بالفعل …. السودان يعاني من مخاض شديد والمقال التالي يوضح جزءا من هذا الموضوع
(ترس الشمال) بين نزعة وطنية ونزعة غير وطنية.
الشمال كان نافذة السودان للدخول للعالم الحديث والتفاعل مع حضاراته، وعبر مصر تحديدا كان السودان يتلقى ويتفاعل مع عوالم شمال المتوسط والعالم الإسلامي والعربي، وعبر الشمال نفسه تحركت ظواهر ثقافية من عمق أفريقيا حتى شمالها قديما باتجاه عكسي؛ والسودان كما هو معلوم يتشكل من أربع نطاقات ثقافية هي الشمال كما وصفناه، والشرق المتصل بثقافة القرن الأفريقي وما يأتي عبر البحر الأحمر، والجنوب النيلي وأثره القديم في مملكة الفونج وتقلي، ثم الغرب مع مايعرف بثقافات السودان الأوسط والغربي حتى السنغال ومالي، وكل تلك النطاقات لها مشتركات أهمها اللغة العربية والدين الإسلامي.
في الشمال بدأت الملكية الفردية للأرض قبل بقية الأقاليم، وهذا عامل مهم لتشكل الشخصية الفردية والقابلية للاندماج في العالم الحديث الرأسمالي، وتطور الملكية الفردية في الشمال ناتج من اتصال مع العالم الراسمالي منذ وقت مبكر نسبيا مقارنة ببقية الأقاليم، ةعلى ذلك حدثت تحولات جوهرية في طبيعة التنظيم القبلي فتخففت سلطته على الأفراد مقارنة ببقية الأقاليم.
هذه التحولات شيء لا يذكر طبعا أمام حقيقة أن السودان جميعه هو أرض مستعمرة، دخلت الحداثة في ظل تخلف حضاري وانحسار شامل للحضارة السابقة على الاستعمار، ودخلت الحداثة كذلك في ظل شرط علاقات التبعية؛ لكن قيمة تلك المقدمة تفسير أن أوائل العمال المهرة كانوا منوالشمال، وبواكير الطبقة الوسطى في المدن من موظفي الإدارة وشغيلة الدولة هم من أهل الشمال. وبطريقة ما يمكن تتبع وفهم تقسيم العمل في دولة مستعمرة مثل السودان وتداخل التقسيم الطبقي مع التركيب العرقي، وهو تفسير موضوعي يخرج من حالة خطابات المظلومية والتجريم الاي يرددها دعاة السودان الجديد والأفريقانية، وهو اتجاه غير وطني يمثل مشروع لتدمير وحصار السودان وتقسيمه.
هذا الحديث مقدمة بسيطة لفهم طبيعة (الترس في الشمال)، وفهم حقيقة ظاهرة وجود وتمدد طريقة الاحتجاج والهتاف المماثلة لما يحدث في الخرطوم هو شيء مفهوم، بعكس ما كان في شرق السودان مع الناظر ترك، في الشمال نجد نزعتين حول المطالب:-
١- النزعة الإقليمية حول مطالب للإقليم تأتي في ظل الوضع الاقتصادي وتردي الخدمات العامة، وهذا مطلب لا يمكن عزله من طبيعة السياسات التي تتبعها الدولة والمعرفة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وهذه نزعة لمطالب وطنية مشروعة للشمال ولكل الأقاليم.
٢- النزعة الليبرالية من بعض الشباب المستلب تجاه نموذج ديسمبر وأفقه المحدود، هذه نزعة لشباب لا يملكون وعيا طبقيا ولا فهما لطبيعة الإقليم الذي يعيشون فيه، فيتبنون مطالب المركز البرجوازي -وهم على صلة ثقافية معه- فيرددون تلك السردية الخاطئة غير الموضوعية عن الصراع، سردية (عسكري/مدني) وكأن جميع المشكلات بدأت مع يوم ٢٥ أكتوبر، ويتبنون ذات مظاهر ولغة وهتافات وشعارات الاحتجاج المهرجاني والاحتفالي الذي لا يسعى للحلول بل هو حراك من أجل (اللابديل). وهذه نزعة غير مسؤولة وغير موضوعية وداخلها تمرر تلك الأجندة غير الوطنية مثل نزعة العداء مع مصر، وأهل الشمال ولمدى قريب هم ذوو صلة مباشرة وقوية مع مصر، فجدود بعضهم كانوا جزء من سلك (الجندية) وفرق الأبالة وهي شرطة في الصحراء، لمدى زمني قريب تحفظ ذاكرة الناس من الحلفاويين والمحس والسكوت والدناقلة حتى الشايقية والبديرية كثير من الكلمات المصرية، أما السودانيون فجميعهم على صلة قوية بمصر، في التعليم والعلاج والسكن والتجارة والثقافة، عليه فإن نزعة العداء هذه نزعة غير سليمة، وغير مسؤولة تجاه كثير من السودانيين الذين يعيشون هناك في مصر، وهي نزعة تمرر عبر أولئك الشباب المستلب لمشروع غير مشروعه، والمغيب عن وضعه الطبقي والاقليمي.
على ذلك فإن ما يحدث في الشمال هو جزء من الصراع الوطني/غير الوطني، مطالب الإقليم مشروعة ووطنية أما الاستلاب تجاه مشروع برجوازية (قحت) وعيال المجتمع المدني وعملاء الخارج فهو يؤدي لمواقف غير وطنية، مواقف لا تمثل الشمال لكنها مواقف مفهومة في ظل شروط الميديا وظاهرة أنصاف المثقفين والنشطاء السياسيين الذين يملأوون الدنيا بالضجيج بلا برنامج ولا فكرة.
_______________________________
ملاحظة جانبية مهمة:
للظاهرة دلالة هامة على صحة مدخلنا في التحليل والفهم وخطأ مدخل الوحدة العرقية الثقافية للشماليين ضد غيرهم، كما يتحدث عبرها البعض عن انفصال وتقسيم، فالسرطان غير الوطني متمدد (شمالا وغربا وشرقا وجنوبا) وكذلك فالتحالف الوطني بين أهل السودان الحقيقيين سيكون (شمالا وشرقا وغربا وجنوبا)
وعاش السودان عزيزا موحدا.
منقول
هشام عثمان الشواني Hisham Osman Alshwany