مذبحة حماس وحرب غزة تظهر أن التفوق التكنولوجي لا يمكن أن يحقق السلام
طوال ما يقرب من العقدين منذ فك الارتباط عن غزة، وجدت إسرائيل نفسها متورطة في صراع عنيف طويل الأمد ضد حماس (التي تدعمها منظمة إرهابية أخرى متمركزة في قطاع غزة - حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية).
وقد ركزت حماس جهودها باستمرار على ترويع المدنيين الإسرائيليين. بالنسبة لأولئك الذين يعيشون بالقرب من قطاع غزة في المنطقة المعروفة باسم "غلاف غزة"، كانت الحياة لا تطاق لسنوات عديدة. لقد ردت إسرائيل دائما على هجمات حماس الإرهابية على تلك المجتمعات بقوة محدودة، دون التوصل إلى حل حاسم على الإطلاق.
على مر السنين، كانت هناك 16 عملية عسكرية أو جولة صراع في غزة، بمعدل عملية واحدة سنويًا تقريبًا. وفي كل حالة، أصبحت القدرات التكنولوجية التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي أكثر تقدمًا وتعقيدًا.
تم تشغيل نظام القبة الحديدية، وهو نظام دفاع صاروخي قصير المدى متطور تم تطويره في إسرائيل، في عام 2011 وحقق نجاحًا كبيرًا في اعتراض صواريخ حماس. وفي عام 2021، تم الانتهاء من بناء حاجز تكنولوجي متطور يمتد على طول قطاع غزة حوالي 65 كيلومترًا. استثمرت إسرائيل ثلاث سنوات و3.5 مليار شيكل في هذا الجدار، الذي كان أحد أكثر المشاريع الهندسية تعقيدًا وتقدمًا التي تم تنفيذها في البلاد على الإطلاق. وتضمنت حاجزًا معقدًا تحت الأرض مزودًا بأنظمة استشعار متقدمة، وحاجزًا تكنولوجيًا فوق الأرض مزودًا بتقنيات المراقبة، وأنظمة أسلحة يتم التحكم فيها عن بعد مدمجة في نظام كشف متقدم، وكاميرات ذات تغطية قصوى للمنطقة، وغرف حربية للقيادة والسيطرة.
ومع ذلك، في صباح يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت حماس هجومًا قاتلًا واسع النطاق وناجحًا للغاية على قواعد جيش الدفاع الإسرائيلي الجنوبية والمستوطنات المتاخمة لقطاع غزة.
وباستخدام وسائل الاتصال الأساسية، مثل الرسائل المكتوبة بخط اليد والاتصال الشفهي بين الأشخاص، تمكنت قيادة حماس من التعامل مع قنوات الاتصال الخاصة بالعملية برمتها وتجنب الكشف المبكر من قبل إسرائيل. وباستخدام تدابير بسيطة، نجحوا في تعطيل الأنظمة التكنولوجية المتقدمة المسؤولة عن الكشف والوقاية في الموقع، تلاها تدخل جزئي في أنظمة الاتصالات التابعة للجيش الإسرائيلي. وأدت هذه النجاحات إلى تسلل عدد كبير من الإرهابيين إلى المستوطنات والقواعد العسكرية، مما أدى إلى سقوط عدد غير مسبوق من القتلى والجرحى وأسر الرهائن، بمن فيهم المدنيون وأفراد جيش الدفاع الإسرائيلي.
إن تصور أن التكنولوجيا وحدها يمكن أن تؤدي إلى الهيمنة العسكرية بلغ ذروته في أوائل التسعينيات مع ظهور مفهوم "الثورة في الشؤون العسكرية". وتفترض هذه الفكرة أن التفوق العسكري يعتمد على حلول تكنولوجية متقدمة لمعالجة مجموعة واسعة من التهديدات والسيناريوهات. لقد ترسخت في دوائر الدفاع الأمريكية وأثرت على استراتيجيات العديد من الجيوش الغربية، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي.
وقد ركزت إسرائيل منذ نشأتها على اكتساب التفوق التكنولوجي كوسيلة لمواجهة النقص العددي. وعلى مر السنين، أصبحت هذه الاستراتيجية حجر الزاوية في هوية إسرائيل كدولة متقدمة تكنولوجياً، مما أكسبها لقب "أمة الشركات الناشئة". لقد أثر بشكل كبير على تصور الأمن القومي الإسرائيلي وجيشها. وينعكس هذا التصور بشكل جيد في صناعة الدفاع المبتكرة في البلاد والعدد الكبير من شركات التكنولوجيا الإسرائيلية الناشئة في قطاع الدفاع.
أحد الأهداف النهائية لأنظمة الدفاع التكنولوجية المتقدمة هو توفير صورة عملياتية شاملة في الوقت الحقيقي لساحة المعركة في أي لحظة. وتشمل الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف تطوير وسائل يمكنها "الرؤية" من خلال الجدران أو تحت الأرض، وأنظمة استشعار متقدمة قادرة على توفير تغطية مستمرة لساحة المعركة على مدار الساعة، وتحسين تقنيات ضغط البيانات، وطرق نقل أكثر كفاءة لكميات كبيرة من البيانات. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اتخاذ القرارات السريعة، بناءً على الحجم الكبير من البيانات التي تم جمعها.
ومع ذلك، بغض النظر عن مدى تقدم التكنولوجيا، فمن غير المرجح أن تتمكن من إزالة "ضباب الحرب" بشكل كامل. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد المتزايد للجيوش المتقدمة على الأنظمة التكنولوجية يخلق نقطة ضعف معينة. إلى جانب التقدم في تكنولوجيا المعلومات في العقود الأخيرة، أصبحت نقاط الضعف الأكثر أهمية واضحة. ويمكن التصدي لأنظمة التتبع الأكثر تقدما بإجراءات بسيطة، مثل الطائرات بدون طيار والعبوات الناسفة. تتمتع أجهزة الاستشعار المتقدمة للغاية بقدرة محدودة على توفير معلومات حول ما يحدث في المخابئ والأنفاق تحت الأرض. تشكل المناطق الحضرية تحديات خاصة لأنها تحتوي على أعداد كبيرة من الأشخاص والهياكل التي تمثل جميعها أهدافًا محتملة للتتبع. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة كبيرة تتمثل في صعوبة التمييز بين غير المقاتلين والخصوم.