• يمنع منعا باتا توجيه أي إهانات أو تعدي شخصي على أي عضوية أو رأي خاص بعضو أو دين وإلا سيتعرض للمخالفة وللحظر ... كل رأي يطرح في المنتدى هو رأى خاص بصاحبه ولا يمثل التوجه العام للمنتدى او رأي الإدارة أو القائمين علي المنتدى. هذا المنتدي يتبع أحكام القانون المصري......

نظريات العنف السياسي

إنضم
14 أغسطس 2024
المشاركات
1
مستوى التفاعل
3
نظريات العنف السياسى وأثرها علي الأمن الوطني
نظريات العنف السياسي وأثرها على الأمن المجتمعي​

لا نسطيع في هذه الاطلالة السريعة على أن نتحدث على بزوغ نظريات العنف السياسي جميعها، ولكن سنركز الحديث عن أهم ثلاث نظريات منهما حيث أن واقعهما مطروح الأن علي مسرح الأحداث في عالمنا المجاور.

يوجد تاريخيا نظرية يطلق عليها نظرية العنف السياسي ، وهو باختصار عنف ليس مرتبطا بالجوع والفقر، بل مرتبط بوجود جماعات سياسية تتميز بالشذوذ السياسي ، ولجوائها إلي العنف لاثبات وجودها على مسرح الأحداث. ( الدعم السريع بالسودان أنموذجا. الحوثيين باليمن.)
كما توجد نظرية أخرى مرتبط وجودها بالعنف السياسي يطلق عليها نظرة العنف البنيوى، ويرتبط وجودها بقكرة ضعف التوزيع وعدم عدالته، ومن ثم بروز الأزمات الداخلية في الدولة ـــ حالة ( الأزوات في لبيا أنموذجا ) وغيرها في البلدان العربية والأوربية، ويظهر وجود أصحاب هذه النظرية على ساحات الأحداث عندما تكون أزمة الهوية مرتبطة بمكون اجتماعي قبلي أو لغوى متمركز بأحد أقاليم الدولة، مما قد ينتج عنه محاولات إنفصال عن الدولة ( المسألة الكردية بالعراق ـــ إقليم القطلان وإقليم البشكنس " الباسك " باسبانيا. أنموذجا.) وقد تؤدى في كثير من الأحيان مكونات أصحاب هذه النظريات إلي وجود حالة من الإنفلات الأمني ، ربما يصل في أحيايين إلي إنهيار الدولة وانتقال التهديدات لدول الجوار. على أنه يمكن النظر إلي هذه التهديدات الأمنية من خلال عدة مقاربات نظرية من أهمها أولا: النظرية البنائية حول الأمن التي تتمحور حول أعمال مدرسة شمال أوربا التي تجمع بين أكاديمية كوبنهاجن للسلام، والمدرسة الإنجليزية، حيث تجمع بين فكر باري بوازن، وأولي ريفر اللذان تحدثان باستفاضة عن المركب الإقليمي للأمن ويمكن تلخيص فكرهما فب الآتي :
أــ الأمن العسكري : بمعنى أمن الدولة من التهديدات الخارجية.
ب ــ الأمن الاقتصادي : من خلال توفير الحاجيات المادية للشعب.
ح ـــ الأمن السياسي : من خلال وجود نظام سياسي مستقر لتوفير الحكم الديمقراطي.
د ـــ الأمن المجتمعي : من خلال وجود تجانس بين رموز الهوية والوحدة المجتمعية مهما كانت مستويات المركب المجتمعي من حيث تعدد الاقليات بداخله.
هــ ــ الأمن البيئ : من خلال الحفاظ على وسط بيئ يضمن شروط استدامة الحياة للمجتمع الحالي للدولة ، كما يضمن شروط الاستدامة لاجيال الدولة القادمة.

ثالثا : نظرية الفكر السياسي الإسلامي الوسطي :

هي نظرية تتعلق في مضمونها بالعلاقة بين الرعية والسلطان، أو بين الحاكم والمحكوم ، وأثر هذه العلاقة على الأمن الاجتماعي. وهي نظرية أحجم الباحثون في التاريخ والحضارة الإسلامية عن الخوض فيها بدعوى أن الأنظمة التي حكمت وتحكم البلاد العربية الإسلامية شرقا وغربا كانت أنظمة استبدادية ، لا قانون لها سوى ما يساير رغباتها، وهي حتى إذا ما أتخذت من الإسلام مرجعا وسندا لها فإنها في الواقع لا تلتزم بأحكامه.وتتخذ منه ستارا للتغطية على تعسفها وإضفاء رداء المشروعية علها والوجود السياسي لها، وأن عملية البحث عن تفكير سياسيى من مستوى مفيد وناجح في هذا الخصوص لا ينتظر منه كبير فائدة.حيث أن السلطة السياسية من نظر هؤلاء هي حكر على الحاكم، وعلى شخصيته المستعبدة لموقف رعيته منه ومن سياسته.

لكن من وجهة نظري الخاصة ومن خلال قرأتي المتأنية في تتبع الأحداث السياسة الدينية التي أقامت دولا، وأسقطت أخري ، وأنشأت فرقا سياسية وأخرى دينية ما هى إلا دليلا على أن المجتمع والرعية بصفة عامة كان لهما تأثيرا في الأحداث السياسية ، وأن السلطة كانت تأخذ موقفها بعين الاعتبار وتولى له اهتماما خاصا ، ومن ثم كان يظهر النشاط السياسي والجدال القوي والحاد في بعض الأحيان بين علماء وفقهاء وزعماء الأمة وأهل السياسة فارزا فكرا سياسيا حول موضوعات وقضايا مختلفة يتبناها أصحاب الدعوات السياسية والدينية، لاستقطاب الرعية ضد الأنظمة الحاكمة،مستخدمين في البداية إشعار الرعية بالمشاكل أو بالظلم والجور القائم،وبعد هذه العملية تقدم الدعوة الدينية السياسية الجديدة البديل الذي هو دائما العدل وإلغاء الضرائب والمكوس غير الشرعية والالتزام بأحكام الكتاب والسنة، وهذا الأمر تكرر في كثير من الدول التى حكمت العالم الإسلامي دون اعتبار صدق أو كذب أصحاب هذه النظريات الدينية السياسية ( حالات الربيع العربي 2011 أنموذجا حديثا ) وكان من أليات نجاح هذه الدعوات اعتماد أصحابها على الرعية، فيجذبون إليهم العامة منهم لإحداث عدد من حالات الفوضى والفتن والثورات حيث أن المستوى الاقتصادي والاجتماعي لعامة الشعب له تأثير علي نفسيتهم وتحركاتهم السلوكية التي تكون هوجاء في الغالب الأعم.

ومن ثم بدأ أصحاب الفكر السياسي الإسلامي الوسطى في تقنين العلاقة بين الراعي والرعية، أو لنقل بين السياس والمسوس .أو ما يسمي في العصر الحديث بنظرية العقد الاجتماعي، أو ما يطلق عليه الجوانب الحقوقية الرابطة بين السلطة الحاكمة والرعية.
بناءا على قرأتنا في تراث الفكر السياسى الإسلامي الوسطي وما تمدنا به المصادر التاريخية السياسية الحدثية نطرح في هذه الورقة بعجالة مسألة النظرية السياسة المشار إليها أنفا أو ما يمكن أن نطلق عليها ( بنظرية العقد الاجتماعي الإسلامي ) ودور هذه النظرية في تنمية الوعي المجتمعي السياسي وأثره على أفق الأمن المجتمعي من خلال المحاور الآتية باختصار شديد:
1 ــ مفهوم الأمن :
لا شك أن الأمن مرتبط بالعمران البشري من جهتين : الأولى أنه الدافع الأساسي لهذا العمران . الثانية : أن هذا الأمن هو المفضي إلي وجود السلطة السياسية اللازمة لرعاية هذا العمران، ولذلك عد وجود السلطة السياسية تعبيرا عن الضرورة الاجتماعية قبل أن يكون وجود السلطة تجسيدا لحاجة سياسية. ومن هنا يتسع مفهوم الأمن ليشمل معان كثيرة مثل ( التصديق ــ الحفظ ــ عدم الخيانة ـــ الطمأنينة ـــ الثقة ـــ القوة ـــ الحماية ـــ السلم ) وتجمع هذه المعانى مدضاتها اللغوية وهي عدم الخوف ، ليصير الخوف هو الرابط المشترك بين معاني الأمن ، ومن ثم لا يمكن أن نفرغ الأمن من محتواه الأخلاقي.
2 ـــ موقف الرعية من الحاكم :
أبرز الإسلام من خلال القرآن والسنة النبوية القيم الأساسية الجوهرية للنظام السياسي، كما أوضحت شريعة الإسلام الحاجة الأساسية لقيام " دولة أو حكومة " تكون منظمة لحاجيات رعاياها، وتكون هي منظمة بقوانين وأطر وقيم أساسية سياسية. لذا ناقشت كتب الفكر السياسي الاسلامي الوسطي العلاقة التي تربط بين الرعية والسلطة السياسية وإن ركزت في مجموعها على صاحب السلطة السياسة ، فالمرادي صاحب كتاب الإشارة في تدبير الإمارة يرى : " أنه من المستحيل على أية سلطة سياسية أن ترضي كافة رعيتها، أو أن يحصل إجماع تام من الرعية على هذه السلطة، حيث أن للرعية أهواء مختلفة واتجاهات متباينة " وحسب رؤية المرادي في هذه العلاقة فإن " صاحب السلطة السياسية عليه أن يرمي إلي إرضاء " أهل الفضل " اي الفئة المجتمعية التي تريد أن يعيش المجتمع في عدل واستقرار وطمأنينة محفوظ الحقوق والوجبات ، وهذه الفئة تتكون من المستنيرين من القادة والمثقفين والعلماء والفقهاء الذين يبتعدون دوما عن اقتراف الرذائل وعن الجور والظلم " وهي الفئة التى وصفها أيضا الإمام الغزالي في التبر المسبوك بأنها " ما كانت توافق أحدا على الجور والظلم " مشيرا إلي أن " الأماكن تخرب إذا استولى عليها الظالمون "

الواقع من خلال هذا الطرح لأصحاب هذه النظريات أن مفهوم الأمن السياسي لا يخرج في دلالاته عن مفهوم عدم الخوف، لكنه هنا يأخذ منحنى خاصا يقوم على تحقيق الطمأنينة التي تعني بدورها أمرين متكاملين ، أولهما هو إيجاد التوازن بين الممارسة السياسية للسلطة ومن يخضع لها بموجب مبدأ طاعة أولى الأمر. ثانيهما : أن السلطة السياسية لا تسعى إلي مجرد تقديم حقوق الحاكم، إنما تسعي في الوقت ذاته إلي الإلتزام بحقوق المحكوم. وتعمل على توفير قنوات الاتصال بينهما، سواءأ أكان الاتصال نظاميا أم حركيا أم فكريا.
في الإطار ذاته لهذه النظرية يطرح كل من الإمام الطرطوشي وابن رضوان ذات الفكرة بشكل واقعي حيث يرايا " أنه مهما اجتهد أي حاكم على أن يعمل ما في وسعه لإرضاء رعيته فإنه لا يستطيع ، ولا يمكنه الوصول إلي ذلك بالمرة " ويسوق الإمام الطرطوشي في سراج ملوكه رأيه بمثال أكثر واقعية عندما يخبر الحاكم ويطلعه على موقف رعيته منه قائلا له " لا تطمعن أن يصفو لك منهم ما لايصفو لإله " وهذا ما أكده أيضا الإمام الغزالى الذي رأى " أن الرعية لا يمكن أن ترضى جميعها عن السلطة السياسية ،إذ توجد بينها وفيها فئة توجه إنتقادتها دوما للحاكم بل تسخط عليه "

3 ــ مسألة استطلاع الرأي :
من أجل تنمية الوعي بالأمن المجتمعي السياسي رأى أصحاب الفكر السياسي الإسلامي الوسطي أهمية كبرى لاستطلاعات الرأي في الأمور الخاصة بالدولة لاسيما العسكرية والحربية حيث راوها أنها هي " أحد أعمدة الملك وأركانه الأساسية " كما رؤها بإنها " أحد التدابير التي تتحقق بها المصلحة العامة " ورأها الإمام الغزالي أن تتم بسرية تامة " على الحاكم أن يستطلع رأي رعيته تجاه سياسته وتجاه حكمه وقراراته بطريقة سرية " ومن ثم جاء هذا الفكر من أجل أن يتعرف الحاكم على مصادر عدم الرضا عند رعيته.
4 ـــ الأسس التى تتحكم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
أــ العدل :

يرى أصحاب هذه النظرية إن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه إية سلطة سياسية هو إنسياق الرعية لها والتحكم فيها، ولا يمكن أن يتم لها ذلك إلا بتحقيق العدل، الذي تجمع المصار أنه هو " جوهر الأمر " بل أنه " السياسة الكبرى " والمقام هنا لايتسع لذكر كل العبارات التي بثها أصحاب الفكر السياسي الإسلامي الوسطي بخصوص أهمية العدل في مسألة العقد الاجتماعي لكننا نكتفي بأمثلة قليلة منها ، فيرى الطرطوشي أنه " إذا عدل السلطان ملك قوب الرعية، وإذا جار لم يملك منهم إلا الرياء والتصنع " وشبه المرادي العدل بأنه " أنصار من الرجال إذا التزم به الحاكم هابه أعداءه وازادت طاعة رعيته له، واحبه من لم يكن من رعيته " ويرى الإمام الغزالي أن " السلطان الظالم مشئوم لا يبقى ملكه ولا يدوم " فتدابير المساوه والحفاظ على حقوق الرعية وممتلكاتهم ونبذ الجور يشعر الرعية بالإطمئنان والسكينة، مما يولد تجاوبا بين الحاكم والمحكومين الذين يصبحون في هذه الحالة جنودا للحاكم وطوع إرادته في إي ما يطرأ على أمن دولته، وهم يكونون بذلك يدافعون ليس عن صاحب سلطتهم السياسية فحسب، بل يدافعون في ذات الوقت عن مكتسباتهم السياسية والاجتماعية التي تؤثر بطبيعة الحال على أوضاعهم الاقتصادية.

يلخص لنا اصحاب هذه النظرية القول بأن السلطة السياسية عليها أن تطبق العدل والالتزام به في أحكامها، أما الرعية فعليها أن تطيع حاكمها وتنساق له. هذا وقد ركز أصحاب هذه النظرية على فكرة الوحدوية، حيث لا يرون بالمرة وجوب الثورة علي السلطة حتى ولو كانت جائرة ، فكان من أهم الأمور لديهم بل وأهمها هو المحافظة على وحدة المجتمع، ويعتبرون الفتنة عاملا من عوامل الإنشقاق، وتمزيق الوحدة المجتمعية التي تتعتبر لديهم مقدسة، ولعل هذا المبدأ الذي أقره أصحاب هذه النظرية أدى إلي الاعتراف بجميع السلطات السياسية التى حكمت الدول العربية والإسلامية شرقا وغربا، فكل من الطرطوشي والباجي والمرادي والغزالي والحضرمي وابن خلدون وغيرهم ركزوا على استخدام مصطلح " الجماعة " الذي يعني الوحدة من أجل البقاء داخل إطار الجماعة وعدم الخروج عنها.
ب ــ الرفق بالرعية :
إن مسألة الرفق بالرعية من وجه نظر أصحاب هذه النظرية تعد أحد العوامل التي تتوقف عليها الحالة الأمنية للدولة والمجتمع، لأنها عامل أستخدم بقوة في جميع الدعوات الإصلاحية الدينية أو الثورية التى تدعو إلي التغيير، وهو عامل له تأثير كبير في قيام الدول أو زوالها.ويحتاج هذا العامل إلي نوع من التوازن يتلخص في أن السلطة لا يجب عليها أن ترى في رعيتها أنها مورد مالي يعتمد عليه عن طريق جلب الضرائب منه ، كما أن الرعية تنظر أيضا للسلطة السياسية على أنها هي أحد مصاريفها المالية التي تعتمد عليها. ولكي يوجد هذا التوازن بين الطرفين ويظل موقف الرعية بجانب السلطة السياسية الحاكمة فعلى الأخيرة ألا تتخذ الرعية الرعية مصدرا ماليا لها، لأن الأمر يولد حزازات بينهما مما يؤدي إلي إندلاع القلاقل والفتن والثورات فعلى الحاكم أن يتخذ الرعية " أهلا وأخوانا يكنونون له جندا وأعوانا " ويؤكد الثعالبي على هذه العلاقة بالقول :" إن قوة المال بالرعية وقوة الرعية بالعدل " وإذا كان المال هو الأساس الذي يرتكز عليه نظام الحكم " فهو قوة السلطان وعماد المملكة ومادة الحكم " أي أنه يجب التعامل مع الرعية بسياسة عادلة تتبع فيه مصلحة " الرفق بالرعيىة " وعدم إثقال كاهلها بالضرائب والجابيات .هكذا تؤكد مقولات أصحاب هذه النظرية على أن المشاكل المالية التي تعيشها الرعية من جراء الضرائب أو إرتفاع الأسعار في حالة نشوب الفتن والثورات أو أزمنة الشدة الطبيعية تؤثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية للدولة والمجتمع، و في حال استفحالها تؤدي إلي زعزعة النظام والأمن السياسي.

ج ـــ الدفاع عن مجال الدولة والرعية :

لعل هذا العنصر من العناصر المهمة عند أصحاب هذه النظرية ،حيث أنه من المعلوم أن الدفاع عن سيادة الدولة وعن أمنها وحدودها لا يتأتى إلا بأداة هامة ورئيسة ترتكز عليها جميع السلطات السياسية الحاكمة ، ونعني بهذه الدعامة الرئيسة " الجند " فالثعالبي يرى في الجند " عدة الملك وعدته ... وركن سلطانه وسبب قدرته " كما أن ابن خلدون يرى أنه " لا يمكن ان يتحقق حسن التدبير السياسي للحاكم إلا بالدفاع عن الرعية " ويرى ابن خلدون أنه لا يمكن لأية سلطة سياسية أن تضفى عليها عبارة " السلطة السياسية " وهي لا تمتلك جندا قويا.
وضعف الجند يشعر الرعية بعدم الأمن، فتكثر الفوضى وقطاع الطرق وغير ذلك من الظواهر الاجتماعية السلبية ولذلك قيل : " الملك بناء والجند أساسه، فإذا قوى الأساس دام البناء، وإن ضعف الأساس انهار البناء "
فالأمن الخارجي والاستقرار الداخلي أمران ضروريان لكلا الطرفين ، فالرعية عندما تخضع لنظام سياسي تسعى إلي أن يتجسد لها واقعيا الإفادة من هذا الخضوع، لأنه يوفر لها الأمن والاستقرار، وهذا الشعور الأمني يؤثر بدوره على عديد من المجلات التي تستفيد منها الرعية في حياتها العامة، لذا يري أصحاب هذه النظرية أن الجند أداة هامة تعطي للسلطة السياسية هيبة ومكانة في نفوس الرعية، بل أن وجود الجند القوي هو الذي يمثل الصورة الفعلية للسلطة السياسية داخل وخارج الدولة.

د ـــ التحبب إلي الرعية :
إن هدف أي نظام سياسي هو أن يكون أغلب الرعية مساندين له في أغلب التدابير التي ينتهجها، فهى طرف مباشر في القرارات التي يتخذها الحاكم، ومن ثم يكون تحبب الحاكم لرعيته هو أحد قنوات الاتصال التي يصبح بها الرعية جند يدافع عن السلطة الحاكمة له، فتسود الثقة بين الطرفين فتعم الطمأنينة، ويستشعر الرعية من كون أنه هناك تحبب وطرح الحاكم للتدابير والقرارات التي يتخذها أنهم طرفا أساسيا في الحكم حيث أنهم يستشعرون أنهم قد استشيروا ، ومن يستشار يشعر بأنه شارك في صنع القرار، ولذلك فهو يتحمل نتائجه إلي جانب السلطة الحاكمة.

لعلنا نختم هذه الطرح لهذه النظرية بمقولة ابن خلدون " إنما الملك على الحقيقة لمن يستعبد الرعية ويجبى الأموال ويبعث البعوث " ولعل ابن خلدون يقصد هنا أن الحاكم الفعلي هو الذي يكون لديه القدرة على ضبط رعيته والسهر على مصالح دولته في احتياجها لمن يقوم إعوجاجها ويلزمها النظام، وهذا الأمر لا يتأتى إلا بإحكام القبضة عليها، وهذا ما يؤكده ابن خلدون في موضع أخر عندما يشير إلي " أن مصلحة الرعية في السلطان، من حيث إضافته إليهم " وقد جعلها ابن خلدون نسبة بين منتسبين بقوله " فحقيقة السلطان أنه المالك للرعية القائم في أمورهم عليهم ، فالسلطان من له رعية والرعية من لها سلطان "
أخيرا هكذا وضعت هذه النظرية للفكر السياسي الإسلامي الوسطي الدعائم التي يستند إليها الحاكم في حكمه والتي بها من الممكن تجنب الفتن والثورات والاضطربات ويعم الأمن والسلام المجتمعى.
* أ.د / جمال أحمد طه العواري ــ أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المتفرغ ــ جامعة سوهاج ــ كلية الآداب ــ قسم التاريخ والحضارة.
* عضو بمجلس العلوم الدولي بباريس
* عضو علمي استشاري للهيئة الأوربية للمراكز الإسلامية.
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن