية لتنفيذ هكذا إصلاحات فى المستقبل القريب.
■ هل ثمة أمل فى تحقيق تكامل اقتصادى عربى فعال؟ وهل لنا أن ندعو لعملة موحدة؟
- لا يمكن أن نقفز هكذا قفزات دون أن نتعاون اقتصاديًا وعلى أسس اقتصادية سليمة، يجب أن تكون هناك خطة تعاون اقتصادى عربى معدة إعدادًا جيدًا.
كان أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، رحمه الله، بادر باقتراح بعقد قمم اقتصادية بعيدة عن أى نشاط سياسى، وبالفعل ركزنا فى أول قمة على دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر فى العالم العربى، وخُصص لها 2 مليار دولار عام 2009 وأودع بالفعل جزءًا معتبرًا من هذه الأموال فى الصندوق العربى للتنمية فى الكويت، وضعت تحت تصرف الحكومات العربية، لكن ما حدث فى يناير 2011 أدى إلى تعطيل هذه الأمور.
■ يصف البعض موقف الجامعة العربية بالهزيل.. كيف ترى موقفها فيما تشهده المنطقة من تجاذبات؟
- اللوم الموجه للجامعة العربية هو لوم يتصف بغياب الموضوعية الكاملة، الجامعة ليست إلا منظمة تجمع الدول العربية طبقًا لميثاق موقع منها، وتعكس مواقفها الجماعية، ولو كانت الدول العربية كلها أو معظمها مُجتمعة على موقف لتمكنت الجامعة العربية من أن تصوغه وأن تقوم بمتابعة تنفيذه.
الوضع فى العالم العربى، وهنا أعنى المجتمع السياسى العربى حكوميًّا وأهليًّا، وضع غير مطمئن ويؤدى إلى المشهد المترهل الذى نراه. لا يجب توجيه اللوم للجامعة دون أن يكون هناك تحليل موضوعى للمشهد العربى.
■ ومن المسؤول عن حالة «الترهل» الذى ذكرته؟ وكذلك عن التشرذم الذى تعانى منه الكيانات القوية فى عالمنا العربى؟
- هناك أصوات داخل العالم العربى تتحدث بهذا اللسان: «مالنا ومال فلسطين؟»، هذه الأصوات باتت موجودة بيننا، حتى هنا فى مصرـ وأراه حديثًا يجرى دون روية، بل دون تعلق أو حنكة.
■ وما رسالتك لتلك الأصوات؟
- هذه رؤية خاطئة ومحدودة. على سبيل المثال أنا كمصرى، عمقى هو العالم العربى الذى يقرأ كتبى ويسمع موسيقاى ويستمتع بالشعر المصرى ويشترى المصنوع فى مصر. يتاجر ويتعاون مع مصر. العالم العربى هو السوق لمصر، هو المجال الطبيعى للقوى الناعمة المصرية لتتفتح وتزدهر، وبالتالى لا مجال لقبول هذا الكلام.. أنا عربى إفريقى وأنت كذلك، يجب أن نبقى كذلك، وبالتالى لا مجال لقبول هكذا رؤى.
■ للمنطقة تاريخ من المواجهات مع إسرائيل. كيف ينظر إليها عمرو موسى؟
- السادس من أكتوبر محطة فارقة ونقطة مضيئة فى تاريخ مصر، ونحن جميعًا كمصريين فخورون به. وما قام به الرئيس السادات كان شيئًا عظيمًا جدًا؛ إذ نجحت الدبلوماسية والسياسة فى البناء على ما قام به الجيش المصرى من ردع للاحتلال وهزيمته.
أما 7 أكتوبر فقد كانت نتاجًا للسياسات الظالمة التى عانى منها الشعب الفلسطينى لسنوات طويلة وأوصلته إلى مرحلة اليأس؛ لأنه إذا كانت إسرائيل تقوم بهذا وحدها لكان من السهل ردعها إنما الآفاق كلها أغلقت فى وجه هذا الشعب بدعم قوى كبرى، وحديث البعض عن الحلول السياسية ما هو إلا محض حديث لن يتحقق إلا بتوافر إرادة للعرب.
■ رفضت إدانة فصائل المقاومة وحملت الاحتلال نتائج الانفجار الكبير الذى ترتب عليه عملية «طوفان الأقصى».. ماذا تقول لمن يشيرون بأصابع الاتهام لحماس والفصائل؟
- لا يمكن القبول بفرض اليأس على شعب مثل الشعب الفلسطينى، ثم نطلب منه ألا يقاوم ونحمل المسؤولية لـ7 أكتوبر فهذا كله هراء، بل يمثل «مذلة قومية» كما وصفها صديقى محمد أوجار وزير العدل السابق فى المملكة المغربية.
لن يوجد حل لهذه القضة إلا إذا كان لدى العرب إرادة جادة بأن يرهنوا التطبيع وكل خطوة نحو السلام، بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.. لماذا علينا نحن العرب أن نقبل بسياسات إسرائيل التوسعية؟، إسرائيل ضمت الجولان وتريد أن تبنى مستوطنات فى جنوب لبنان وتعود لبناء مستوطنات فى غزة وهناك قوى وشخصيات دولية كبرى تحدثت بأن الأرض «تضيق بإسرائيل» ويجب أن نسمح لها بالتوسع، تصوروا.. هل يمكن السماح لإسرائيل «الضيقة المسكينة هذه» بالتوسع المستمر؟.. وهو توسع استعمارى لا شك فيه.
إذا كان هناك حديث عن الضفة وغزة وشرق القدس وما حولها، فقد باتت إسرائيل تتوسع على حساب جيرانها كلهم وتخطط للمطالبة بأراضٍ أخرى بما فى ذلك الأراضى السعودية كما سوف نرى، وليس فقط مصر والأردن وهذا سوف يؤدى إلى فوضى عارمة فى كل المنطقة.
■ هل أعادت 7 أكتوبر القضية للواجهة وهل تولد لحظة انتصار للشعب الفلسطينى من رحم اليأس؟
- كل الاحتمالات مفتوحة، لا يوجد شىء مضمون، أتمنى لو يحدث ذلك.
وأنا مثلك مندهش لماذا لم تتوحد الفصائل الفلسطينية حتى الآن بعد مرور عام على حرب الإبادة فى غزة.
عملية 7 أكتوبر أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، وفرضت نفسها بقوة عالميًا، بعدما أراد الإسرائيليون أن ينساها الناس، ولكن على القوى الفلسطينية أن تعى أنه لا يمكن طرح القضية دون رؤية فلسطينية موحدة تتيح للعالم أن يتفاعل معها. لو توحد الموقف الفلسطينى إثر ما جرى لغزة وما يجرى بالضفة لتحولت 7 أكتوبر إلى انتصار فلسطينى مدوٍّ.
النجاح العسكرى الإسرائيلى مؤخرا سوف يفتح الباب على مصراعيه لسياسات أخرى تستدعى تعبئة سياسية فلسطينية، فهل ينجحون فى ذلك.
■ هل منطقتنا منتبهة لما تتحدث عنه؟ أم أننا فى طريقنا إلى ما أسميته فى مذكراتك «هرولة نحو التطبيع»؟ وكيف ترى الموقف المصرى والأردنى؟
- دعينا من كون المواقف كانت مناظرة أم لا، الموقف المصرى كان ضروريًا، وأظنه سليمًا تمامًا، شددت مصر على عدم السماح بالمساس بأى متر مربع من أرضها، وعدم السماح باستقبال المهجرين قسرًا، ورفضت المشاركة فى إنهاء القضية الفلسطينية، رفضت تفريغ الأراضى الفلسطينية من المواطنين للسماح لإسرائيل «المسكينة» أن «تتمطع».
مصر موقفها سليم وكذلك الأردن، وأقول لك مصر لم ولن تقبل بالمشاركة فى تصفية القضية الفلسطينية وأعتقد أن هذا موقف عربى لن تصعب صياغته بل الالتزام به.
سياسة التصفية سوف تؤدى إلى صدام قادم، تحت ظروف معينة ستزداد إمكانية دعم التوسع الإسرائيلى عبر إعادة طرح تخصيص أراض فى مصر والأردن للفلسطينيين، وأتوقع أن يطرح ذلك علانية. أثق فى الموقفين المصرى والأردنى وأن موقف الدول العربية من ذلك سوف يكون الموقف السليم، هذه نقطة أخرى فى تشكيل مواقف عربية واضحة لا يصعب الالتفاف حولها.
أعتقد أن مصر والأردن يجريان الآن مباحثات حول التعامل مع هذه المخططات وأعتقد أن المبادرة العربية فى بيروت لا تزال فاعلة ويجب الالتزام بها ولقد كان الخروج عليها خطأ استراتيجيًا وتاريخيًا كبيرًا.
■ فى هذا التوقيت الحرج من عمر القضية الفلسطينية، ما تقييمك لما سمى بـ«الاتفاقات الإبراهيمية»؟ وهل ثمة أمل فى تحقيق سلام عادل؟
- أنا لا أفهم موضوع «الاتفاقات الإبراهيمية»، هذا إسقاط وكأنه يستهدف نوعًا من أنواع التعاون والتسامح بين الأديان يخدم أهدافًا محددة.
«الإبراهيمية»، بالمفهوم الإسرائيلى أو الصهيونى معناها دفع الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ طريق هم يفرضونه، ولن يكون طريق السلامة. التطبيع ليس هو الحل.
ومع ذلك، حين بدأت حركة التطبيع ما بين بعض الدول العربية وإسرائيل صرحت الإمارات العربية رسميًا، فى إطار تبادل هذا التطبيع، بأنها أخذت تأكيدًا إسرائيليًا بأنه لن يحدث إلحاق أو ضم لأى أراض عربية. وكان هذا أمرًا مقبولًا لكن إسرئيل واصلت استعمار هذه الأراضى وضمها على أرض الواقع ومن دون شرعية.
النتيجة أن إسرائيل تأخذ المزايا ولا تلتزم بتعهداتها ونحن من يتحمل تبعات ذلك، وبالتالى يجب عدم تصديق وعودها أو القبول بأى اتفاق غير موثق مع التدقيق فى معنى كل كلمة تقال أو تقترح.
■ فى ظل التفاعلات الجديدة فى منطقتنا، ثمة بلدان تسعى للالتفاف على المكانة التى تحظى بها مصر فى الإقليم، عبر مزاحمتها سياسيًا واقتصاديًا، ما تعليقك؟
- يمكننا القول بكل ثقة إن المكانة المصرية قائمة وموجودة، وإن مصر كانت وتظل مرجعية أساسية فى سياسات المنطقة الأمنية والسياسية، ويمكننا القول بصراحة إن ثمة تراجعًا شاب الدور الريادى المصرى منذ عام 1967 وظل الأمر يعانى صعودا وهبوطا مع التطورات الكبيرة التى حدثت منذ بداية القرن الحادى والعشرين، إقليميا مثل غزو العراق، وأحداث ما يسمى بالربيع العربي، ثم صعود الإخوان فى مصر، والسقوط الدرامى لحكمهم، كما أثر فى هذا الاضطراب الاقتصادى الذى عانته مصر.
من ناحية أخرى، فإن الدور التقليدى للزعامة المصرية الذى استند إلى مقومات تحديثية رائدة وسبق إلى الصدارة الدولية... إلى آخره هو أمر من الماضى الآن، وإذا أردنا أن نؤكد ريادة مصر فيجب أن تكون ريادة حديثة عبر الاهتمام بالتعليم والعلوم والتقدم التكنولوجى والتفاعل الثقافى مع دول العالم، والإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الشامل.
مقومات القيادة أو الزعامة اختلفت ويمكن الإشارة إلى تراجع عصر القيادة المنفردة سواء على المستوى الدولى أو الإقليمى، وهنا أدعو مصر والسعودية أن تقودا تحركا عربيا تشارك فيه دول عربية، كما يمكن أن تكون القيادة أكثر من ثنائية فى ملفات أخرى ذات أبعاد جغرافية مختلفة فى إطار تشاور عربى ممنهج، ومصالح عربية نتفق عليها.