أعاد وزير خارجية أمريكا الأسبق والسياسي المخضرم هنري كيسنجر إثارة الجدل بعد طرحه حل الأزمة الأوكرانية عبر قاعدة "الأرض مقابل السلام"، وهو تكرار لتصريحات سابقة دونها فى مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست قبل ثمانية سنوات.
وعلى هامش أعمال منتدي دافوس، اقترح كيسنجر تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها إلى روسيا من أجل التوصل لاتفاق سلام مع موسكو، قائلاً: "من الناحية المثالية، يجب أن يكون الخط الفاصل هو العودة إلى الوضع السابق"، بمعنى العودة إلى الوضع القائم قبل الحرب.
وتابع: "أعتقد أنه يجب السماح لروسيا بالاحتفاظ بالقرم، التي ضمتها من طرف واحد عام 2014.. إن مواصلة الحرب بعد تلك النقطة لن تكون حول حرية أوكرانيا.. بل حرب جديدة ضد روسيا نفسها."
وأثارت تصريحات كيسنجر ردود فعل غاضبة داخل أوساط أوكرانية وأمريكية علي حد سواء حيث تدعم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أوكرانيا بشكل واضح منذ بداية الحرب.
وفي تصريحات نشرتها شبكة سي إن بي سي الأمريكية ، قال أوليكسي جونشارينكو، النائب بالبرلمان الأوكراني: "أعتقد أن كيسنجر لا يزال يعيش في القرن العشرين، ونحن في القرن الحادي والعشرين، ولن نتخلى عن أي شبر من أراضينا."
وأضاف النائب الأوكرانى: "يجب أن نوقف بوتين الآن وليس أن نتركه يتمادى"، مشيرًا إلى اعتقاده بأن أفضل طريقة لإرساء السلام هي ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت ممكن.
وسبق أن استبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التنازل عن أي من الأراضي الأوكرانية في إطار اتفاق سلام، مشيرا بشكل محدد إلى منطقة دونباس والتي تركز القوات الروسية حاليا على السيطرة عليها.
وجدد زيلينسكي موقفه في كلمة مصورة الأربعاء ، قال خلالها : "بصرف النظر عما تفعله الدولة الروسية، هناك من يقول: لنأخذ مصالحها في الاعتبار، هذا العام في دافوس، سمع مرة أخرى، على الرغم من سقوط آلاف الصواريخ الروسية على أوكرانيا، وعلى الرغم من عشرات الآلاف من الأوكرانيين الذين يقتلون، على الرغم مما حدث في بوتشا و ماريوبول وغيرهما من المدن المدمرة، ومعسكرات التصفية التي أقامتها الدولة الروسية والتي يقتلون فيها ويعذبون ويغتصبون ويهينون".
وتابع الرئيس الأوكراني: "لقد فعلت روسيا كل هذا في أوروبا، لكن مع ذلك، في دافوس، على سبيل المثال، يخرج كيسنجر من الماضي العميق ويقول إن قطعة من أوكرانيا يجب أن تُمنح لروسيا".
وقبل أكثر من 8 سنوات ، نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً مطولاً لكيسنجر ، بتاريخ 5 مارس 2014 ، تحت عنوان "لتسوية أزمة أوكرانيا، ابدأ في النهاية"، دار حول أزمة ضم روسيا للقرم، وقال خلاله: "المناقشة العامة حول أوكرانيا تدور حول المواجهة، ولكن هل نعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ في حياتي، رأيت أربع حروب بدأت بحماس كبير ودعم شعبي، لم نكن نعرف كيف ننهيها، وانسحبنا منها من جانب واحد". وتابع "اختبار السياسة هو كيف تنتهي الحروب وليس كيف تبدأ".
وأضاف: "في كثير من الأحيان يتم طرح القضية الأوكرانية على أنها مواجهة: ما إذا كانت أوكرانيا تنضم إلى الشرق أو الغرب. ولكن إذا كان لأوكرانيا البقاء والازدهار، يجب ألا تكون نقطة استيطانية لأي من الجانبين ضد الآخر، ويجب أن تعمل كجسر بينهما". وأردف قائلا: "يجب أن تقبل روسيا أن محاولة إجبار أوكرانيا على الدور في فلكها، من شأنه أن يحكم على موسكو بتكرار تاريخها من دورات التوتر المتبادلة مع أوروبا والولايات المتحدة".
وكتب كسينجر مفهومه عن وضع أوكرانيا والتي يعتقد أنها يجب أن تكون متوافقة مع القيم والمصالح الأمنية للجميع. وحدد 4 مبادئ لحل التوتر الغربي الروسي حول أوكرانيا، قائلا: "يجب أن يكون لأوكرانيا الحق في حرية اختيار ارتباطاتها الاقتصادية والسياسية بما في ذلك مع أوروبا. كما ينبغي لأوكرانيا أن تنضم إلى الناتو".
وأضاف: "يجب أن تكون أوكرانيا حرة في إنشاء أي حكومة تتوافق مع الإرادة المعلنة لشعبها، ويجب عليهم اتباع نهج مماثل لدولة فنلندا، وهو وضع لا تترك فيه الأمة أدنى شك في استقلالها الشرس وتتعاون مع الغرب في معظم المجالات لكنها يجب عليها أن تتجنب بحرص كبير العداء المؤسسي تجاه روسيا".
كما دعا إلى حكم شبه ذاتي لجزيرة القرم تحت قيادة أوكرانيا، لأن ضم روسيا للقرم يتعارض مع النظام العالمي.
وختم قائلا: "هذه مبادئ وليست وصفات، وسيعرف الأشخاص المطلعون على المنطقة بأنها ليست مقبولة لجميع الأطراف، لكنه حذر من أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل قائم على هذه العناصر فسوف يتسارع الانجراف نحو المواجهة، وسيأتي وقت ذلك قريبا بما فيه الكفاية".