• يمنع منعا باتا توجيه أي إهانات أو تعدي شخصي على أي عضوية أو رأي خاص بعضو أو دين وإلا سيتعرض للمخالفة وللحظر ... كل رأي يطرح في المنتدى هو رأى خاص بصاحبه ولا يمثل التوجه العام للمنتدى او رأي الإدارة أو القائمين علي المنتدى. هذا المنتدي يتبع أحكام القانون المصري......

هام معضلة الهيمنة.. مرتكزات التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية

هام

Mohamed Gamal

وفدًا لمصـرنا الدنيا فلا نضـعُ الاوطـانَ إلا أولًا
إنضم
30 مارس 2023
المشاركات
7,495
مستوى التفاعل
17,336
النقاط
28
المستوي
7
الرتب
7
الإقامة
القـاهـرة, مصـر

معضلة الهيمنة.. مرتكزات التنافس الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية



التنافس الأمريكي الصيني

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!


تشهد الفترة الراهنة تنافسًا اقتصاديًا ملحوظًا بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تسعى الأخيرة إلى فرض هيمنتها الاقتصادية على العالم، في ظل تمدد اقتصادي كبير لبكين خلال الفترة الحالية، ونظرًا لأن الاقتصاد الصيني ينمو بشكل كبير على جميع المستويات، خاصة في التأثير التكنولوجي والتجاري، حدث التصادم التنافسي بين الدولتين، إذ تُريد الولايات المتحدة الأمريكية إبطاء التطور التكنولوجي والاقتصادي للصين؛ حماية لمصالحها، الأمر الذي يُطلق عليه "حرب باردة جديدة".

وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى أبعاد التمدد الاقتصادي للصين، ومحاور التنافس الأمريكي الصيني، بالإضافة إلى توضيح انعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي والدول المختلفة.

أبعاد مهمة

إن الاقتصاد الصيني يتطور على مستوى العديد من الأبعاد، التي يمكن توضيحها فيما يلي:

(*) نمو اقتصادي كبير: بدأت الصين خطاها نحو النمو الاقتصادي الكبير منذ بداية الانفتاح والإصلاح الاقتصادي في عام 1978، فالسياسات الاقتصادية منذ ذلك الوقت كانت تعمل على تحفيز تحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، إذ يوضح شكل (1) أن معدلات النمو في الصين بلغت 8.3% في الربع الثاني من 2021، على الرغم من تأثيرات فيروس كورونا،

ويرجع التباطؤ الكبير في الربع الثاني من عام 2022 إلى القيود الصحية التي اتخذتها الصين وأزمة العقارات، لكن تعافى الاقتصاد بعد ذلك حتى حقق 5.3 % في الربع الأول من عام 2024، مُتجاوزًا توقعات السوق بنمو 5 %، بالمُقارنة بمعدل نمو 1.3% في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي يؤكد أن الصين بمعدلات نموها المرتفعة تُشكل خطرًا على الولايات المتحدة الأمريكية كقوة اقتصادية تفرض هيمنتها على النظام الاقتصاد العالمي.


شكل (1) يوضح معدل النمو الاقتصادي في الصين من الربع الثاني 2021 إلى الربع الأول 2024

(*) ارتفاع نصيب الصين من الناتج العالمي: نتج عن التطور الاقتصادي الكبير للصين خلال عام 2023، ارتفاع نصيبها من الناتج الإجمالي العالمي، إذ تفوقت على نصيب الولايات المتحدة الأمريكية كما يوضح شكل (2)، فقد سجلت 18.7 %، في حين سجلت الولايات المتحدة الأمريكية 15.4 %،

ومن المتوقع أن يرتفع نصيب الصين من الناتج الإجمالي العالمي إلى 19.44% في عام 2028، في حين من المُحتمل أن تُسجل الولايات المتحدة الأمريكية 14.57%، بحسب توقعات "ستاتيستا"، وهو الأمر الذي يُشير إلى التمدد الصيني الكبير في نظام الاقتصاد العالمي، إذ أصبحت تنافس أكبر اقتصاد في العالم "الاقتصاد الأمريكي".


شكل (2) يوضح نصيب الصين والولايات المتحدة الأمريكية من الناتج الإجمالي العالمي من 2018 إلى 2028- ستاتيستا

(*) زيادة الاستثمار التكنولوجي: اتجهت الصين بشكل كبير إلى توطين التكنولوجيا في اقتصادها، إذ أصبحت تعتمد على ذاتها في إنتاج التكنولوجيا المتطورة بعد أن كانت مستوردة لها، خاصة صناعة الدوائر المُتكاملة، إذ يتسم سوق هذه الصناعة بالنمو الكبير في الصين، مدفوعًا بكون الصين مركز تصنيع رئيسي، في ظل تطور صناعة السيارات، خاصة قطاع مركبات الطاقة الجديدة، التي تُعتبر مُحركًا أساسيًا للطلب على الدوائر المُتكاملة، التي تدخل بشكل أساسي في مختلف الصناعات التكنولوجية،

كما أن تقنية الـ5G التي أطلقتها الصين ستؤدي إلى زيادة هذا الطلب؛ لأنها تدعم رقمنة مختلف الصناعات، ولمواجهة هذا الطلب زودت الصين إنتاجها من هذه الدوائر كما يوضح شكل (3)، إذ ارتفعت من 101.55 مليار وحدة في عام 2014 إلى 351.44 مليار وحدة في عام 2023، أي بلغ معدل نمو إنتاج 2.46%، وهو الأمر الذي ينعكس بشكل كبير على نمو أكبر للاقتصاد الصيني.


شكل (3) يوضح إنتاج الصين من الدوائر المتكاملة من 2014 إلى 2023 (بالمليار وحدة)

محاور التنافس

يُمكن الاستدلال على أوجه التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على النحو التالي:

(&) التنافس التكنولوجي:
يُعد التنافس على التفوق التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية محل نقاش كبير في الوقت الحالي، إذ يُدرك كلا الطرفين أن تحقيق التفوق في التقنيات المُتقدمة والإلكترونيات الدقيقة سيُحدد التفوق الاقتصادي في المُستقبل، ويظهر التنافس في هذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت قيودًا كبيرة على الجانب الصيني من الوصول إلى تقنيات التكنولوجيا المُتقدمة في مختلف المجالات،

ففي الـ8 من أغسطس 2023، أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن، بفحص جميع الاستثمارات الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين، خاصة التي تتضمن تقنيات حساسة تتعلق بـ"أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة، والذكاء الاصطناعي".
وعلى الجانب الآخر تسعى الصين إلى تحقيق الريادة العالمية في التكنولوجيات التي تعتمد على أشباه الموصلات،

ووفقًا لجمعية صناعة أشباه الموصلات (SIA)، من المُقرر أن تنتج الصين 28% من الرقائق تحت مستوى 10 نانومتر، بالإضافة إلى إنتاج 2% من الرقائق الأكثر تقدمًا، وهو الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع إجمالي الإنتاج من الرقائق في الربع الأول من عام 2024 بنسبة 40%، أي نحو 98.1 مليار وحدة، إذ أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني في الصين أن إنتاج الرقائق ارتفع بنسبة 28.4%، مارس 2024، ليصل إلى مستوى قياسي يُقدر بـ36.2 مليار وحدة، بالإضافة إلى ذلك ارتفعت مبيعات الصين من أشباه الموصلات كما يوضح شكل (4)،

إذ ارتفعت من 10.97 مليار دولار في فبراير 2023 إلى 14.76 مليار دولار في يناير 2024، أي سجلت معدل نمو يبلغ 35.13%، وهو الأمر الذي يُشكل مصدر قلق للولايات المتحدة الأمريكية، ويخدم هدف الصين الأكبر نحو تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب يتحقق فيه التوازن.


شكل (4) يوضح مبيعات الصين من أشباه الموصلات خلال عام 2023 ويناير 2024

(&) التنافس التجاري: بدأ التنافس التجاري الأمريكي الصيني في عام 2018، عندما فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رسومًا جمركية وحواجز تجارية على العديد من السلع الصينية، فكما يوضح شكل (5) أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة في هذا العام سجلت 479 مليار دولار، بينما بلغت صادرات الولايات المتحدة للصين 120 مليار دولار، إذ بلغ عجز الميزان التجاري 419.2 مليار دولار،

ويُشير الشكل إلى استمرار عجز الميزان التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، خلال السنوات التالية لعام 2018، ففي عام 2023 بلغت صادرات الصين للولايات المتحدة الأمريكية 501 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات الأمريكية للصين 148 مليار دولار.


شكل (5) يوضح صادرات الصين والولايات المتحدة الأمريكية من 2019 إلى 2023 - منظمة التجارة العالمية

كما استمر هذا العجز خلال الربع الأول من عام 2024 كما يوضح جدول (1)، إذ سجل إجمالي العجز في أول ثلاثة شهور من العام 60.77 مليار دولار، حيث بلغت الواردات الأمريكية من الصين 97.63 مليار دولار،

بينما بلغت الصادرات إلى الصين 36,86 مليار دولار، وهو الأمر الذي يوضح القيود التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على العلاقات التجارية مع الصين، إذ تُخطط واشنطن لزيادة الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية بـ18 مليار دولار، خاصة على السيارات الكهربائية المستوردة، ما يدل على أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ستزداد خلال الفترات المقبلة؛ ويرجع السبب في ذلك إلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تحجيم نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.


جدول (1) يوضح تجارة الولايات المتحدة مع الصين (بالمليون دولار) - الموقع الرسمي لحكومة الولايات المتحدة

انعكاسات مُستقبلية

إن التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين يُحقق العديد من الانعكاسات على النظام العالمي، على النحو التالي:

(-) توازن النظام العالمي: شهد النظام العالمي خلال السنوات الماضية، هيمنة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية على العلاقات الدولية؛ نتيجة امتلاكها للقوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وهو الأمر الذي جعل القرارات الاقتصادية والمالية، التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية تؤثر على العالم أجمع، لكن مع التنامي الصيني في النظام العالمي بتحقيق نمو اقتصادي وتكنولوجي كبير سيحدث التوازن الكبير في النظام العالمي بأن يتجه إلى نظام مُتعدد الأقطاب.

(-) توافر الفرص استراتيجية: يعمل التنافس الكبير بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على توفير العديد من الفرص الاستراتيجية للدول المختلفة، خاصة الدول النامية، التي تتضرر بشدة من النظام العالمي أحادي القطب، فالتواجد في الشرق الأوسط بالاستثمارات المباشرة المتعددة المجالات يُعتبر توجهًا كبيرًا للصين في الفترات المقبلة، وهو ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينج، في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني في بكين، فالصين مع القيود التجارية التي تُفرض عليها من الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على فتح أسواق جديدة في الدول العربية، ما يعمل على توسيع الطاقة الإنتاجية لهذه الاقتصاديات.

(-) تعزيز تكتل البريكس: تُعتبر الصين من أهم الدول المؤسسة لتكتل البريكس، فمع تنامي اقتصادها سينمو هذا التكتل بشكل كبير، فهذا التكتل سيُحقق قلة ارتباط عملات الدول المُشتركة فيه بالدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي سيُحسن موازين مدفوعات هذه الدول، كما أن التطور الآسيوي الكبير سيزيد من رغبة الدول المختلفة للانضمام لهذا التكتل، إذ قدمت سبع دول بطلب الانضمام للمنظمة خلال عام 2025، وهو الأمر الذي سيزيد من قوة هذا التكتل وتأثيره على النظام العالمي.

وفي النهاية يمكن القول إن التنافس التجاري والتكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية سيرتفع بشكل أكبر في السنوات المقبلة، نتيجة تزايد التطور والنمو الصيني بشكل ملحوظ على مستوى كل المجالات، فالتقدم الصيني في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات، سيُحقق لها ميزة استراتيجية كبرى في النظام العالمي، وهو ما تُدركه الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا يتضح أن التطور والسبق التكنولوجي هو الذي سيحكم شكل النظام العالمي في المستقبل، الذي من المتوقع أن يتجه بشكل كبير إلى النظام المتعدد الأقطاب.
 

Mohamed Gamal

وفدًا لمصـرنا الدنيا فلا نضـعُ الاوطـانَ إلا أولًا
إنضم
30 مارس 2023
المشاركات
7,495
مستوى التفاعل
17,336
النقاط
28
المستوي
7
الرتب
7
الإقامة
القـاهـرة, مصـر

انعكاسات إقبال الصين على شراء الذهب في الربع الأول لعام 2024



سوق الذهب العالمي

من فضلك, تسجيل الدخول أو تسجيل لعرض المحتوي!


خلال الأشهر الثلاث الأولى من عام 2024، ارتفعت مُشتريات الصين من الذهب بشكل كبير للغاية، إذ أعلن بنك الشعب الصيني عن مشتريات بقيمة 27 طنًا، بحسب تقرير مجلس الذهب العالمي، وبذلك تمتد المدة التي أقبلت فيها الصين على شراء الذهب إلى 18 شهرًا على التوالي، وهو ما جعل بنك الشعب الصيني من أكبر البنوك المركزية شراءً للذهب خلال هذه الفترة، مما استدعى البحث وراء هذا التصرف من قبل الدولة الصينية.

وتأسيسًا على ما سبق؛
يسعى هذا التحليل إلى الإجابة عن سؤالين أساسيين هما: لماذا تقبل الصين على شراء الذهب؟ وما انعكاسات الزخم الشرائي الصيني للذهب على الاقتصاد العالمي؟

ومن الجدير بالذكر هنا أن بنك الشعب الصيني أوقف سلسلة مُشتريات الذهب الشهرية، التي كانت تهدف إلى تعزيز الاحتياطي من الذهب في مايو 2024، إذ لم يقم البنك بأي عملية شراء خلال الشهر الماضي.

اتجاه تصاعدي

يُمكن الاستدلال على اتجاه الصين نحو زيادة مشترياتها من الذهب على النحو الآتي:

(*) ارتفاع الاحتياطي من الذهب:
نتج عن سلسلة مشتريات الذهب التي نفذتها الصين، ارتفاع احتياطيها من الذهب بشكل ملحوظ خلال الربع الأول من عام 2024، إذ ارتفعت احتياطيات الصين بمقدار 5 أطنان في مارس 2024، ومن هنا أصبح الإجمالي كما يوضح شكل (1) 2.26 ألف طن، وهي زيادة ملحوظة عن السنوات السابقة، إذ بلغ حجم الاحتياطي 1.95 ألف طن في الربع الأول من عام 2022، واتخذ مسارًا تصاعديًا بعد الربع الثالث من نفس العام، حتى ارتفعت احتياطيات البلاد من الذهب بمقدار 314 طنًا منذ نوفمبر 2022، إذ بلغت نسبة المخزونات الرسمية من الذهب 44%.


شكل (1) يوضح احتياطي الصين من الذهب من الربع الأول 2022 إلى الربع الأول 2024

(*) ارتفاع واردات الذهب: يتضح الارتفاع الكبير في شراء الصين للذهب من ارتفاع حجم وارداتها من المعدن الأصفر، إذ كما يوضح شكل (2) أن صافي واردات الصين من الذهب عن طريق هونج كونج ارتفع إلى 55.836 طن متري في مارس 2024، وبشكل إجمالي استوردت الصين 160 طنًا من الذهب في يناير 2024 على أساس صافي، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الجمارك الصينية، وكان هذا الأمر مدفوعًا بالطلب الكبير على الذهب بالجملة داخل الصين في شهر يناير.


شكل (2) يوضح صافي واردات الصين من الذهب عبر هونج كونج في مارس 2024

أسباب مُتعددة

تقبل الصين على شراء احتياطي كبير من الذهب، نتيجة مجموعة من الأسباب المهمة التي يمكن توضيحها في ما يلي:

(-) انخفاض احتياطي الذهب: بمُقارنة احتياطي الصين من الذهب مع الدول المختلفة الأخرى، يتضح أنها في وضع أقل منها بكثير من حيث نسبة احتياطي الذهب من إجمالي الاحتياطي، فكما يوضح شكل (3) أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الرصيد الأكبر من احتياطي الذهب إلى إجمالي الاحتياطي الأجنبي، إذ تمتلك نحو 71.33%، وتليها ألمانيا بنسبة احتياطي ذهب 70.56%، ثم إيطاليا بنسبة 67.55%، وفرنسا بنسبة 68.61%، وروسيا الاتحادية بنسبة 28.14%، وتأتي في آخر هذه المجموعة الصين التي تمتلك 4.6% فقط احتياطي ذهب، وهو ما يدل على أن إدراك الصين لهذا الوضع جعلها تتجه إلى زيادة احتياطها من الذهب.


شكل (3) يوضح نسبة احتياطيات الذهب في الدول المختلفة - مجلس الذهب العالمي

وفي ضوء ذلك يتضح أن لتحقيق هدف الصين في نظام عالمي متوازن ومُتعدد الأقطاب، لابد أن تُنافس الدول الكبرى في نسبة الاحتياطي من الذهب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تُهيمن على الاقتصاد العالمي وتتحكم في قرارته الاقتصادية.

(-) ارتفاع الطلب المحلي: تذهب النظرية الاقتصادية إلى أن الطلب على منتج معين يتأثر طرديًا مع أسعار المنتجات البديلة، ويُمكن تطبيق ذلك على سوق الذهب في الصين، فعدم ثقة المُستهلكين الصينيين في الاستثمارات التقليدية مثل العقارات والأسهم، هو ما جعلهم يقبلون بشكل كبير على شراء الذهب بالجملة، إذ قاموا بشراء السبائك والمجوهرات؛ بسبب انخفاض قيمة عملة اليوان وسوق الأوراق المالية في البلاد وقيمة استثماراتهم العقارية، فكما يوضح شكل (4) انخفضت الاستثمارات العقارية في الصين بنسبة 9.5% في مارس 2024، بالمُقارنة بانخفاض قدره 9% في فبراير 2024، ويُمكن القول إنه عندما ينخفض الاستثمار العقاري، يكون الاستثمار الذي يليه هو الاستثمار في المعدن الأصفر "الذهب".


شكل (4) يوضح نسب الانخفاض في الاستثمار العقاري في الصين

ومن هنا، أوضح جون ريد، كبير استراتيجي السوق في مجلس الذهب العالمي، أنه في بداية عام 2024، كان هناك عمليات شراء هائلة للبيع بالتجزئة في الصين، بالإضافة إلى كميات قياسية من الشراء في بورصة شنجهاي للذهب؛ نتيجة شراهة المُضاربين على المعدن الأصفر.

(-) التحوط من تضخم العملات: يتجه الفكر الاقتصادي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على تضخيم قيمة عملتها؛ لمواجهة الحجم الكبير من الديون التي تمتلكها، فزيادة قيمة الدولار الأمريكي يُقلل من القيمة النقدية لهذه الديون التي بلغت 34.59 تريليون دولار في الربع الأول من عام 2024، بحسب وزارة الخزانة الأمريكية، وبالتالي سيصبح الاحتياطي الأجنبي للصين من العملات، خاصة الدولار الأمريكي، لا قيمة له، وهو الأمر الذي جعلها تحتفظ باحتياطي يُعد مخزنًا لقيمته مهما حدث، وبالتالي يُعد اتجاه الصين لزيادة احتياطيها من الذهب، وسيلة للتحوط ضد تضخم العملات الأجنبية.

(-) حسابات مُستقبلية: تمتلك الصين مجموعة من الحسابات المُستقبلية التي جعلتها تتجه لشراء الذهب بهذه الكميات الكبيرة، ومنها طموحاتها بأن يتغير ترتيب عملتها بين سلة عملات حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، إذ ظل اليوان في المرتبة الثالثة في مراجعة الصندوق عام 2022، وهو ما يجعل الصين تطمح أن يتغير ترتيبها في المراجعة القادمة في عام 2027، ومن ناحية أخرى تتحسب الصين لتخفيض متوقع لقيمة عملتها "اليوان"، حتى تُحقق مزايا تنافسية أكبر لتجارتها، بتوفير سلع رخيصة تُغرق الأسواق العالمية.

(-) توترات جيوسياسية: إن النزاعات المُنتشرة في معظم مناطق العالم، تجعل البنوك المركزية المختلفة تتجه إلى زيادة احتياطها من الذهب، وفي حالة الصين نجد أن النزاعات مع الولايات المتحدة الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، والوضع في تايوان، يجعل الاتجاه العام للدولة الصينية هو زيادة درجة الأمان لديها باحتياطي من الذهب لا تتغير قيمته، حتى تُحافظ على وضعها الاقتصادي المُنافس للعديد من الدول الكبرى.

انعكاسات استراتيجية

ترتب وسيترتب على اتجاه الصين لزيادة مشترياتها من الذهب مجموعة من الانعكاسات، على النحو الآتي:

(&) ارتفاع السعر العالمي للذهب: شهد السوق العالمي للذهب ارتفاعًا كبيرًا في متوسط أسعاره خلال موجة الشراء الصينية، فكما يوضح شكل (5) ارتفع سعر أونصة الذهب من 1866.74$ في سبتمبر 2023 إلى 2359.89$ في مايو 2024، أي ارتفع سعر الذهب عالميًا بنسبة 26.42%، وهو الأمر الذي ينسبه خبراء سوق الذهب إلى المشتريات الكبيرة للصين،

إذ إنها رفعت من شهية المُضاربة على الذهب كمخزن للقيمة، ويُمكن التأكد من هذا التحليل من خلال الشكل المُقابل، إذ يوضح أنه عندما توقفت الصين عن شراء الذهب في مايو 2024، انخفض سعر الأونصة عالميًا إلى 2306.97 دولار، أي انخفض سعر أونصة الذهب بنسبة 2.24%، وهو الأمر الذي يوضح التأثير الملحوظ لمُشتريات بنك الشعب الصيني من الذهب على سعره العالمي.


شكل (5) يوضح أسعار أونصة الذهب عالميًا خلال الفترة من 28 سبتمبر 2023 إلى 11 يونيو 2024

(&) زعزعة هيمنة الدولار: يحتل الدولار الهيمنة العالمية من كونه العملة الاحتياطية الدولية في العالم، التي تحاول معظم الدول زيادة الاحتياطي الأجنبي منها، ولكن عندما تقوم الدول المختلفة بزيادة شراء الذهب كاحتياطي لدى بنوكها المركزية، خاصة بنك الشعب الصيني، الذي يُعد في مقدمة هذه الدول، سيتأثر الدولار بشكل كبير في المُستقبل، إذ يكتسب الدولار قوته من طلب الدول المختلفة عليه؛ لتكوين احتياطيها من العملات الأجنبية،

وفي حين أن النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث، أوضحت أن بعض الدول تُعيد النظر في الاعتماد الكبير على الدولار الأمريكي في المعاملات والاحتياطيات الدولية، انخفضت حصة الدولار في المدفوعات المختلفة منذ بداية عام 2022، وهو الأمر الذي يدل على ضبابية مُستقبل الدولار كعملة أساسية في النظام الاقتصادي العالمي.

(&) التأثير على التجارة العالمية: إن ارتفاع الاحتياطي الصيني من الذهب يُحقق هدف بكين في زيادة تنافسية تجارتها في الأسواق العالمية، إذ يُمكنها من تخفيض قيمة عملتها "اليوان"، الأمر الذي سيؤثر على التجارة العالمية بشكل كبير، فسهولة تدفُق المُنتجات الصينية رخيصة الثمن إلى الدول المختلفة، سيستثير دافع الدول الأخرى لتنمية تجارتها، وهو ما ينعكس بالإيجاب أخيرًا على وضع التجارة العالمية في المُستقبل.

وعليه يُمكن القول إن مشتريات الصين من الذهب تأتي نتيجة العديد من العوامل، والتي يُعد أهمها التنافس الصيني الأمريكي، الذي يدفعها إلى تقليل الاعتماد على الدولار كاحتياطي أجنبي استراتيجي، ومن المُرجح أن الصين أوقفت شراء الذهب في مايو 2024 نتيجة موجة الارتفاع التي شهدها السوق العالمي الفترة الأخيرة، وأنها ستُعاود الشراء مرة أخرى بعد هبوط الأسعار العالمية لأونصة الذهب، وهو الأمر الذي سيؤثر على الاقتصاد العالمي في المُستقبل بشكل كبير.
 

Thunder wolf

عضو مميز
إنضم
28 ديسمبر 2021
المشاركات
2,246
مستوى التفاعل
10,893
النقاط
18
المستوي
2
الرتب
2
مقال و مجهود فائق الروعة و التنظيم و السلاسة و عالي القيمة جدا جدا شكرا لك @Mohamed Gamal
 

Mohamed Gamal

وفدًا لمصـرنا الدنيا فلا نضـعُ الاوطـانَ إلا أولًا
إنضم
30 مارس 2023
المشاركات
7,495
مستوى التفاعل
17,336
النقاط
28
المستوي
7
الرتب
7
الإقامة
القـاهـرة, مصـر

الذين يشاهدون الموضوع الآن