ما بعد ضرب قاعدة الوطية ماذا في بنك الأهداف التالية بليبيا؟
يشير المشهد الراهن عسكريّاً إلى إمكانية وجود تصعيد مرتقب خلال الأيام المقبلة
كاتب وأكاديمي
الثلاثاء 7 يوليو 2020 17:21
مثلت الغارة على قاعدة الوطية ضربة موجعة للرئيس التركي في ليبيا (أ ف ب)
بدأت المواجهات غير المباشرة على الأراضي الليبية بضرب قاعدة عسكرية تركية مركزية في ليبيا، هي قاعدة الوطية، وفي الوقت الطي تتحوّل فيه مصراتة إلى قاعدة بحرية لأنقرة، نصبح قريبين جدّاً من المواجهات الأخرى التي ستمسّ مناطق التماس بجوارها، وصولاً إلى المناطق المنتقاة والمستهدفة.
وتغيّرت الوقائع على الأرض في ليبيا، خصوصاً أنّ الجانب التركي سيفاجأ بمواجهات أخرى في إطار مشهد مفتوح سيشمل أطرافاً آخرين، وتزامنت الضربات النوعية مع زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار "طرابلس" و"مصراتة"، لتحمل كثيراً من الدلالات السياسية، قبل أن تكون عسكرية. وانفتح بنك الأهداف للتعامل مع الحضور التركي ووجوده في الأراضي الليبية بأكملها.
معطيات مهمة
تقع قاعدة الوطية الجوية، المعروفة سابقاً بقاعدة عقبة بن نافع، التي تقارب مساحتها 40 كيلومتراً مربعاً، قرب منطقتي "الجميل" و"العسة" غربي ليبيا، واعتُبر سقوطها ضربة إلى قوات الجيش الليبي، بعد خسارته مدن الساحل الغربي، وذلك بعد تراجع هجوم الجيش الذي استمر 14 شهراً على العاصمة، بهدف انتزاع السيطرة عليها، وبداية لتراجعه على الساحل إلى خطوط أمامية جديدة.
وتعدُّ قاعدة الوطية من أكبر القواعد الجوية في ليبيا، إذ تضم مخازن أسلحة ومحطة وقود ومهبطاً للطيران ومدينة سكنية وطائرات حربية، وطائرات مسيَّرة تستخدمها قوات الجيش الليبي في شن هجمات على طرابلس.
ترفض تركيا أي حلول سياسية للأزمة الليبية وتراهن على الميليشيات والمرتزقة (أ ف ب)
هذا وتتسم القاعدة بموقع استراتيجي، إذ إن الطيران الحربي والمسيَّر الذي يطير منها، يغطي كامل المناطق الغربية لليبيا، وتستطيع استيعاب نحو سبعة آلاف عسكري، ومن اللافت أن الطائرات التي تولت الهجوم أقلعت من قاعدة الجفرة العسكرية التي يتحكّم فيها عناصر شركة فاغنر الروسية، (الداعمون الجيش الليبي)، كما أنّ الطائرات التي استهدفت قاعدة الوطية من طراز "رافال"، ما يحصر القوة المهاجمة بين فرنسا ومصر الدولتين اللتين تمتلكان هذا النوع من الطائرات ضمن المدى الذي تقع فيه قاعدة الوطية.
في المقابل كان، وما زال مطروحاً رغم الضربة، أن تنشر تركيا في الوطية طائرات مسيَّرة ومنظومات دفاع جوي تركية، ويمكن للقوات الموجودة فيها تنفيذ طلعات جوية منها على محاور الاشتباكات، إذ توفّر غطاءً جويّاً للقوات الموجودة على الأرض، كما أنه انطلاقاً من القاعدة يمكن تنفيذ عمليات قتالية جوية ضد أهداف عسكرية بمحيط ليبيا، وليس في طرابلس فقط.
وقد نشرت تركيا في القاعدة مقاتلات من نوع "أف 16"، وأخرى من دون طيار من نوعَي "بيرقدار تي بي 2" و"أنكا أس"، مدعومة بمنظومة دفاع جوي من نوع "هوك أم أي أم 23" مع ملحقاتها من رادارات. واستُهدفت في الهجمات الأخيرة رادارات ومنظومة دفاع جوي تركية، وقد خلفت بالفعل خسائر كبيرة لتركيا، ومن المتوقع أن تكون هناك غارات مماثلة لما حدث في الوطية، ومن خلال استخدام أفضل لمنظومة الدفاع الجوية "هوك" بالكامل، كما استُهدفت منظومات الدفاع الجوي "صونغور"، والرادارات الثابتة والمُتحركة، ومنظومة "كورال" للتشويش الإلكتروني، التي كانت وحدات الجيش التركي قد ركّزتها في قاعدة الوطية أيضاً.
لماذا الضربات الجوية للوطية؟
جاءت الضربات الجوية للوطية ردّاً على الاتفاق الذي أبرمه وزير الدفاع التركي مع رئيس حكومة الوفاق، الذي يقضي بمنح امتيازات استثنائية للضباط الأتراك في ليبيا، إذ توفّر الاتفاقية الجديدة حصانة للقوات التركية في ليبيا ضد أي ملاحقة قضائية، وتمنح الضباط الأتراك في ليبيا صفة دبلوماسية لضمان حصانتهم.
استُهدفت الوطية بطائرات رافال ما يحصر القوة المهاجمة بين فرنسا ومصر (أ ف ب)
وكان الرئيس التركي أردوغان ينوي بعد الهبوط في الوطية، التوجّه إلى مدينة زوارة، ليلتقي فائز السراج رئيس حكومة الوفاق، كما فعل قادة القيادة الأميركية في أفريقيا (الأفريكوم)، وهو ما أحبطته العملية الاستباقية الكبيرة التي جرت في الوطية، وكان واضحاً أن هناك موقفاً استباقياً وتقييماً استراتيجيّاً على مستوى عالٍ من احتمالات وصول الرئيس أردوغان ونزوله في تلك القاعدة، أو التمركز فيها انطلاقاً من إجراءات استراتيجية حقيقية، ومثلت الضربات الجوية التي وجِّهت إلى قاعدة الوطية ضربة موجعة للرئيس التركي أردوغان في ليبيا.
موقف مقابل
وتمكّنت الطائرات الموجهة من استهداف منظومات الدفاع الجوي التركي في قاعدة الوطية، بعد أن نصبتها تركيا قبل الضربات بـ48 ساعة فقط، واستهدفت الضربات رادارات ومنظومات دفاع جوي من طراز "هوك" ومنظومة "كورال" للتشويش في القاعدة المذكورة.
ومعلوم أن تركيا تمتلك عدداً من أنظمة الدفاع الجوي، التي قد تكون البديل في الفترة المقبلة مع فارق المواجهة والتوظيف العملياتي في حالة إعادة ترتيب الخيارات التركية في مسرح العمليات الليبية، أهمها "حصار إيه" ومنظومة "أس 400" (الروسية)، إضافة إلى عدد من الأنظمة الدفاعية القصيرة المدى والمتوسطة المدى، ومنها نظام دفاع جويّ محمول على الكتف محلي الصنع، يسمّي بـ"بورتاتيف" portatif، وهو المطوّر من المانباد الأميركي FIM-92 Stinger، الذي يصنع في تركيا لصالح وحدات الدفاع الجوي بالجيش التركي، وهو يستطيع تدمير المروحيات وصواريخ الكروز والطائرات من دون طيار من مسافة 1000 متر إلى أكثر من 6 كم، وبارتفاع أقصى يصل إلى أكثر من 4 كم، وتصل سرعة الصاروخ القصوى إلى أكثر من 2 ماخ. وكذلك أنظمة دفاع جوي قصيرة المدى ذاتية الحركة من طراز "كوركوت" KORKUT، وهي القائمة على مركبة القتال المدرعة التركية ACV30، وهي التي تمتلك مدى يصل إلى 500 كلم، بسرعة قصوى على الطريق تصل إلى 65 كم/ ساعة، مع العلم أن في الماء تصل سرعتها إلى 6 كم/ ساعة.
المشهد الراهن
يشير المشهد الراهن في مجمله إلى استمرار حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي الآن حشد قواتهما على الخطوط الأمامية الجديدة بين مدينتي مصراتة وسرت، ويجب الانتباه إلى أن توقيت الضربات الأخيرة، كان لافتاً ويحمل كثيراً من الرسائل إلى أنقرة، إذ أطلق وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، قبل ساعات من تنفيذها، تصريحات حادة أكد أن القوات التركية "مستمرة في ليبيا، ولن تتراجع".
وأقرّت تركيا أن الغارات الجوية التي استهدفت قاعدة الوطية دمّرت منظومة دفاع جوي تركية، غربي العاصمة الليبية طرابلس، التي تسيطر عليها قوات الوفاق، وأن القصف لم يسفر عن خسائر بشرية، إنما استهدف التجهيزات الخاصة بالقاعدة، التي جرى جلبها أخيراً، لتعزيز القاعدة من ضمنها منظومة للدفاع الجوي.
سيناريو محتمل
ويشير المشهد الراهن عسكريّاً إلى إمكانية وجود تصعيد مرتقب خلال الأيام المقبلة، وسيصبح الوجود التركي في ليبيا استراتيجيّاً، إذ يمنح تركيا موقعاً متفوّقاً في مواجهة الدول الأوروبية، ويعزز كذلك من موقعها في الصراع مع جارتها اليونان ودول شرق المتوسط.
اقرأ المزيد
كما أن قصف الوطية له دلالات عديدة، خصوصاً أنه جاء بالتزامن مع بدء تمركز القوات التركية في القاعدة، وأنه بصرف النظر عن حجم الخسائر التي لحقت بالقوات التركية، فإنّ الضربة ستدفع تركيا إلى التفكير كثيراً في المرات المقبلة قبل القيام بأي خطوة استفزازية في المستقبل. كما أن رسالة الجيش الليبي صريحة، ومفادها رفض الاحتلال التركي، وامتلاك الجيش القوة والقدرات العسكرية والتقنيات الحديثة، التي ستمكِّنه من وضع حد للتدخلات التركية.
لذلك من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً من جانب تركيا التي ترفض أي حلول سياسية للأزمة الليبية، وتراهن على الميليشيات الإرهابية والمرتزقة الذين تواصل جلبهم لليبيا، إذ تشير أحدث إحصاءات المرصد السوري إلى ارتفاع في أعداد المجندين الذين ذهبوا إلى ليبيا حتى الآن، إلى نحو 15300 مرتزق سوري، منهم 300 طفل، تتراوح أعمارهم بين 14 و18 عاماً، وهو ما سيعني الدخول في مواجهات مفتوحة وسيناريوهات جديدة، ليس من بينها أن تنسحب تركيا من ليبيا، لأن الوجود التركي في ليبيا هو ضمانة للمجال البحري للنفوذ والحضور الاستراتيجي لها.