يه مشكلة تركيا ؟
ناس كتير بتسأل نفسها السؤال ده
بغض النظر عن الشماته المستحقه فى الموضوع ، لكن فى النهايه البعض عاوز يفهم ويعرف ... ايه اللى بيحصل وليه؟
عندنا جانبين لازم نفرق بينهم
الهبوط التدريجى اللى بيحصل على مدى اخر عشرين سنه واللى بيحصل فى وسطه انهيارات سريعه كل فتره
والانهيار السريع اللى بيحصل اخر سنه او سنتين تحديدا
لكن قبل ده عاوزين نتفق على كام حاجه كده
لما الدوله بتحط سياساتها النقديه ، بيبقى دايما بالتناغم مع السياسات الاقتصاديه ، يعنى لازم الدوله تحدد ايه مستهدفها واولوياتها القصوى ، هل تحجيم التضخم ولا رفع النمو ؟ لان بصراحه صعب جدا انك تعمل الاتنين ( اللى عملته مصر يعتبر معجزه لما حجمت التضخم ورفعت معدلات النمو ، وعشان كده المؤسسات الدوليه بتشيد بيك و الصحف المتخصصه بتتكلم عن "" التجربة المصرية "" )
لكن الوضع فى تركيا مختلف
عموما فيه دول بتستهدف دايما تحجيم التضخم كاولويه ، عادة ده بنشوفه فى اوروبا ، وعشان كده بيبقى فيه حرص ان معدلات التضخم متزيدش ولا ترتفع بشكل كبير حتى لو على حساب النمو الاقتصادى
بينما امريكا بتستهدف عادة تحقيق نمو مرتفع ، والعالم كله بيتاثر سلبا لو النمو الامريكى انخفض ، وبالتالى مفيش لهفه هناك لتخفيض التضخم ، زى ما بيعمل الاوروبيين ، وعشان كده امريكا كانت لفتره قريبه هى المحرك الرئيسى للنمو العالمى قبل ان تظهر الصين كجناج مساعد
المهم يعنى بدون رغى كتير ، فالسياسه التركيه عادة كانت بتستهدف تحقيق النمو ، حتى لو كان على حساب التضخم ، يعنى معندهاش مشكله تضحى بقيمة العمله ( لان التضخم يعنى انخفاض القوة الشرائيه لعملتك وبالتالى انخفاض قيمتها ) فى سبيل تحقيق معدلات نمو مرتفعه ، و برضه عشان كده تاريخيا نجد تركيا حققت معدلات تضخم مهوله قبل كده وصلت فوق 100% وعشان تتصور برضه ليه هم وصلوا لمرحلة الغاء الاصفار ، فدى كانت ببساطه نتيجة تضخم هائل استمر من السبعينات مع موجة ارتفاع اسعار النفط ( بسبب حرب اكتوبر) لحد بداية القرن الجديد ، يعنى تقريبا ربع قرن من التضخم فوق ( 25%) ومنه سنوات طوال فوق 60% !! فطبيعى ان العمله بتاعتهم فى النهايه اصبحت لا تساوى الورق المطبوعه عليه والدولار كان يساوى ملايين الليرات ، فتم الغاء الاصفار الست ، واصبحت الليره الجديده تساوى مليون ليره قديمه !!
سياسة اردوغان كانت امتداد للسياسه التقليديه التركيه فى استهداف النمو على حساب التضخم وسعر العمله ، و فتح الباب اكثر واكثر فى هذا المجال ، وحققت تركيا بسبب بعض الظروف الدوليه المواتيه تحسنا ملحوظا فى بعض ارقام الاقتصاد الكلى فعليا ، لكن كما هو متوقع جاءت لحظة الحساب
فشل المشروع التركى فى الشرق الاوسط ، نتج عنه فواتير مرتفعه غير مسدده ، وكلها بالعملات الاجنبيه ، اضافة الى ان فتح الباب للقطاع الخاص للاستدانه بالعملات الاجنبيه ذات الفائدة المنخفضه بهدف تشجيع النمو الاقتصادى ، كان له اثر سلبى على عجز مزمن فى التدفقات الدولاريه ، وبقى فيه فجوه دائمه ، لان المصروفات الدولاريه ( او الطلب على الدولار ) كان بيتجاوز موضوع الواردات ، وبقى بيضم ليه ديون القطاع الخاص كمان ، وديون الحكومه ، والكل عنده شراهه للقروض منخفضه التكلفه
اردوغان دلوقت بيكمل فى نفس الطريق ، التضحيه بالتضخم وقيمة العمله ، فى سبيل تحقيق معدل نمو اعلى ، بس المشكله دلوقت ان معدلات الانهيار ، و الظروف العالميه مش مواتيه زى زمان ، فيه موجات تضخم عالمى ، فيه وباء عالمى ، التجاره العالميه متأثره والنمو العالمى متأثر ، بالتالى مع اقتصاد يعتمد على التصدير للخارج ، نجد ان تاثرهم سيكون عنيفا ، لكنه ليس الاول فى تاريخهم الاقتصادى الحديث
طب احنا هنستفيد ايه ؟
فى الحقيقه ان متوقع مع الازمه دى ان يبقى فيه موجات من خروج المستثمرين من السوق التركى ، سواء استثمارات مباشره او غير مباشره ، ومع استقرار الاقتصاد المصرى ، واللى فى نفس الوقت اتفتحت فيه مجالات اوسع للاستثمار المباشر مع انشاء مدن جديده ، اصبح من المنطقى ان بعض هذه الاستثمارات تتوجه لمصر ، المنافس الاكبر ، بعض الاستثمارات دى هتكون خليجيه ، بينما اغلب الاستثمارات الخليجيه اللى هتروح تركيا ، هتبقى فى اتجاه شراء الاصول او الشركات المفلسه باسعار بخسه كفرصه استثماريه وان كانت عاليه المخاطر بسبب الازمات والانهيارات السعريه فى الليره
برضه الازمات الاقتصاديه دى بتحجم قدرات وتحركات تركيا فى المنطقه ، لان كل ده بيحتاج فلوس ، والفلوس دلوقت بقت شحيحه لان فيه ازمه
الكثيرين انتقدوا قرار اردوغان بزيادة الحد الادنى للاجور باعتبار ده هيزيد التضخم ، وده صحيح ، بس زى مقولنا ، الاولويه عندهم هو النمو مش التضخم ولا سعر العمله
المخاطر فى اللعبه دى عاليه جدا ، وممكن التضخم يتسبب فى ركود تضخمى ويدمر خطة تحقيق نمو عالى لما يتجاوز قدرات المواطنين على الشراء او تشغيل اخرين بسبب الافلاسات ، فالبطاله تزيد ، وده اللى بيحصل فعليا حتى الان
فى مصر احنا نبلعب بمرونه شويه ، والسبب ان اللاعب الرئيسى هى الدوله مش القطاع الخاص ، فبنقدر نغير مستهدفنا حسب الظروف ، أحيانا يبقى التضخم هو المستهدف الاول ( فى بداية الاصلاح الاقتصادى ) لما رفعنا الفايده وعملنا شهادات 20% ، بينما بعد ما وصلنا لمستهدفاتنا فى التضخم ، وجهنا اهتمامنا لمعدلات النمو ، وهكذا ، احنا بنقدر نلعب على الونجين بلغة الكوره ، لان الدوله حتى الان تمتلك الكره و عندها القدره على توجيهها على عكس تركيا ، اللى اقتصادها اغلبه فى يد القطاع الخاص بسبب الخصخصه
طبيعى اذن ان الفايده فى مصر تبقى اقل من نص الفايده فى تركيا ، والتضخم فى مصر اقل بكثير من التضخم فى تركيا سواء المعلن او الحقيقى ، وطبيعى برضه ان تركيا تفضل فى مشكله مزمنه ، لان دى طبيعة الاقتصاد التركى ، ولا اعتقد ان تلك الازمات كافيه لحدوث ثورات او اضطرابات هناك وحدها دون دوافع سياسيه اخرى ، لانها كما قلنا امر مكرر فى التاريخ التركى
ليه اردوغان بيقلل الفايده ؟ عشان يشجع القطاع الخاص يقترض بفايده اقل بالليره التركيه ، و ينشط النمو الاقتصادى ويقلل الاتجاه للاقتراض بالعملات الاجنبيه ذات الفائده المنخفضه
الى اى مدى هينجح؟ محدش يعرف ، لكن لحد دلوقت الخطه فاشله ، لان انهيار الليره بيخلى فى عزوف عام عن التمويل ، لان باختصار المخاطر تفوق الفوائد بكتير ، والدولره طبعا على اشدها لان الاحتفاظ بالليره اصبح خطرا
تحليل معتبر لمشكله تركيا وماذا يدور في راس اردوغان !