مصر وصربيا: إطلاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين
أرسل بريدا إلكترونيايوليو 20, 2022
6 دقائق
مشاركة عبر البريد
التقى الرئيس السيسي اليوم بنظيره الصربي “ألكسندر فوتشيتش”، في زيارة إلى صربيا للمرة الأولى لرئيس مصري منذ 35 عامًا، حيث عقد الرئيسان في بلجراد مباحثات على مستوى القمة شملت كافة الأصعدة، وسط ترحيب كبير بالرئيس المصري، وإشادة بالعلاقات الثنائية الوثيقة التي تربط بين مصر وصربيا، وتأكيدات بأن البلدين يحرصان على مواصلة الارتقاء بتلك العلاقات وتعزيز التعاون والتنسيق بينهما على جميع المستويات، لاسيما في ضوء دور مصر المحوري كركيزة للاستقرار والأمن والسلام في الشرق الأوسط وأفريقيا.
نشاط رئاسي لتعزيز السياسات الخارجية
اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارته إلى دولة ألمانيا أمس، ليتوجه بعدها مباشرة إلى العاصمة الصربية بلجراد في زيارة ثنائية رسمية الأولى من نوعها، وذلك في إطار العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين، لبحث آليات تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين، فضلًا عن النظر في سبل التعاون والتنسيق على الصعيدين الدولي والإقليمي.
ورافقت المقاتلات الصربية –شرفيًا- طائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ترحيبًا به بعد دخول المجال الجوي الصربي وحتى الهبوط في مطار العاصمة بلجراد، ليستقبله بعد ذلك الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، مانحًا الرئيس السيسي وسام الجمهورية الصربية.
وقد توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالشكر إلى لرئيس “فوتشيتش” على دعوته لزيارة صربيا وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مجددًا التهنئة على إعادة انتخابه رئيسًا لجمهورية صربيا لولاية ثانية، بما يعكس ثقة المواطنين الصرب في قيادته في مرحلة تاريخية تتسم بالعديد من التحديات السياسية والاقتصادية، ومشيدًا بمتانة العلاقات الممتدة بين مصر وصربيا ومدى تميزها، خاصةً على صعيد حركة “عدم الانحياز”، مع الإعراب عن اهتمام مصر المتبادل بتطوير تلك العلاقات والارتقاء بها في كافة المجالات واستمرار التنسيق والتشاور السياسي بين البلدين واستكشاف أوجه التعاون بينهما.
ومن جانبه، أشاد الرئيس الصربي بالطفرة التنموية الملحوظة التي تشهدها مصر خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا تطلع بلاده لتعزيز الاستثمارات المتبادلة في العديد من القطاعات وتعظيم حجم التبادل التجاري بين البلدين الصديقين وإحداث نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية المصرية الصربية، خاصةً من خلال مشاركة الشركات الصربية في تنفيذ المشروعات القومية العملاقة في مصر.
وقد رحب الرئيس السيسي بتعظيم التعاون مع الجانب الصربي في مختلف المجالات، خاصةً على مستوى التعاون العسكري والاقتصادي والتجاري والسياحي، بما يتماشى مع التوافق في الرؤى بين البلدين حول مجريات الأوضاع الإقليمية والدولية، لاسيما مع حالة عدم الاستقرار التي تشهدها الساحة الدولية، الأمر الذي يتعين معه البناء عليه لإيجاد تحرك مشترك من الدول ذات التوجهات المتشابهة، خاصةً في مجالات أمن الطاقة والأمن الإقليمي.
وقد تطرقت المباحثات بين الرئيسين إلى مختلف تطورات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصةً الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، إلى جانب الأوضاع في كلٍ من اليمن وسوريا وليبيا، حيث أشاد الرئيس الصربي في هذا الصدد بالدور الإيجابي الذي تقوم به مصر في إطار العمل على التسوية السياسية لمجمل الأزمات القائمة في محيطها الإقليمي، وكذلك تعزيز جسور الحوار بين الدول الإفريقية والعربية والأوروبية، فضلًا عن جهودها في مكافحة الفكر المتطرف والهجرة غير الشرعية وإرساء مبادئ وقيم قبول الآخر وحرية الاختيار والتسامح.
وتناولت المباحثات أيضًا جهود مصر في حشد المجتمع الدولي لمكافحة تغير المناخ، وهو ما انعكس في حرص مصر على استضافة قمة المناخ العالمية”COP27″ في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ، نحو تحويل التعهدات والوعود إلى تنفيذ فعلي على الأرض.
تاريخ ممتد لأكثر من مائة عام
تربط البلدين علاقات تاريخية ثرية، سواء على المستوى الثنائي منذ بدء العلاقات الدبلوماسية في 20 يناير عام 1908، أو على المستوى متعدد الأطراف من خلال دورهما البارز في تأسيس وقيادة حركة
والتي احتفلت صربيا في شهر أكتوبر الماضي بالذكرى الستين لأول مؤتمر استضافته بلجراد للحركة. ووفقًا لما يعيشه العالم الآن من أجواء الحرب الباردة التي تشكلت بسببها هذه الحركة، فإن القوى المتوسطة كمصر وصربيا أمامها مسؤولية تاريخية لتمثيل الطريق السلس في المشهد السياسي الدولي الحالي.
شهدت العلاقات فترة ازدهار غير مسبوقة في عقدي الخمسينيات والستينيات إبان حقبة حركة عدم الانحياز وما صاحبها من روابط وثيقة بين الزعيمين الراحلين “جمال عبد الناصر” و”جوزيف تيتو”، إلا أن تفكك يوغسلافيا السابقة وما شهدته المنطقة من حروب في عقد التسعينيات انعكس على مستوى العلاقات التي تم تخفيضها إلى دون مستوى السفير لمرتين في تلك الفترة. ولكن في المرحلة الحالية، ترتبط القيادتان السياسيتان في مصر وصربيا بعلاقات متميزة، وهو ما تعكسه الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين. فقد التقى الرئيس السيسي، بنظيره الصربي 3 مرات، في 2014 و2015 و2017، وجميعها في نيويورك، أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه هي المرة الرابعة والأولى في صربيا.
ويشهد البلدان عمقًا واضحًا فيما يخص العلاقات السياسية والاقتصادية، فصربيا تشيد طوال الوقت بتمثيل مصر الدبلوماسي الذي يتمتع خبرة كبيرة والعديد من الأفكار والمبادرات، فضلًا عن الإنجازات التي تحققها مصر على صعيد تدشين مشروعات ضخمة ولا سيما العاصمة الإدارية الجديدة، وتطوير منظومة السكك الحديدية، والطرق، وسط تطلعات بأن تتعمق العلاقات أكثر، وأن يمتد التعاون في العديد من المجالات، خاصة الزراعة والسياحة والرعاية الصحية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية والتعليم والبحث العلمي.
توافق الرؤى بين البلدين في مختلف المجالات
القطاع السياحي والاستثمار العقاري، وصناعة الآلات الزراعية، ومواد البناء والأدوية والأسمدة، وقطع غيار السيارات والمجال الخدمي في النقل، والسكك الحديدية؛ تأتى في مقدمة مجالات التعاون بين البلدين، وسوف نستعرض
أبرز أوجه التعاون الثنائي بين مصر وصربيا:
- خلال جائحة كورونا، التقى سفيرا مصر وصربيا في بلجراد في لقاء ركز على تنشيط حركة السياحة والطيران المدني من خلال استئناف الطيران المباشر بين العاصمتين، وتحويل الرحلات إلى شرم الشيخ إلى خط منتظم، فضلًا عن مناقشة فرص التعاون في مجال الصحة لإنتاج اللقاحات، إضافة إلى التنسيق في إطار المنظمات الدولية خاصة الترشيحات المصرية للمناصب والمقاعد بالأمم المتحدة.
- تستعرض مصر دائمًا الأوضاع في الشرق الأوسط في أي زيارة رسمية إلى صربيا، فضلًا عن الرؤية المصرية الهادفة إلى حلحلة الأزمات الراهنة بغية استعادة الاستقرار وتحقيق الازدهار لشعوب المنطقة، بالإضافة إلى المباحثات الدائمة حول عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المُشترك للبلديّن، ومن بينها القضية الفلسطينية.
- بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وصربيا 39 مليون دولار، بعجز تجاري لصالح دولة صربيا بنحو 5 ملايين دولار، بصادرات مصرية أهمها الفاصوليا اليابسة بأشكالها المختلفة، والبرتقال الطازج، وخيوط القطن، والنّباتات وأجزاؤها، والألواح والصفائح وأغشية الأفلام.
- الواردات المصرية من صربيا تتمثل في: ذرة صفراء، وتبغ مفروم، والخشب الزان، والجرارات، وورق مقوّي، ومواد بروتينية، وإطارات خارجية هوائية.
- تعد مصر وجهة جذب استثمارات صربية كبيرة في مختلف القطاعات، إضافة إلى زيادة التبادل التجاري وجذب السياحة الصربية إلى القاهرة.
- يوجد تعاون بين البلدين فيما يتعلق بقطاع السياحة، خاصة في مجال الطيران المدني في ضوء كون مصر مقصدًا سياحيًا رئيسًا، فضلًا عن إمكاناتها أيضًا كمركز للمسافرين من صربيا إلى أفريقيا والدول العربية، وذات الأمر بالنسبة لبلجراد في غرب البلقان، بالإضافة إلى خطط استئناف الطيران المباشر بين العاصمتين، فضلًا عن زيادة عدد رحلات الطيران إلى الغردقة وشرم الشيخ على ضوء الزيادة المطردة إليهما من قبل السياح الصِرب على مدار السنوات الماضية.
- أكبر تعاون في مجال السياحة بين البلدين تمثل في توقيع اتفاقية توأمة بين مرسى علم عن محافظة البحر الأحمر، وياجودينيا الصربية، واتفاقية تعاون وتوأمة بين شرم الشيخ، ومدينة نيش الصربية.
- أعلنت الحكومة الصربية مؤخرًا، إعفاء المصريين من تأشيرة دخول صربيا لمدة شهريا في الفترة من 30 يوليو الجاري حتى 30 سبتمبر المقبل.
- مصر تعطي اهتمامًا كبيرًا وغير مسبوق في فتح أسواق لها طبيعة خاصة، وعلى رأسها السوق الصربية وأسواق دول البلقان، ويجري الآن مناقشة فتح أسواق مصرية صربية متبادلة بين البلدين، في المجال الزراعي ومجال السياحة ومواد البناء ومجال صيدلة والأدوية والاسمدة، ومجال صناعة الآلات الزراعية، وقطع غيار السيارات، ومجال النقل، والسكك الحديدية، واللوجستيات، ومجال السياحة ومجال السياحة العلاجية ومجال استيراد اللحوم الحية من صربيا.
- شاركت مصر بمعرض بلجراد الدولي للكتاب، وسط إشادات صربية بالجناح المصري وبطابعه الفرعوني المميز وبما يحتويه من عناوين، وتأكيدات أنها بداية لمشاركات متميزة مع مصر في مختلف المجالات والانشطة الثقافية.
وخلال زيارة اليوم، شهد البلدان توقيع عدد من الاتفاقيات من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد أن زيارته اليوم بمثابة تتويج لجهود البلدين المشتركة على مدار الفترة الماضية، لدفع التعاون الثنائي بين البلدين ولوضع إطار استراتيجي متكامل يحمل أيضًا تصورًا مشتركًا لمختلف أوجه ومجالات التعاون في كافة المجالات، وكان أبرزها:
- توقيع اتفاقية في مجال التعليم العالي في الفترة من 2022 حتى 2025، حيث وقع الاتفاقية من الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري، ومن الجانب الصربي النائب الأول لرئيسة مجلس الوزراء ووزير التعليم والعلوم والتنمية التكنولوجية الصربي برانكو روزيتش.
- توقيع مذكرة تفاهم بين الجمهورية الصربية ومصر للتعاون في مجال الزراعة، ووقعها من الجانب الصربي وزير الزراعة والغابات ومن الجانب المصري سامح شكري وزير الخارجية.
- توقيع برنامج تعاون في مجال الثقافة والفنون، ووقعها من الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري ومن الجانب الصربي وزير الثقافة والإعلام، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة البيئة الصربية والمصرية للتعاون بين البلدين بحماية البيئة.
- التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجمهورية الصربية ومصر للحصول على تأشيرات لحمل جواز السفر، ووقع عليها وزيرا خارجية البلدين، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين راديو وتلفزيون صربيا والهيئة الوطنية للإعلام في مصر.
- التوقيع على مذكرة تفاهم بين متحف الفنون بالجمهورية الصربية والمتحف الفنون للحضارة المصرية بمصر، ومذكرة تفاهم بين وكالة التنمية الصربية والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بجمهورية مصر العربية، ومذكرة تفاهم بين وكالة التنمية الصربية وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بمصر.
وختامًا، يمتلك البلدان الإمكانيات المتاحة لزيادة الاستثمارات المتبادلة بينهما بما يحقق مصلحة شعبيهما، خاصة من خلال الفرص التي يتيحها الاستثمار في مصر للشركات الصربية، وأبرزها الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط مصر بالدول العربية والأفريقية، وسط آمال بأن تعكس نسب التبادل التجاري المستقبلية آفاق التعاون الاقتصادي الممكنة بين البلدين، والتي ستحافظ على الزخم الحالي لتعزيز علاقاتهم الثنائية الممتدة لأكثر من قرن من الزمان.