مرحبا بك في منتدى الشرق الأوسط للعلوم العسكرية

انضم إلينا الآن للوصول إلى جميع ميزاتنا. بمجرد التسجيل وتسجيل الدخول ، ستتمكن من إنشاء مواضيع ونشر الردود على المواضيع الحالية وإعطاء سمعة لزملائك الأعضاء والحصول على برنامج المراسلة الخاص بك وغير ذلك الكثير. إنها أيضًا سريعة ومجانية تمامًا ، فماذا تنتظر؟
  • يمنع منعا باتا توجيه أي إهانات أو تعدي شخصي على أي عضوية أو رأي خاص بعضو أو دين وإلا سيتعرض للمخالفة وللحظر ... كل رأي يطرح في المنتدى هو رأى خاص بصاحبه ولا يمثل التوجه العام للمنتدى او رأي الإدارة أو القائمين علي المنتدى. هذا المنتدي يتبع أحكام القانون المصري......

الوهابية والسلفية ودور بريطانيا فى ضرب الإسلام بالمتأسلمين

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين، كتاب من تأليف مارك كورتيس، ترجمة كمال السيد، نشره المشروع القومي للترجمة في 2012.

مقدمة

مقدمة تقول وكالات المخابرات البريطانية إنها حالت دون تنفيذ اثنتي عشرة مؤامرة إرهابية في بريطانيا عبر العقد الماضي، وتدعي أنه كان يوجد بها 2000 إرهابي مشتبه به معروف في 200 شبكة. ويحذر المسؤلون عن محاربة الإرهاب من احتمال وقوع غارات هائلة مذهلة وعمليات إطلاق للنيران وأسر للرهائن ينخرط فيها قتلة محترفون مزودون بالقنابل. والواقع أنه تسهل المبالغة في مدى التهديد الإرهابي لأسباب سياسية – فعلى سبيل المثال، اتهمت المديرة السابقة، بجهاز المخابرات الداخلية ستيللا رمنجتون، الحكومة "بترويع الناس بغية التمكن من إصدار قوانين تقيد الحريات المدنية.

لكن من الواضح أن بريطانيا، إلى جانب بلدان غريبة كثيرة أخرى تواجه تهديداً من الجماعات الإسلامية المتطرفة. فقد شكل تفجير القنابل في لندن في يوليو 2005، الذي قتل 52 شخصاً وجرح مايقرب على 700، أسوأ الفظائع الإرهابية التي ارتكبت على الأرض البريطانية وأول هجوم "ناجح يشنه الإسلميون في بريطانيا.

وقد أدانت المحاكم البريطانية ما يربو على 80 شخصاً خططوا لقتل مواطنين بريطانيين في أعمال إرهابية. وفي الوقت نفسه، فإن أبرز شخصية عسكرية في بريطانيا أسمت التهديد الذي يشكله التطرف الإسلامي" صراع جيلنا – وأنه ربما يشكل حرب الثلاثين عاماً الخاصة بنا.

وقد كانت الكيفية التي وصلنا بها لهذا الحد موضع بحث وتأمل في وسائل الإعلام. وقدمت إجابات شتى عن كيف "يمكن لمواطنين بريطانيين تربوا في الداخل أن يتحولوا للعنف الإرهابي ويصبحوا مستعدين لتفجير أنفسهم؟" وينحى معلقو الجناح اليميني باللائمة على نحو نموذجي، على الثقافة الليبرالية البريطانية، محاجين بأن القوانين لم تكن متشددة بما يكفي لدحر التطرف، بل ويدعون حتى إن التعددية الثقافية قد حعلت من المستحيل التصدي لأشخاص يدينون بعقيدة مختلفة.

لقد تعرضت الحكومة لهجوم واسع منذ 7 يوليو لفشلها على مر السنين في دحر عدد من المتطرفين الإسلاميين في بريطانيا – وأشهرهم أبو حمزة، الخطيب السابق لجامع فنسبري بارك في شمال لندن، الذي سمح له بأن يدعو علانية شباناً مسلمين كثيرين للجهاد العنيف.

ويرى آخرون، وكثيرون منهم من اليسار السياسي أن التهديد الإرهابي أذكته التدخلات العسكرية البريطانية في العراق وأفغانستان وتحيز هوايتهول لإسرائيل في النزاع في فلسطين المحتلة. فلا ريب أن تلك عوامل أساسية، يدركها تماماً المسئولون البريطانيون، ففي ابريل 2005 مثلاً، ذكرت لجنة المخابرات المشتركة في تقرير تم تسريبه في العام التالي، أن النزاع في العراق "فاق خطر الإرهاب الدولي وأنه يواصل تأثيره في الأجل الطويل.

ذلك أنه قوى عزيمة الإرهابيين الذين كانوا قد التزموا بالفعل بمهاجمة الغرب وحفز آخرين لم يكونوا كذلك". وقد أعقب هذا تقرير مشترك لوزارتي الداخلية والخارجية بعنوان "المسلمون الشبان والتطرف" جرى تسريبه بدوره وذكر أن هناك "ازدواجاً في المعايير" يتصوره كثيرون من المسلمين في بريطانيا، ممن يعتقدون أن السياسة الخارجية البريطانية في أماكن مثل العراق وأفغانستان وكشمير والشيشان "تعادي الإسلام".

لكن هناك حلقة كبيرة مفقودة في هذا التعليق، فإسهام بريطانيا في صعود التهديد الإرهابي يتجاوز كثيراً تدخلاتها الحالية التي تعد كارثة في الشرق الأوسط. فالقصة الأكثر أهمية التي يسعى هذا الكتاب إلى روايتها، هي أن الحكومات البريطانية، من العمال والمحافظين على حد سواء في سعيها لتحقيق ما يسمى "المصلحة الوطنية" في الخارج، تواطأت عقوداً طويلة مع القوى الإسلامية الممتطرفة، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية، فقد تسترت عليها، وعملت إلى جانبها وأحياناً دربتها ومولتها، بغية الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية. وغالباً ما فعلت الحكومات ذلك في محاولات يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية التي عانت من أوجه ضعف متزايدة في مناطق أساسية من العالم، نظراً لعجزها عن أن تفرض إرادتها من جانب واحد وافتقارها لحلفاء آخرين. ومن ثم فالقصة ترتبط في الصميم بقصة انهيار الإمبراطورية البريطانية ومحاولة الإبقاء على نفوذها في العالم.

وقد أقامت بريطانيا مع بعض هذه القوى الإسلامية، المتطرفة تحالفاً استراتيجياً دائماً لضمان تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الأجل. وقد أشار بعض المحللين إلى أن الولايات المتحدة تعهدت أسامة بن لادن والقاعدة، لكن هذه التقارير خلت من الحديث عن دور بريطانيا في تشجيع الإرهاب الإسلامي على الدوام، ولم تجر رواية القصة كاملة مطلقاً. ومع ذلك فقد كان تأثير هذا التواطؤ على صعود التهديد الإرهابي أشد من تأثير الثقافة الليبرالية البريطانية أو الإلهام بالجهاد الذي أثاره احتلال العراق.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
وكان أقرب مدى وصلت إليه وسائل الإعلام السيارة لهذه القصة في الفترة التي تلت 7 يوليو مباشرة، عندما كشفت التقارير المتفرقة، الصلة بين أجهزة الأمن البريطانية والمتشددين المتأسلمين الذي كانوا يعيشون في لندن.

فقد توارد أن بعضنا من هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون عملاء او مخبرين لبريطانيا إبان انخراطهم في أعمال الإرهاب في الخارج.

ومن الجلي أن البعض منهم كانت تحميه أجهزة الأمن البريطانية عندما كان مطلوباً من قبل حكومات أجنبية.

ذلك جزء مهم لكنه صغير فحسب من صوره أكبر كثيراً تتعلق أساساً بسياسة بريطانيا الخارجية.

لقد تواطأت هوايتهول مع مجموعتين من القوى الفاعلة المتأسلمة كانت لهما ارتباطات قوية ببعضهما البعض.

تضم المجموعة الأولى دولاً أساسية راعية للإرهاب المتأسلم، وأهم دولتين منها هما حليفتا بريطانيا الرئيستان اللتان ترتبط معهما لندن بشراكة استراتيجية قديمة العهد – باكستان والسعودية.

فقد تستر مخططو السياسة الخارجية بصورة دائمة على سياسة السعوديين والباكستانيين الخارجية، واعتبروا أن هاتين الدولتين حليفتان رئيسيتان حالياً فيما كان يوصف حتى وقت قريب بأنه الحرب على الإرهاب.

ومع ذلك، فإن مدى رعاية الرياض وإسلام أباد للإسلام المتطرف في شتى أنحاء العالم يخسف تعهد البلدان الأخرى له، خاصة الأعداء الرسميين مثل إيران وسوريا.

وكما سنرى، فقد كانت السعودية، خاصة بعد ازدهار أسعار النفط في 1973 التي دفع بها إلى وضع الدولة عالمية التأثير، مصدر مليارات الدولارات التي تدفقت لدعم قضية الإسلام المتطرف، بما في ذلك المجموعات الإرهابية العاملة في شتى انحاء العالم.

ويمكن المحاجة بمثال جيد هو أن القاعدة هي جزئياً من خلق السعودية حليفاً لبريطانيا، نظراً للروابط المباشرة التي قامت بين المخابرات السعودية وبن لادن منذ السنوات الأولى للجهاد ضد السوفيت في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.

وفي الوقت نفسه، كانت باكستان راعياً رئيسياً لمجموعات إرهابية شتى منذ استيلاء الجنرال ضياء الحق على السلطة في انقلاب عسكري وقع في 1977، فقد أخرج الدعم العسكري بعض الجماعات إلى حيز الوجود، وبعد ذلك جرى تعهدها بالسلاح والتدريب.

إن مفجري قنابل 7 يوليو وغيرهم ممن أصبحوا إرهابيين بريطانيين هم جزئياً نتاج لعقود متتالية من الرعاية الباكستانية الرسمية لهذه الجماعات. وحالياً، فإن الشبكات التي تتخذ من باكستان مقراً لها هي التي تمثل أكبر خطر على بريطانيا وتحتل موقع المركز بالنسبة للإرهاب العالمي، وربما أضحت حتى أكثر أهمية من القاعدة، رغم تركيز الإعلام الغربي على بن لادن.

إن كلاً من باكستان والسعودية صنيعتان بريطانيتان، فقد تشكلت السعودية بصورة دموية في عشرينيات القرن الماضي بدعم عسكري ودبلوماسي بريطاني، في حين اقتطعت باكستان من الهند في 1947 بمساعدة المخططين البريطانيين. ويتقاسم هذان البلدان، وإن اختلفا تماماً بطرق كثيره، افتقاراً أسياسياً للمشروعية غير كونهما "دولتين إسلاميتين".

وقد كان الثمن الذي تكبده العالم لرعايتهما للصيغ المتطرفة على نحو خاص من الإسلام – والدهم البريطاني لهما – باهظاً جداً حقاً. وفي ضوء تحالفهما مع بريطانيا، لاغرو في أن الزعماء البريطانيين لم يدعوا إلى قصف إسلام أباد والرياض بالقنابل أسوة بكابول وبغداد، حيث إن من الواضح أن الحرب على الإرهاب لاتتم بهذا القصد، وإنما هي نزاع مع أعداء حددتهم واشنطن ولندن بصفة خاصة.

وقد ترك هذا قدراً كيراً من البنية الأساسية العالمية للإرهاب سليماً لم يمس، مما يثير مزيداً من الأخطار بالنسبة للعامة في بريطانيا والعالم.

والمجموعة الثانية من القوى الفاعلة المتأسلمة التي تواطأت معها بريطانيا هي الحركات والمنظمات المتطرفة.

ومن بين أكثر هذه الحركات نفوذاً التي تظهر طوال هذا الكتاب، الإخوان المسلمون، التي تأسست في مصر في 1928 وتطورت لشبكة لها تأثير على النطاق العالمي، والجماعة الإسلامية اتي تأسست في الهند البريطانية في 1941، وأصبحت قوة سياسية وأيديولوجية كبرى في باكستان.

كما عملت بريطانيا سراً إلى جانب حركة دار السلام في اندونسيا، والتي وفرت مرتكزات أيديولوجية مهمة لتطور الإرهاب في هذا البلد.

ورغم أن بريطانيا تعاونت أساساً مع الحركات السنية في الترويج لسياستها الخارجية، فإنها لم تنفر في بعض الأوقات من التستر على القوى الشعبية، مثل المتطرفين الشيعة الإيرانيين في خمسينيات القرن الماضي، وقبل الثورة الإسلامية في 1979 وبعدها.

بيد أن بريطانيا شاركت أيضاً في عمليات وحروب سرية إلى جانب تشكيلة من المجموعات الجهادية الصراح، وارتبطت في بعض الأحيان بالحركات التي ذكرناها تواً.

وقد روجت هذه الجماعات لأشد جداول الأعمال الدينية والسياسية رجعية، وارتكبت على نحو روتيني فظائع مروعة ضد المدنيين.

وقد بدأ التواطؤ من هذا النوع في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، عندما ساندت بريطانيا سراً إلى جانب الولايات المتحدة والسعودية وبسكتان، المقاومة من أجل هزيمة الإحتلال السوڤيتي لهذا البلد.

وجرى تقديم دعم عسكري ومالي ودبلوماسي للقوى الإسلامية التي سرعان ما نظمت نفسها وهي تجبر السوڤيت على الإنسحاب، في شبكات إرهابية جاهزة لضرب أهداف غريبة.

وبعد الجهاد في أفغانستان، أجرت بريطانيا تعاملات سرية من نوع أو آخر مع متشددين في منظمات إرهابية شتى، ، بما في ذلك حركة أنصار الباكستانية، والجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، وجيش تحرير كوسوفو، وكانت لها جميعها روابط قوية مع قاعدة بن لادن. وجرى الإضطلاع بعمليات سرية مع هذه القوى وغيرها في آسيا الوسطى، وشمال افريقيا وشرقي أوروربا.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
ورغم أن الدعوى التي أقدمها هي أن بريطانيا قد أسهمت بصورة تاريخية في تطور الإرهاب العالمي، فإن التهديد الحالي الذي يواجه بريطانيا ليس ببساطة ارتداد على الأعاقب، حيث أن تواطؤ هوايتهول مع الإسلام المتطرف مستمر، وإن كان في شكل مختلف. فالمخططون لايواصلون علاقاتهم الخاصة مع الرياض وإسلام اباد فحسب، بل يتآمرون أيضاً مع جماعات مثل الإخوان المسلمين في مصر، والشيعة الإسماعيلية في العراق، ويتآمرون في الواقع مع عناصر من طالبان في أفغانستان في مسعى يائس للتصدي للتحديات الكثيرة الراهنة التي تواجه وضع بريطانيا في الشرق الأوسط.

وترجع جذور تعاون بريطانيا مع الإسلام المتطرف كما سنرى في الفصل الأول إلى سياسات فرق تسد التي اتبعت في عهد الإمبراطورية، عندما كان المسئولون البريطانيون يسعون بانتظام إلى تعهد مجموعات إسلامية أو أفراد مسلمين للتصدي للقوى الوطنية الناهضة التي كانت تتحدى الهيمنة البريطانية.

فمن المعروف أن المخططين البريطانيين ساعدوا في خلق الشرق الأوسط الحديث إبان الحرب العالمية الأولى وبعدها بتنصيب حكام في أراض أيضاً حددها المخططون البريطانيون.

لكن السياسة البريطانية انطوت أيضاً على السعي إلى إعادة الخلافة في قيادة العالم الإسلامي إلى السعودية الخاضعة للسيطرة ال بريطانية، وهي استراتيجية كان لها أهمية هائلة بالنسبة لمستقبل المملكة السعودية وباقي العالم.

وبعد الحرب العالمية الثانية، واجه المخططون البريطانيون خسارة وشيكة للإمبراطورية وصعود قوتين عظيمتين جديدتين، لكنهم كانوا قد عقدوا العزم على الحفاظ على أقصى ما يمكن من النفوذ السياسي والتجاري في العالم.

ورغم أن جنوب شرق آسيا وأفريقيا كانا مهيمن بالنسبة للمخططين البريطانيين، أساساً بسبب مواردهما من المواد الهام، فقد كان الشرق الأوسط هو الذي تريد لندن ممارسة نفوذها عليه، بسبب احتياطاته الهائلة من النفط. ومع ذلك، فقد ظهر فيه عدو رئيسي اتخذ شكل القومية العربية الرائجة بقيادة جمال عبد الناصر في مصر، التي سعت للنهوض بسياسة خارجية مستقلة وإنهاء اعتماد دول الشرق الأوسط على الغرب.

ولاحتواء هذا التهديد، لم تساند بريطانيا والولايات المتحدة ملكيات وقيادات إقطاعية محافظة موالية للغرب فحسب، وإنما أقامتا أبضاً علاقات سرية مع قوى متأسلمة، خاصة الإخوان المسلمين، لزعزعة استقرار الحكومات ذات النزعة القومية والإطاحة بها.

ومع سحب بريطانيا لقواتها العسكرية من الشرق الأوسط في أواخر الستينيات، اعتبرت قوى متأسلمة مثل النظام السعودي، ومرة أخرى الإخوان المسلمون، قائمة مقامها في الحفاظ على مصالح بريطانيا في المنطقة، لمواصلة زعزعة النظم الشيوعية والقومية، أو "كقوة عضلية تدعم حكومات الجناح اليميني الموالية للبريطانيين.

وبحلول سبعينيات القرن الماضي، كانت القومية العربية قد هزمت فعلياً باعتبارها قوة سياسية جزيئاً بفضل المعارضة الأنجلوأمريكية لها، وحلت محلها لحد كبير قوة الإسلام المتطرف الصاعدة، التي اعتبرتها لندن ثانية سلاحاً تحت الطلب لدحر باقيا القومية العلمانية واشليوعية في دول رئيسية مثل مصر والأردن.

وبعد أن أفرغت حرب أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي تشكيلة من القوى الإرهابية، بما في ذلك القاعدة، بدأ ارتكاب الأعمال الوحشية الإرهابية أولاً في البلدان الإسلامية، ثم في أوروبا والولايات المتحدة في التسعينيات.

ومع ذلك، فالأمر الحاسم في هذه القصة هو أن بريطانيا استمرت تعتبر أن بعض هذه الجماعات مفيدة، أساساً بوصفها قوات لحرب العصابات نقوم مقامها في أماكن جد مختلفة على غرار البوسنة وأذربيجان وكوسوفو وليبيا، وهناك استخدمت إما للمساعدة في تحطيم الإتحاد السوڤيتي وتأمين المصالح الكبرى في النفط أو لمحاربة النظم القومية، والتي تمثلت هذه المرة في نظام سلوبودان ميلوسفتش في يوغوسلاڤيا ومعمر القذافي في ليبيا.

وطوال هذه الفترة، وجدت جماعات جهادية ومجاهدون أفراداً ملاذاً آمناً في بريطانيا، وحصل البعض منهم على حق اللجوء السياسي، مع مواصلة الإنخراط في اعمال الإرهاب في الخارج، ولم تتسامح هوايتهول فحسب مع تطور "لندنستان" – العاصمة التي تعمل قاعدة ومركز تنظيم لجماعات جهادية كثيرة، بل وشجعت ذلك – حتى وإن وفر هذا "ضوءاً أخضر" بجكم المر الواقع لذلك الإرهاب.

وأظن أن بعض العناصر، على الأقل في المؤسسة البريطانية، سمحت للجماعات المتأسلمة بأن تعمل انطلاقاً من لندن ليس فقط لأنها كانت تقدم معلومات لأجهزة الأمن ولكن أيضاً لأنها كانت تعد مفيدة بالنسبة للسيساة الخارجية البريطانية، خاصة في الحفاظ على شرق أوسط منقسم سياسياً – وهو هدف قديم العهد للمخططين في عصر الإمبراطورية وفيما بعد الحرب – وكرافعة للتأثير على سياسات الحكومات الخارجية.

وقد اعتبرت القوة الإسلامية المتطرفة مفيدة بالنسبة لهوايتهول بخمسة طرق، بصفتها قوة عالمية مضادة تتصدى للأيدولوجيات القومية العلمانية والشيوعية السوڤيتية، في حالتي السعودية وباكستان، وبصفتها قوة عضلية محافظة داخل البلدان لدحر القوميين العلمانيين ومساندة النظم الموالية للغرب، وبصفتها قوة صدام تزعزع استقرار الحكومات وتطيح بها، وبوصفها قائم مقام قوة عسكرية لخوض الحربو، وبوسفها أدوات سياسية لدفع الحكومات للتغيير.

ورغم أن بريطانيا أقامت علاقات خاصة قديمة العهد مع السعودية وباكستان، فإنها لم تقم تحالفاً استراتيجياً مع الإسلام المتطرف في حد ذاته.

ففيما وارء هاتين الدولتين، تمثلت سياسة بريطانيا في التعاون مغ القوى المتأسلمة في اعتبارها مسألة تتعلق بفرص تحقق غرضاً معيناً، رعم أنه ينبغي القول إن هذا كان على الأصح تعاوناً منتظماً.

ومرة تلو الآخرى، نكشف وثائق التخطيط التي ترفع عنها السرية أن المسئولين البريطانيين كانوا يدركون تماماً أن المتعاونين معهم معادون للغرب وللإمبرالية ولا يتحلون بالقيم الإجتماعية الليبرالية أو أنهم إرهابيون فعلاً. لم تتعاون هوايتهول مع هذه القوى لأنها تتفق معها لكن لمجرد أنها كانت مفيدة في لحظات معينة. ويبدو أن الجماعات المتأسلمة قد تعاونت مع بريطانيا للأسباب نفسها المتعلقة بتحقيق المصلحة الخارجية ولنها كانت تقاسمها نفس الكراهية للقومية الرائجة.

وقد عارضت هذه القوى المتأسلمة الإمبريالية البريطانية في الشرق الأوسط مثلما تعارض الإحتلال الراهن للعراق وأفغانستان، لكنها لم تعارض بأية حال السوق الحرة أو السياسات الإقتصادية الليبرالية الجديدة التي تتبعها الحكومات الموالية للغرب التي تساندها بريطانيا في المنطقة.

والأمر الحاسم، هو أن التواطؤ البريطاني مع الإسلام المتطرف ساعد أيضاً في الترويج لهدفين استراتيجيين جغرافيين كبيرين للسياسة الخارجية. الأول هو ضمان النفوذ والسيطرة على موارد رئيسية للطاقة، والتي تعتبر دوماً في وثائق التخطيط البريطانية الأولية الأولى في الشرق الأوسط مثلاً. وقد هدفت العمليات البريطانية لدعم القوى المتأسلمة والإنحياز لها بصفة عامة إلى الإبقاء على حكومات في السلطة أو تنصيب حكومات تتبع سياسات نفطية ودية تجاه الغرب.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
وكان الهدف الثاني هو الحفاظ على مكانة بريطانيا في نظام مالي دولي موال للغرب.

فقد استثمر السعوديون مليارات الدولارات في اقتصادي الولايات المتحدة وبريطانيا ونظمها المصرفية، وبالمثل فإن لبريطانيا والولايات المتحدة استثمارات وتجارة ضخمة مع السعودية، وهذا هو ما يحميه التحالف الإستراتيجي مع الرياض. ومنذ الفترة 73-1975، عندما أجرلا المسئولون البريطانيون سراً طائفة متنوعة من الصفقات مع السعوديين لإستثمار إيراداتهم من النفط في بريطانيا، كما سنرى، كان هناك ميثاق أنجلو أمريكي سعودي ضمني للحفاظ على هذا النظام، مما استلزم غض لندن وواشنطن الطرف عن أي شئ آخر ينفق السعوديون أموالهم عليه.

وقد اصطحب هذا من الجانب السعودي، باستراتجية لتمويل القضايا الإسلامية والجهادية و"بسياسة خارجية إسلامية ترمي إلى الإبقاء على أسرة سعود في السلطة".

وفي الترويج لهذه الإستراتيجية، تعاونت بريطانيا بصورة روتينية مع الولايات المتحدة، التي لها تاريخ مماثل من التواطؤ مع الإسلام المتطرف.

وفي ضوء انهيار القوة البريطانية، تحولت العمليات الأنجلو أمريكية من أن تكون مشروعات مشتركة حقاً في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب إلى مشروعات تشغل فيها هوايتهول مكان الشريك الأدنى منزلة، الذي يقدم عادة القوات المتخصصة السرية في عمليات تديرها واشنطن.

وفي بعض الأوقات حلت بريطانيا باعتبارها الذراع السرية في واقع الأمر للحكومة الأمريكية، وقامت بالأعمال القذرة التي لم تكن تستطيع واشنطن القيام بها، أو لاتريد القيام بذلك. وبذكر ذلك، نؤكد أن استخدام بريطانيا للقوى الإسلامية لتحقيق أهداف سياسية يسبق في تاريخه استخدام الولايات المتحدة لها، وأن ذلك يرجع بصورة مستقلة أحياناُ عن واشنطن، وذلك لتحقيق مصالح بريطانية على نحو مستقل، مثل مؤمراتها للإطاحة بعبد الناصر في الخمسينيات أو إقامة لندنستان في التسعينيات.

وليست الحجة التي أسوقها هي أن الإسلام المتطرف أو الجهاد العنيف صنيعة بريطانية أو غربية، حيث إن ذلك يبالغ في تقدير النفوذ الغربي في مناطق مثل الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، حيث شكلت عوامل محلية ودولية كثيرة هذه القوى عبر فترة طويلة. لكن السياسة البريطانية أسهمت في خلق خطر الإرهاب الراهن، رغم أن ذلك امر لا تتوافر الجرأة لذكره في الثقافة البريطانية السائدة.

فالمعروف تماماً أن الجهاد ضد السوفيت في أفغانستان في الثمانينات هو الذي ساهم في نشوء الجماعات الإرهابية.

وحتى في هذا، تم إعطاء اهتمام بدور الولايات المتحدة السري أكبر كثيراً من الإهتمام بالدور البريطاني.

وفيما يتعلق بباقي الحكاية يسود صمت تام عملياً، مماثل للغموض الذي يسود بشان فصول أخرى في السياسة الخارجية البريطانية الحديثة، حيث لايتبدى الكثير غير النوايا النبيلة. والرأي العام البريطانية ليس في وضع جيد ليفهم جذور الإرهاب الحالي، والمؤسسات الحكومية التي تطرح نفسها حامية لنا حقاً التي عرضتنا للمخاطر.

ويستند فهمي للإسلام الراديكالي على تعريف أوليڤر روي، الخبير الفرنسي الذي يحظى باحترام واسع، بأنه يعني عودة المسلمين جميعاً للأحكام الحقيقية للإسلام (وتدعى عادة "السلفية – "درب الأسلاف" – أو"الأصولية") ويعني تشدداً سياسياً يدعو للجهاد بمعنى "الحرب المقدسة" على أعداء الإسلام، الذين يشملون الحكام المسلمين.

ويخدم روي التأسلم باعتباره ضرباً من الأصولية المعاصرة التي تسعى من خلال العمل السياسي إلى إقامة دولة إسلامية عن طريق فرض الشريعة الإسلامية أساساً لكافة قوانين المجتمع. ويرى المتأسلمون أن الإسلام ليس مجرد دين، وإنما هو أيديولوجية سياسية ينبغي أن تتدرج في كافة مناحي المجتمع.

ومع وضع هذا في الإعتبار، فإنني طوال هذا الكتاب استخدم مصطلحات "الإسلامي الراديكالي" و"المتأٍلم" و"الأصولي" مترادفات بالتبادل. والجهاديون هم الأشخاص الذين انخرطوا في أنشطة عنيفة لإقامة الدولة الإسلامية.

ويصدر هذا الكتاب جزيئاً ثمرة لبحوث استمرت أشهراً كثيرة في المحفوظات الوطنية في لندن، حيث فحصت الملفات البريطانية التي رفعت السرية عنها تجاه بلدان العالم الإسلامي.

ربما لايكون البحث من أجل موضوع واسع النطاق كهذا شاملاً مطلقاً، فهناك أيضاً أشياء غير معروفة في السياسة البريطانية في بعض الوقائع المدروسة هنا.

وأهيب بالآخرين أن يستكملو الصورة في هذه المجالات.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
الفصل الأول - سياسة فرق تسد الإمبريالية

تكمن جذور التعاون البريطاني مع القوى الإسلامية المتطرفة في عالم ما بعد الحرب في سياسات الإمبراطورية.


وقد جاءت الخطوة الأولى نحو إقامة الإمبراطورية البريطانية في العالم الإسلامي في 1765 عندما منح إمبراطور المغول في إقليم البنغال الغني، شركة الهند الشرقية البريطانية حق حمع الإيرادات وإدارة العدالة هناك. وبعد ذلك سيطرت بريطانيا على شبه القارة الهندية، وهزمت سلطان تيبو، آخر الحكام الأقوياء الكبار في الهند في فيما وراء الهند، وأصبحت صاحبة نفوذ كبير على المسلمين في العالم.

وشملت الإمبراطورية الرسمية، إلى جانب المحميات البريطانية (وهي مستعمرات فيما عدا الإسم حيث كانت بريطانيا تسيطر على الدفاع والعلاقات الخارجية) أكثر من نصف الشعوب الإسلامية في العالم.

وقد لاحظ ونستون تشرشل، وكان حينذاك وزير الدولة لشئون الحرب في 1919، أنه مع وجود 20 مليون مسلم في الهند كانت بريطانيا هي أكبر قوة إسلامية.

وكثيراً ما تصادمت الإمبرالية البريطانية مع المسلمين والقوة الإسلامية، وتحدتها بصورة منتظمة الحركات الجهادية، مثل رجال الدين القبليين، أو ممن يسمون بالغزاة، الذين حاربوا بريطانيا خلال الحرب الأفغانية الثانية في 1880، أو الحركة المهدية وهي حركة للإحياء الإسلامي في السودان، نظمت في 1881 انتفاضة ضد الطبقة المصرية الحاكمة واستولت على الخرطوم من الجنرال گوردون البريطاني وأقامت حكماً دينياً مسلحاً.

وقد أورد تشرشل في كتابه الأول الذي أصدره في 1899 عن إعادة فتح بريطانيا للسودان، عن الإسلام أنه "لا توجد قوة أكثر رجعية منه في العالم" وأن "الدعوة المحمدية هي عقيدة متشددة مياله للحرب وصابئة".

وقد نشأت بعض الحركات الإسلامية كرد فعل مباشر للحكم البريطاني، ومضت اثنتان منها إلى حد أن أًبح لها تأثير جم في تطور الإسلام المتطرف المعاصر إحداهما هي حركة ديوباندي للإحياء الديني السنية والتي سميت باسم مدينة في ولاية أوتار براديش المعاصرة في شمال الهند، حيث تم تأسيس حلقة دراسية أو مدرسة في 1866، جمعت معاً رجال الدين المعاديين للحكم البريطاني في الهند الذين كانوا قد عقدوا العزم على تعزيز التعليم الديني بعيداً عن التأثير المفسد للتغريب.

ونشأت منظمة دينية أخرى هي الإخوان المسلمون التي أقمامها في مصر في 1928 حسن البنا وهو معلم يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، والذي رفضت أيديولوجيته الإحتلال البريطاني للبلاد والنفوذ الثقافي والسياسي الغربي، داعياً إلى الإلتزام الصارم بالقرآن في كل مناحي حياة البشر.

ولم يخش البريطانيون التطرف الإسلامي فحسب لكنهم خشوا أيضاً من الدعوى لإتحاد لعموم المسلمين، الجامعة الإسلامية، مما ينطوي على إمكانية القيام بعمل إسلامي موحد ضد الإمبراطورية البريطانية. وفي الهند تجسدت الدعوى للجامعة الإسلامية في المحل الأول في حركة الخلافة، التي ظهرت في 1919 بقيادة رجال الدين المسلمين الساعين لتحدي الحكم البريطاني للهند ومساندة الإمبراطورية العثمانية الإسلامية المتداعية بعد الحرب العالمية الأولى.

كذلك فإنه بالتضافر مع القوميين الهنود، أصبحت حركة الخلافة لفترة أكبر حركة معارضة للحكم البريطاني منذ تمرد القوات الهندية والمدنيين الهنود في حركة العصيان، أو الحرب الأهلية في 1857.

بيد أن الأمر الحاسم هو أن الإمبراطورية البريطانية لم تكن دوماً في حالة موادهة مع القوى الإسلامية، ولكنها حكمت عادة أيضاً من خلالها، بالنيابة عنها.

وبعد أن هزمت مدافع ماكسيم البريطانية خلافة سوكوتو الإسلامية في شمالي نيجيريا بصورة وحشية في السنوات الأولى من القرن العشرين، حكم البريطانيون من خلال سلطان سوكوتو، وأمرائه وهيكل الحكومة الإسلامية الذي قام تحت سلطانهم.

ووفرت نيجيريا الشمالية نموذجاً "للحكم غير المباشر" مثلما وصفه الحاكم اللورد لوجارد والذي جرى تصديره بعد ذلك لمستعمرات أخرى. وفي السودان، تمت هزيمة الدولة التي أقامتها الحركة المهدية في نهاية المطاف على أيدي البريطانيين في 1898، وبحلول عشرينيات القرن الماضي، أصبحت بريطانيا تعتبر زعيم المهديين، السيد عبد الرحمن، حليفاً يمكن أن يكفل لها ولاء سودانيين كثيرين.

وفي مستعمرات ومحميات شتى أخرى، سعت بريطانيا لدعم سلطة إسلامية "تقليدية" كحصن لإستمرار سلطتها، وكثيراً ما سمح باستمرار الشريعة الإسلامية في أشكالها الأكثر اتساماً بالطابع المحافظ.

وحتى في الهند التي كان البريطانيون يحكمونها حكماً مباشراً، استمر قانون الأحوال الشخصية الإسلامي، وهو جانب مهم من الشريعة، في الإزدهار.

وكانت لهذه الإستمالة للعناصر الإسلامية عواقب عميقة، وهي تساعد في تفسير تقاعس المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية التي كان البريطانيون يحكومنها عن الإستجابة لدعوة الإمبراطورية العثمانية في تركيا للجهاد ضد البريطانيين في بداية الحرب العالمية الأولى.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
وفي "المباراة الكبرى" للتنافس مع روسيا على النفوذ في آسيا في القرن التاسع عشر، دعمت بريطانيا نظم الحكم الإسلامية المتداعية في المنطقة بعتبارها حاجزاً بين روسيا والهند البريطانية، وهي أهم ممتلكاتها.

وسعت بريطانيا بصفة خاصة إلى إبعاد روسيا عن أفغانستان. وبعد ذلك، كان الشواغل استرتيجية في الأساس وتتعلق بوضع بريطانيا "بوصفها دولة عظمى"، وبحلول أوائل القرن العشرين، دلف النفط إلى الصورة، وأحيت السيطرة على الموارد الشاسعة للشرق الأوسط "المباراة الكبرى".

وفي الهند، أقام البريطانيون مئات من دول الأمراء الخاضعة، وكانت هندسية في معظمها، باعتبارها قوات لتحقيق النزعة المحافظة والإستقرار. لكن في الوقت نفسه أغدق الحكم البريطاني للهند رعاية رسمية على القلادة المسلمين الأثيرين في الطائفة، معتبراً الهند المسلمة جزيئاً مصداً للقومية الهندوسية.

وطالت المحاجة بأن عملية بناء المعرفة البريطانية بشأن الهند، بما في ذلك البحوث الأكاديمية، كانت طائفية على نحو متعمد، وزادت الفروق بين الهندوس والمسلمين، وبان ظهور المسلمين كفئة، كان جزئياً نتاجاً لخطاب الدولة الإستعمارية.

وقد كتب جورج فرنسيس هاملتون، وزير الدولة لشئون الهند، ذات مرة إلى اللورد كورزون الحاكم العام من 1895 إلى 1904 والذي أصبح بعد ذلك نائباً للملك، قائلاً: إنه ينبغي تصميم الكتب الدراسية التي تقوي الفروق بين طائفة وأخرى.

وإذا استطعنا تقسيم الهنود المتعلمين إلى قسمين يعتنقان آراء مختلفة على نطاق واسع، فإننا بمثل هذا التقسيم سنقوي مركزنا ضد الهجوم الماكر والمستمر الذي يخلقه انتشار التعليم على نظام حكمنا.

وقد تحدث حركات الإحياء والجهاد الإسلامية الحكم البريطاني في الهند في ا لقرن التاسع عشر، وأسهمت لمدى أكبر في التصوير البريطاني للهند بعبارات دينية، مما فاقم التصورات عن الفروق الطائفي الذي بلغ ذروته في تمرد 1875، والذي كان جزئياً حرباً دينية. وروجت بريطانيا للطائفية بعد 1875، خالقة دوائر انتخابية ووظائف منفصلة ومحميات تعليمية للمسلمين.

وقد أعلن ويليام الفنستون حاكم بومباي في مطلع القرن التاسع عشر أن شعار "فرق تسد هو شعار روماني قديم وينبغي أن يكون شعارنا".

وسادت وجهة النظر هذه وأصبحت حجر الزاوية في الحكم البريطاني للهند. إذ كتب وود وزير الخارجية في خطاب إلى اللورد الجن، الحاكم العام للهند في 82-1888 يقول:" بقد حافظنا على سلطتنا على الهند بتأليب طرف على آخر وينبغي أن نستمر في القيام بذلك.

ومن ثم، يتعين أن تفعل كل ما في وسعك للحيلولة دون أن يتبنى الجميع مشاعر مشتركة".

وأبلغ وزير دولة آخر لشئون الهند هو الفيكونت روس، نائب الملك، اللورد دورفن، أن هذا "التقسيم للمشاعر الدينية يحقق الكثير لمصلحتنا"، في حين تنبه موظف مدني بريطاني هو السير جون ستراتش في 1888 إلى:

أن الحقيقة الواضحة هي أن وجود هذه العقائد المتعادية جنباً إلى جنب، من النقاط القوية في وضعنا السياسي في الهند. والصراعات المريرة لأنصار محمد هي بالفعل مصدر قوة لنا وليست مصدر ضعف . . إنهم يشكلون أقلية من السكان صغيرة لكنها نشيطة، ومصالحها السياسية متطابقة مع مصالحنا.

وقد حاج بعض المحللين بأن البريطانيين لم يتبعوا سياسة متسقة ومتماسكة للترويج للكراهية الطائفية باعتبارها سياسة رسمية.

قد يصدق هذا، لكن مثلما تنبه فرنسيس روبنسون المتخصص الأكاديمي في شئون الإمبراطورية البريطانية والهوية الإسلامية، فقد ظلت سياسة فرق تسد "ماثلة بقوة في أذهان رجال الإدارة في القرن التاسع عشر".

إذ كان صناع القرار البريطانيون براجماتيين، تبنوا سياسة تلائم الظروف المحددة لوقتهم عادة لتحقيق أهداف معينة قصيرة الأجل – وفي هذا، فإن سياسة الترويج للإنقسامات الطائفية تظهر بوتيرة متكررة كثيراً.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
خلق شرق أوسط جديد

وصلت هذه الإستراتيجية البريطانية لسياسة فرق تسد الإستعمارية والإعتماد على القوى الإسلامية لتدعيم المصالح الإمبراطورية، إلى ذروتها في الشرق الأوسط إبان الحرب العالمية الأولى، وفيما بعدها.

وكان تقسيم المنطقة وتشكيلها على أيدي المسئولين البريطانيين والفرنسيين موضع تعليقات لا تنتهي – وإن تم ذلم بدرجة أقل باعتباره "الإستغلال" البريطاني قديم العهد للإسلام، الذي اتخذ بعدئذ شكلاً جديداً.

فقد رأى المخططون البريطانيون أن الشرق الأوسط حاسم لأسباب استراتيجية وتجارية على حد سواء. فمن الناحية الإستراتيجية، كانت البلدان الإسلامية حاجزاً ومصداً مهما أمام التوسع الروسي إلى الطريق البري الإمبراطوري من الهند البريطانية إلى مصر التي يسيطر عليها البريطانيون.

لكن النفط كان قد دخل إلى الصورة حينذاك، مع تأسيس شركة النفط الأنجلو إيرانية في فارس في 1908، واكتشاف النفط في العراق بعد ذلك بفترة وجيزة، ودوره متزايد الأهمية لعمل القوات العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى، إذ رأى المخططون البريطانيون أن السيطرة على النفط العراقي والفارسي "هدف حربي من المرتبة الأولى بالنسبة لبريطانيا"، كما قال السير موريس هانكي وزير الحرب نحو نهاية النزاع. وبحلول شهر نوفمبر 1918 كتبت هيئة الأركان العامة في بغداد تقول: إن النفط هو قوة المستقبل في العالم".

وقد دعمت السياسة الخارجية البريطانية منذ القرن السادس عشر، الإمبراطورية العثمانية للمسلمين الأتراك، وأقوى كيان إسلامي في العالم غطى في أوج القرن السابع عشر شمال أفريقيا، وجنوب شرق أوروبا وكثيراً من أنحاء الشرق الأوسط. كانت بريطانيا ملتزمة بالدفاع عن "وحدة الأراضي العثمانية" ضد المخططات الإمبريالية الروسية والفرنسية وهو ما انطوى بحكم الأمر الواقع على مساندة الخلافة العثمانية – ادعاء السلطان العثماني بأنه قائد الأمة الإسلامية.

وبعد استيلاء بريطانيا على الهند، اعتبرت الإمبراطورية العثمانية مصداً ملائماً لإبعاد المنافسين على امتداد الطريق العسكري والتجاري إلى جوهرة التاج.

وكانت لندن تسمي نفسها عادة منقذة السلطان التركي، ففي حرب القرم في 54-1856، وهي واحدة من أكثر المنازعات دموية في التاريخ الأوروبي المعاصر، حاربت بريطانيا وفرنسا نيابة عن العثمانيين ضد روسيا.

وكانت "المسألة الشرقية" – الصراع الإمبريالي للسيطرة على الأراضي التي تهيمن عليها الإمبراطورية العثمانية المتداعية – عملية حاولت فيها بريطانيا أساساً الإبقاء على آخر امبراطورية إسلامية كبرى ضد القوى الكبرى المناوئة. وبحلول الوقت الذي قامت فيه تركيا العثمانية باختيارها المصيري بالإنحياز إلى ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، كانت قد أ صبحت بالفعل دولة متداعية لكنها كانت لاتزال تسيطر على أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يشكل حالياً سوريا والعراق والاردن وفلسطين، التي حكمتها لمدة 400 عام، وبعد هزيمتها، انقشت الدول الأوروبية بقيادة بريطانيا، على جثتها، وقسمتها فيما بينها.

وخلال الحرب العالمية الأولى ناشدت بريطانيا العرب في الشرق الأوسط للإنضمام إليها للإطاحة لبلادهم، مقابل ضمانات بريطانية بالإستقلال فيما بعد الحرب.

وذكرت الحكومة البريطانية في إعلانها الصادر في 1914 إلى أهالي فلسطين وسوريا وما بين النهرين العربية، أن: من التقاليد الأساسية للحكومة أن تكون صديقة للإسلام والمسلمين هكذا وأن تدافع عن الخلافة الإسلامية حتى لو كانت خلافة للغزو والعوز مثل الخلافة التركية التي دافعت إنجلترا عنها بالمال والرجال والنفوذ مرات كثيرة . . .لاتوجد أمة بين الأمم الإسلامية تستطيع حالياً الحفاظ على الخلافة الإسلامية سوى الأمة العربية وليس هناك أي بلد أكثر جدارة بمكانتها من البلدان العربية.

وفي مايو 1915، أعلنت بريطانيا أيضاً لشعب الجزيرة العربية أن دين الإسلام، كما يراهن التاريخ، كان على الدوام هو الدين الأكثر احتراماً على نحو مدقق من قبل الحكومة الإنجليزية، وأنه على الرغم من أن سلطان تركيا قد أصبح عدواً، فإن سياستنا القائمة على الإحترام والصداقة تجاه الإسلام تظل بدوت تغيير.

وقد كتب الكثير عن الثورة العربية على الحكم التركي، بما في ذلك الأعمال البطولية التي أضفى عليها طابع رومانسي للورنس العرب وخيانة بريطانيا اللاحقة للضمانات التي قدمتها للعرب بشأن الإستقلال، ولم تكن هذه الضمانات تعني بالنسبة للبريطانيين منح السيادة الوطنية للعرب، وإنما كانت تعني على وجه الحصر السماح بوجود مستشارين بريطانيين لإدارة البلدان لعربية التي لابد وان تصبح محميات بريطانية.

ومن الجوانب اللافتة للنظر في استنجاد بريطانيا بالعرب تسترها بالإسلام في وعودها التي قدمتها لحسين بن علي، الذي كان حينذاك حاكماً لمدينة مكة المكرمة، أو الشريف.

ووافق محمد، على قيادة ثورة عربية مقابل اعتراف بريطانيا به بعد الحرب حاكماً لأراض شاسعة تمتد من سوريا إلى اليمن الحاليين، وبذا تشمل كل المملكة العربية السعودية المعاصرة.

وقد كتبت الحكومة البريطانية إلى حسين في نوفمبر 1914، ذاكرة أنه: إذا ساعد الأمير أي حسين . . . والعرب بصفة عامة بريطانيا العزمى في هذا النزاع الذي فرضته تركيا علينا، فإن بريطانيا العظمى تعد بألا تتدخل بأي طريقة كانت سواء في ا لأمور الدينية أو غيرها . . . وحتى الآن فإننا قد دافعنا عن الإسلام وصادقناه في شخص الأتراك ومن الآن فصاعداً فإن هذا سيكون في شخص العرب النبلاء. ربما يتولى عربي صادق الأصل الخلافة في مكة أو المدينة، ومن ثم فإن الخير قد يتحقق بعون من الله من خضم كل الشر الذي يحدث حالياً.

وكانت هذه الجملة الأخيرة المهمة جداً وعدا بريطانيا بإعادة الخلافة الإسلامية لشبه الجزيرة العربية وجعل الشريف حسين الخليفة الجديد، خلفاً للسلطان التركي.

فقد كانت المدينة في السعودية المعاصرة، هي أول عاصمة للخلافة بعد وفاة النبي محمد في القرن التاسع، وعقب ذلك تنازعتها تشكيلة متنوعة من الأسر الحاكمة وأخيراً العثمانيون. لقد وعدت لندن حسين بأن بريطانيا ستضمن سلامة الأماكن المقدسة مكة والمدينة ضد العدوان الخارجي وستعترف بأن حرمتها لا تنتخك.

ونبه اللورد كتشنر وزير الحرب في مارس 1915 إلى أنه انتقلت الخلافة للجزيرة العربية، فإنها ستظل لحد بعيد تحت نفوذنا. وكانت السيطرة على ساحل شبه الجزيرة العربية بيد البحرية البريطانية.

ذلك أنه عن طريق مناصرة مملكة عربية تحت رعاية بريطانية، تمارس بريطانيا الهيمنة على القيادة الروحية للعالم الإسلامي.

والواقع أن بريطانيا كانت تساعد الإسلام في استرداد جذوره والعودة إلى أصوله.

بيد أن بعض المسئولين البريطانيين إبان الحرب وفيما بعدها كانوا يخشون أيضاً من أن الخلافة يمكن استخدامها نقطة تجمع وحشد للحركات المعادية للإستعمار، لتفويض الحكم البريطاني في الهند وفي مصر.

وكانوا بصفة خاصة يخشون من احتمال احتمال نشوب حرب إسلامية مقدسة ضد بريطانيا، وهو أمر نادى به السلطان التركي عند دخوله الحرب العالمية الأولى.

وينتبه ديفيد فرومكين في تحليله عن الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى وفيما بعدها، إلى أن القادة البريطانيين كانوا يعتقدون أن الإسلام يمكن التلاعب به واستغلاله بشراء قيادته الدينية أو الإحتيال عليها.

كانوا باختصار يعتقدون أن من يسيطر على الخليفة أياً كان يسيطر على الإسلام السني.

وقام الشريف حسين بثورة على الإمبراطورية العثمانية في يونيو 1919، مجنداً قوة عربية صغيرة تضم بضعة آلاف من الرجال لخوض الحرب في منطقة الحجاز، وهي المنطقة الساحلية الغربية من شبه الجزيرة العربية التي تضم مدن جدة ومكة والمدينة.

وقد نبه الكاتب جرترود بل، الذي أصبح مهندس تخطيط العراق، إلى أنه مع نشوب القتال في مكة تصبح ثورة الأماكن المقدسة مصدر قوة معنوي وسياسي بالغ الضخامة.

بيد أن ثورة حسين لم تحقق سوى انتصارات طفيفة على الجيش العثماني وفشلت في حشد الناس في أي جزء من العالم العربي، رغم انها تلقت مساعدة من البريطانيين بلغت 11 مليون استرليني (نحو 500 استرليني بنقود اليوم). وعمل الضباط البريطانيون مستشارين عسكريين لثورة حسين، وكان أحدهم هو الكولونيل تي. إي لورنس العرب، مساعد فيصل، ابن الشريف حسين، الذي كان قد عين لقيادة القوات العسكرية للأخير.

وقبل نشوب الثورة العربية بشهر، كانت بريطانيا وفرنسا قد اتفقتا سراً على تقسيم الشرق الأوسط بين منطقتي نفوذهما، في اتفاقية سايكس – بيكو، التي سميت بأسمي وزيري خارجية كل منهما. وقد اعترف المسئولون البريطانيون صراحة بهذا النكوص عن الإلتزام بوحدة الأراضي العثمانية – مما قوض دعامة أساسية للسياسة الخارجية البريطانية.

فقد كتب لورنس، الذي يفترض أنه المحرر العظيم للعالم العربي، مذكرة مخابرات في يناير 1916 ذكر فيها أن الثورة العربية كانت: مفيدة لنا لنها تتفق مع أهدافنا المباشرة، وهي تحطيم الكتلة الإسلامية وهزيمة الإمبراطورية العثمانية وإشاعة الإضطراب فيها، ولأن الدول التي سيقيمها الشريف حسين لتخلف الأتراك . . . غير ضارة بالنسبة لنا . . . ذلك أن العرب أقل استقراراً من الأتراك. وإذا جرى التعامل معهم على نحو صحيح فسيظلون في حالة تشرذم سياسي، نسيجاً من إمارات صغيرة متنافسة لاتستطيع الإتحاد.

وبعد الحرب كتب لورنس تقريراً قدمه للوزارة البريطانية بعنوان تعمير الجزيرة العربية، حاج فيه بأنه من الملح بالنسبة للبريطانيين وحلفائهم أن يجدوا قائداً مسلماً يستطيع دحر محاولة الإمبراطورية العثمانية تنظيم جهاد ضدهم باسم الخليفة: عندما نشبت الحرب، أضيفت حاجة ماسة لتقسيم الإسلام، وأصبحنا راضين بالبحث عن خلفاء بدلاص من البحث عن رعايا . . . وبخلق حلقة من الدول العميلة تصر هي نفسها على طلب رعايتنا، نأمل في ان نصد وندحر مخططات أي دولة أجنبية بشأن الأنهار الثلاثة العراق في الحاضر والمستقبل.

وكانت العقبة الكبرى، من وجهة نظر الحرب، بالنسبة لأي حركة عربية، هي ميزتها العظمى في زمن السلم . . . وقد تم اختيار الشريف حسين بسبب الصدع الذي سيسببه في الإسلام.

كذلك اعترف وزارة الخارجية في حكومة الهند البريطانية بمنافع الإنقسام في الشرق الأوسط، وذكرت أن ما نريده ليس جزيرة عربية موحدة، وإنما جزيرة عربية ضعيفة مفككة، تنقسم إلى إمارات صغيرة بقدر ما يمكن تحت سلطاتنا – لكنها عاجزة عن القيام بعمل منسق ضدنا، وتشكل دريئة ضد قوى في الغرب.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
ميلاد التحالف السعودي

عقب الثورة العربية وهزيمة بريطانيا للجيش التركي في كل أنحاء الحكومة البريطانية لم تكن مستعدة إلا للإعتراف بسيطرته على تلك الأخيرة.

ونشأت نتيجة لذلك مواجهات بشأن مستقبل الجزيرة العربية بين حسين وصنيعة بريطاني آخر، هو عبد العزيز ابن سعود، وهو أمير كان يمثل قوة صاعدة في وسط الجزيرة العربية استولت قواته على منطقة نجد وعاصمتها الرياض.

وانقسم المسئولون البريطانيون حول من يناصرونه قائداً للثورة على الأتراك – فقد كانت حكومة الهند البريطانية تتخوف من رعاية بريطانيا لخليفة عربي يقود العالم الإسلامي بأسره وما يترتب على ذلك ن آثار بالنسبة لمسلمي الهند، ومن ثم فضلت ابن سعود، الذي تقتصر مطالباته على الجزيرة العربية. فعلى النقيض من نزعة حسين السنية القويمة، كان مؤسس العربية السعودية في المستقبل يترأس حركة إحياء سنية محافظة على نحو متطرف، تعرف بالوهابية، أعلنت التزامها الصارم بأحكام الإسلام، وتطورت في القرن الثامن عشر استناداً لتعاليم الفقيه محمد ابن عبد الوهاب، الذي ولد في 1703.

وكانت قوات ابن سعود العسكرية تسمى اخواناً، أو ميليشيا من رجال القبائل البدو الذين فقههم معلمون دينيون التزموا بتنقية الإسلام وإقامة الحكومة ايتناداً للشريعة الإسلامية الصارمة. وقدمت بريطانيا بالفعل السلاح والمال لإبن سعود خلال الحرب العالمية الأولى، ووقعت معاهدة معه في 1915 واعترفت به حاكماً لإقليم نجد تحت الحماية البريطانية.

وبنهاية الحرب، كان يتلقى دعماً بريطانياً قدره 5 آلاف إسترليني شهرياً. وهو ما يقل كثيراً عن 12 ألف استرليني كان يتم التصدق يها شهرياً على حسين، الذي استمرت الحكومة البريطانية تحابيه في البدء، وتتبدى حقيقة أن بعض المسئولين البريطانيين كانوا يعلقون آمالهم الإستراتيجية على ابن سعود خلال ال حرب في مذكرة كتبها جندي بريطاني، هو النقيب برأي، حول المسألة المحمدية في 1917:

في اللحظة الراهنة فإن الاهتياج محتدم في كل البلدان المحمدية . . . وتؤكد تقارير العملاء وغيرهم . . . الحيوية القصوى لحركة الإسلام العالمية . . . ومن الجوهري ألا تكون أفغانستان هي البلد الذي يتطلع إليه أنصار محمد.

ومن ثم يجب أن نخلق دولة أكثر ملاءمة لأهدافنا يتحول إلهيا اهتمام المسلمين. ولدينا فرصة لذلك في شبه الجزيرة العربية.

وفي 1919 استخدمت لندن طائرة في الحجاز لدعم حسين في مواجهة ابن سعود.

وكانت جدوى ذلك محدودة، فبعد قبول وقف مؤقت لإطلاق النار في 1920، تقدم إخوان ابن سعود الذين بلغت قواتهم 150 ألفاً بلا هوادة، وبحلول منتصف 1920 كانوا قد كسبوا السيطرة على شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الحجاز والأماكن المقدسة، وهزموا حسين ودانت لهم السيادة في المنطقة. وأقام ابن سعود المملكة العربية السعودية بمذبحة معربدة. ففي فضيحة لفساد الأسرة الحاكمة السعودية، يصف سعيد أبو ريش، ابن سعود بأنه حاكم مستبد فاسق ومتعطش للدماء . . . ألحقت وحشيته الخراب بكل أنحاء الجزيرة العربية، وأنه أرهب اعداءه وذبحهم بلا رحمة. وقد أزهق غزو الجزيرة العربية أرواح نحو 400 ألف شخص، حيث إن قوات سعود لم تكن تأخذ أسرى بل تقتلهم، وهرب ما يربو على مليون شخص إلى البلدان المجاورة.

وبعد ذلك، نشبت تمردات كثيرة ضد بيت سعود، تم إخماد كل منها بعمليات قتل جماعية لضحايا أبرياء في معظمهم، بما في ذلك النساء والأطفال، وبحلول منتصف 1920، كان قد تم إخضاع معظم شبه الجزيرة العربية، وجرى أعدام 40 ألف شخص علانية وبتر أطراف 350 ألفاً آخرين، وقسمت البلاد إلى مراكز تحت السيطرة أقارب سعود، وهو وضع سائد حتى الآن إلى حد كبير.

اعترفت بريطانيا بسيطرة ابن سعود على شبه الجزيرة العربية وبحلول 1922، زاد ونستون تشرشل وزير المستعمرات الدعم المقدم له إلى 20 ألف استرليني سنوياً. وفي الوقت نفسه، وصف تشرشل الوهابيين السعوديين بما يشي بأنهم مماثلون لطالبان الحاليين، عندما أخبر مجلس العموم في يوليو 1921 بأنهم متزمتون قساة، ومسلحون جيداً ومتعطشون للدماء، وأنهم يرون أن من واجبهم مثلما هو من إيمانهم، أن يقتلوا كل من لايشاروكونهم آرائهم وجعل أطفالهم ونسائهم عبيداً.

وقد جرى إعدام النساء في قرى وهابية لمجرد ظهورهن في الشوارع. وكان لبس زي من الحرير جريمة جنائية.

وتم قتل الرجال لتدخينهم للسجائر.

بيد أن تشرشل كتب فيما بعد إن إعجابي بابن سعود كان عميقاً، بسبب ولائه الذي لايتزعزع تجاهنا، وشرعت الحكومة البريطانية في إحكام قبضتها على هذا الولاء. ففي 1917 أرسلت لندن هاري سانت جون فيليبي – وهووالد كيم الجاسوس السڤيتي – السعودية حيث بقى هناك حتى وفاة ابن سعود في 1953.

وكان دور فيلبي هو التشاور مع وزارة الخارجية حول طرق تعزيز حكم ابن سعود وتوسيع مجال نفوذه.

وقد أسلمت معاهدة عقدت في 1917 السيطرة على السياسة الخارجية السعودية لبريطانيا.

وعندنا تمردت عناصر من الإخوان الذي يعارضون الوجود البريطاني في البلاد، ضد النظام في 1929، طلب ابن سعود دعم بريطانيا.

وتم ارسال القوات الجوية الملكية وقوات من الجيش الذي يسيطر عليه البريطانيون في العراق، وجرى سحق التمرد في العام التالي.

كان ابن سعود يكن تقديراً عالياً لدعم بريطانيا له، خاصة خلال التمرد ومهد هذا الطريق لتطوير العلاقات بين المملكة السعودية والغرب وهو ما أصبح هو جوهر السياسة الخارجية السعودية.

وعقد تدعيم التحالف السعودي البريطاني، قصر ابن سعود دور افخوان على التوعية ومراقبة الأخلاق العامة. لكن قوة الوهابية كانت قد حولت البدو بالفعل إلى مجاهدين يسمو الولاء للأمة عندهم على الإنتماءات اقبلية. وفي ال عقود التالية، كثيراً ما كان يتم الإستشهاد بفتح الإخوان الجهادي لشبه الجزيرة العربية بالسيف والقرآن في عملية التعليم في السعودية. وكان لابد أن تمضي السعودية التي أعلنت في 1932 باعتبارها صنيعة بريطانية في الأساس، إلى العمل باعتبارها الناشر الرئيسي في العالم للإسلام الأصولي، ووفرت مركزاً أيديولوجيا ومالياً لدعوة الجهاد العالمية. والواقع أن الوهابية السعودية وصفت بأنها الأيديولوجية المؤسسة للجهاد الحديث.

وقد وفرت الدول السعودية الجديدة، وسلطتها التي تركز على الأصولية الدينية، لبريطانيا موطئ قدم في قلب العالم الإسلامي، في مكة والمدينة.

وعلى نحو أعم، نجحت بريطانيا في تحقيق غرضها في تقسيم الشرق الأوسط وإقامة حلقة من الدول العميلة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية.

إذ كانت دول الخليج المحيطة بالسعودية، في عدن والبحرين وعمان، جميعها نظماً إقطاعية ترتكن للحماية العسكرية البريطانية.

وفي الوقت نفسه، استمرت بريطانيا في استغلال عملائها الآخرين.

فقد نصبت فيصل الذي استولى مع الحلفاء على دمشق في 1918 ملكاً على العراق، ومنحت عبد الله وهو ابن الشريف حسين الآخر، لقب ملك على شرق الأردن الذي أصبح مستقلاً تحت الحماية البريطانية في 1923.

وأخيراً، كانت هناك فلسطين التي كانت القوات البريطانية قد استولت عليها أيضاً نحو نهاية الحرب. بيد أن بريطانيا كانت هنا ملتزمة بإنشاء ما حدده أرثر بلفور وزير الخارجية في 1917 باعتباره وطناً قومياً لليهود.

وفي مؤتمر عقد في أبريل 1920 في منتجع سان ريمو الإيطالي منحت عصبة الأمم التي كانت قد تشكلت مؤخراً لبريطانيا انتداباً لحكم فلسطين.

وقد قال بلفور أيضاً إن ما كانت بريطانيا في حاجة إليه في الشرق الأوسط في السنوات الأولى من القرن العشرين هو ممارسة سيطرة اقتصادية وسياسة أسمى . . . في تعاون ودي لايستم بالمن مع العرب، ولكن تبتغي ممارسته رغم ذلك في الملاذ الأخير. كانت نظم الحكم التي خلفتها بريطانيا دمى، في جوهرها حكومات تلتزم بالقانون والنظام وتتحالف أساساً مع الطبقات التقليدية الحاكمة في البلاد الإسلامية. وبدروهم كان هؤلاء السلاطين والأمراء والملوك الأثيرون يرون أن الحكم البريطاني يوفر لهم حماية ضد مخاطر عدم الإستقرار أو حركات التحرير القومية التي بدأت تنشط، خاصة في العراق.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
أسيا الوسطى والعراق

لكن بريطانيا لم تكن تنشئ قوى تطالب بالسلطة باسم الإسلام في شبه الجزيرة العربية فحسب. فكما ذكرنا بالفعل، فإن القادة البريطانيين اعتبروا منذ أواخر القرن التاسع عشر أن إقامة إسلامية من الدول ضروري لصد التوسع الروسي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

وعندما أطاح البلاشفة بنظام الحكم القيصري في ثورة 1917، وقع الحكام الجدد في موسكو معاهدات مع تركيا وفارس وأفغانستان، اعتبرها البريطانيون تهديداً لسيادتهم في المنطقة. وفي الوقت نفسه، كان المسئولون البريطانيون يعتقدون أن حركات الجامعة الإسلامية المعادية للإستعمار في المنطقة تحرضها وتلهمها ألأمانيا مثلما تفعل روسيا. ولإستعادة المبادرة وإعادة تأكيد نفوذها في آسيا، قجمت بريطانيا دعماً سرياً للقوى الإسلامية التي تتحدى النظام السوفيتي الجديد. ففي أغسطس 1918، بعد عام من الثورة الروسية، أرسلت بريطانيا قواتها العسكرية لآسيا الوسطى للقتال لجانب رجال قباسل التركمان والحكومة المتمردة في عشق أباد (عاصمة تركمنستان الحالية) ضد القوات البلشفية التي كانت تتحرك جنوباً.

ونبه التخطيط العسكري البريطاني للمهمة إلى أن الضباط يجب أن يصحبهم إذا أمكن أشخاص مؤهلون لإدارة الدعاية المحمدية لصالح الحلفاء، وأن ينبغي بذل كل مسعى لإستغلال المشاعر المعادية للبلاشفة والداعية للإستقلال الذاتي.

كان البريطانيون يخشون من أن تنتشر الدعاية السوڤيتية وعملاء السوڤيت في فارس وأفغانستان، وأن تحاول تركيا تقويض مركز بريطانيا في الهند والعراق.

وأسفرت تدخلات بريطانيا عن وقف تقدم القوات السوڤيتية في المنطقة، والحيلولة لفترة دون فرض نظام شيوعي هناك.

وفي أبريل 1919 تم سحب القوات البريطانية من آسيا الوسطى، وبدلاً من ذلك قكمت لندن الدعم لجماعات حرب العصابات الإسلامية، التي بزغت عبر المنطقة كلها لمقاومة التقدم السوڤيتي. وشكل هؤلاء المتمردين الذين أسماهم السوفيت باسماشي (العصابات) جزءاً من جيش إمارة بخاري، الحصن الأخير لاستقلال من يتحدثون التركية في آسيا الوسطى، والواقعة أساساً في أوزبكستان الحالية، قرب الحدود مع أفغانستان والصين. وخلال 1919، قدمت الحكومة البريطانية في الهند قوافل الجمال المحملة بالسلاح والذخيرة للباسماشي عن طريق زعمائهم في كابول عاصمة أفغانستان.

وبعد استيلاء السوڤيت على مدينة بخاري في 1920، لجأت جماعات الباسماشي للجبال لشن حرب عصابات. وفي العالم التالي، أرسلت موسكو جنرالاً عثمانياً، هو أنور باشا لإبرام معاهدة سلام مع المتمردين، لكنه شرع بعدئذ في تغيير الجانب الذي يقف معه وانضم إليهم. وأعلن الباشا هدفه في إنشاء دولة إسلامية مستقلة – هي تركستان في آسيا الوسطى، وأكسبته رسالته الإسلامية القوية دعم الملالي، الذين التفوا حول قضيته إلى جانب أمير أفغانستان المسلم، وفي الوقت نفسه، أعلنه الروس عميلاً للبريطانيين.

وحققت ثورة أنور باشا بعض النجاح في البداية، لكن حملة سوڤيتية أرسلت في 1922 قتلته ودمرت معظم قواته، رغم أن تمرد الباسماشي طال حتى بلغ حد الملل ولم يتم سحقه نهائياً إلا في 1929. وبعد خمسين عاماً، تدفقت الأسلحة البريطانية وغيرها في 1979 إلى المنطقة، مرة ثانية لدحر تقدم السوڤيت، في الرحب التي نجمت عنه ضد المجاهدين الأفغان، وكانت القوات السوڤيتية عادة تسمي المجاهدين بالباسماشي.

وفي الوقت نفسه، شجعت لندن في العراق، الذي يديره البريطانيون في بعض الأوقات، إما القادة الدنيين السنة أو الشيعة للإبقاء على السيطرة على هذا البلد. فبعد الإستيلاء على بلاد ما بين النهرين من تركيا خلال الحرب العالمية الأولى مارست بريطانيا سيطرة الأمر الواقع على العراق حتى نشوب ثورة 1958.

وتدعمت سلطتها من خلال نخبة حضرية سنية صغيرة، في حين جرى استبعاد السكان الشيعة، ويمثلون نحو 55 في المائة من سكان العراق، بيد أنل بريطانيا أيضاً تاريخ طويل في مساندة الشخصيات الدينية الشيعية في العراق وكذلك في إيران المجاورة فلمدة تربو على قرن بعد 1850، حولت بريطانيا الأموال إلى مئات من رجال الدين في المدن الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء بغية ممارسة التأثير عليهم، من خلال آلية للتمويل سميت تركة العودة.

وفي 1903، عندما كانت بريطانيا تنفس على روسيا نفوذها في العراق إلى أن تركة العودة وسيلة ممتازة لتشجيع قيام علاقات شخصية ودية قوية مع كبار رجال الدين مما يمكننا من استخدامهم عند الضرورة رافعة للتأثير إن اتبعت فارس سياسة غير ودية أو أظهرت علامات تدل على التعاقد على قرض روسي جديد. وقد تكرر هذا الإستغلال المقترح للقوى الدينية بوصفها رافعة للتأثير في العقود التالية: إذ استخدمت بريطانيا هذه الوسيلة خلال الحرب العالمية الأولى وفيما بعدها في محاولة لدحر جهود العثمانيين لتنظيم حركة جهاد حاشدة ضد الحكم البريطاني في العراق.

بيد أن السياسة البريطانية أخفقت، فبحلول 1915 كانت الدعوى للجهاد توجه من كل جامع في العراق، وحشدت القيادة الدينية العلماء، نحو 18 ألف متطوع – وكانت تلك هي المرة الأولى التي قاد فيها الزعماء الشيعة مقاومة مسلحة ضد قوة غربية.

وتم قمع انتفاضة أخرى نشبت في جنوبي العراق بتشجيع من العلماء الشيعة بوحشية على أيدي القوات البريطانية في مطلع 1921، وبعد ذلك بعامين، تم ترحيل القيادة الشيعية إلى إيران. وخلال هذا التمرد، شجع البريطانيون الزعيم الديني للطائفة السنية في العرقا، المعروف بالنقيب، في شخص عبد الرحمن الجيلاني. وكان النقيب نصيراً للإدارة البريطانية للبلاد في وجه التهديد الشيعي، وفي 1920 عينته لندن أول رئيس وزراء للعراق، بينما أصبح جرترود بل صديقاً شخصياً له. بل أن بعض المسئولين البريطانيين اعتبروا النقيب ملكاص محتملاً للعراق، لكنهم في النهاية مالوا إلى جانب فيصل، الذي أقنعوا النقيب بتأييده في نهاية المطاف – وتلك سياسة بريطانية لكسب تأييد مؤسسة الإسلام للحكام الملوك اتبعت أيضاً في أماكن أخرى. وفي يوبيو 1921، اعتمد مجلس الوزراء برئاسة النقيب بالإجماع قراراً بإعلان فيصل ملكاً دستورياً للعراق، وجرى تتويجه في الشهر التالي بعد إجراء استفتاء أِرف عليه البريطانيون أسفر عن تصويت 96 في المائة لصالح توليه العرش – وهو رقم لابد وأنه أثار إعجاب الحكام البلاشفة الجدد في روسيا.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
فلسطين والمفتي

تردد صدى تأييد بريطانيا لزعيم السنة في العراق وفلسطين في الوقت نفسه. وكانت خلفية ذلك هي أن الإنتداب الجديد لبريطانيا على فلسطين كان يعتبر حاسماً لتحقيق مصالحها في المنطقة، ويوفر لها موطئ قدم في شرقي البحر المتوسط، ومصداً بين قناة السويس وأعداء محتملين في الشمال، ويفتح طريقاً برياً حالياً لإحتياطات النفط الضخمة في العراق الذي تسيطر عليه بريطانيا. وكانت سياسة هوايتهول المقررة في فلسطين هي تحقيق وعد بلفور وإنشاء وطن للشعب اليهودي، لكن بدون الإضرار بالسكان العرب. وقد كتب الكثير عن أهداف بريطانيا في تنفيذ الوعد. وأعلن رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج أن الوعد الذي صدر قبل أسابيع من استيلاء القوات البريطانية على فلسطين من الأتراك في ديسمبر 1917، يهدف لضمان مساندة اليهود في الحرب العالمية الأولى.

وتنبه المؤرخ بابرا تاتشمان إلى أن هذا الوعد سمح لبريطانيا بأن تظفر بالأرض المقدسة بضمير مستريح، وكان المخططون البريطانيون قد عقدوا العزم على الإستيلاء على فلسطين في كل الأحوال لكن كان يتعين أن يتوفر لهم مبرر أخلاقي جيد، وتم إصدار الوعد لتمجيد تلك اللحظة الآخذة في الإقتراب.

كما اعتبرت بريطانيا أن إنشاء وطن قومي لليهود يحلق سكاناً تابعين يعول عليهم في هذه المنطقة المهمة من الناحية الإستراتيجية، وإبعاد الفرنسيين الذين يسيطرون على سوريا المجاورة عن الأراضي المحيطة بمنطقة قناة السويس والقريبة من شبه الجزيرة العربية.

وقد دام الحكم البريطاني في فلسطين ثلاثين عاماً إلى أن تم الإنسحاب العسكري في 1948. وواجه على نحو مستمر معارضة من السكان العرب الذين كانوا يشكلون الأغلبية، والذين كانوا يخشون أن تجبرهم الهجرة ايهودية المتزايدة عى النزوح، مع تزايد السكان اليهود الذين كانت رؤيتهم الصهيونية هي التجسيد للوطن القومي كما وعدهم به البريطانيون.

وانتهى الأمر بإدانة اليهود والعرب على حد سواء للسياسة التي تتبعها لندن بمقتضى الإنتداب. وكانت هذه السياسة إلى حد كبير من صنع ضباط القوات المسلحة والإدارة الإستعمارية في الميدان، وكان بعض منهم يفضل العرب والبعض الآخر يفضل اليهود.

ثم كان هناك أولئك الذين قالوا إنهم يكرهونم كليهما على قدم المساواة، مثل الجنرال سير ولاس كونجريف، وهو قائد عسكري بريطاني عالي الرتبة . . . فالعرب واليهود والمسيحيين في سوريا وفلسطين كلهم بهائم على حد سواء. وكلهم جميعاً لايساوون رجلاً إنجليزياً واحداً.

بيد أن الإستراتيجية البريطانية في فلسكين كانت إجمالاً تحابي السكان اليهود طوال العشرينيات والثلاثينيات في رعايتها للهجرة إلى فلسطين. وقد غير هذا التوازن الديموجرافي في فلسطين من 600 ألف عربي و80 ألف يهودي في 1917 إلى مليون عربي و400 ألف يهودي بحلول 1938.

وقد حدد الكتاب الأبيض الصادر في 1922 السياسة الأساسية، وهو الكتاب الذي وضعه ونستون تشرشل وزير المستعمرات الذي كان شاغله الأساسي هو ضمان ألا تستطيع أي أغلبية عربية أن تقف في طريق الهجرة اليهودية. إذ عارض تشرشل – وكان طوال عمره صهونياً – بانتظام أية إمكانية لكي يقرر العرب في فلسطين مصيرهم بأنفسهم ويقيموا دولة نيابية. كما اعتبر العرب أدنى منزلة من اليهود الذين زعموا أنهم حققوا الكثير جداً من الناحية الإقتصادية في فلسطين وأنهم جنس أعلى مرتبة من جحافل المسلمين الحاشدة العاجزين عن زراعة الأرض.

بيد أنه في هذا ال سياق الموالي لليهود أساساً عمل البريطانيون أيضاً على بناء قوى دينية عربية للحفاظ على النظام والسيطرة البريطانية في البلد. وتفدرت أول أعمال شغب معادية لليهود في الشوارع يقوم بها العرب في القدس في أبريل 1920، وخلفت خمسة من اليهود وأربعة من العرب قتلى ومئات من الجرحى.

وقد حرضت عدة شخصيات قيادية عربية على ما أصبح يعرف بأعمال شغب عيد الفصح، كان من بينها الحاج أمين الحسيني، ابن المفتى الأكبر للقدس، وهو زعيم ديني للعرب. وكان لقب المفتي الأكبر اختراعاً للبريطانيين الذين سعوا لتشجيع سلطة واحدة تمثل مسلمي فلسطين يستطيعون التفاوض معها، ويستطيعون أن يحكموا من خلالها. وأحدث هذا التحرك تحولاً فيما كان يشكل مجرد مسلم صاحب مقام قانوني رفيع إلى قائد للطائفة العربية المسلمة في فلسطين.

وخلال شغب عيد الفصح، عملت السلطات البريطانية على اعتقال الحسيني لقيامه بالتحريض، وحكمت عليه غيابياً بالسجن عشر سنوات، بعد هربوه إلى سوريا.

بيد أنه عقب وفاة والده، المفتي الأكبر، اتخذ المفوض السامي البريطاني هربرث صمويل خطوة غير عادية بالعفو عن الحسيني الذي كان يبلغ من العمر آنذاك ستة وعشرين عاماً وعينه مفتياً في أبريل 1921، بشرط أن يعد بالتعاون مع السلطات البريطانية ومن خلاله، أخذ البريطانيون يعملون حينذاك على إضعاف المشاعر العربية المعادية للإستعمار والتصدي لتطور حركة راديكالية شعبية ضد السياسة البريطانية ورعايتها لهجرة اليهود.

وترأس المفتي المجلس الإسلامي الأعلى، الذي أقيم برعاية البريطانيين في 1922، باعتباره الهيئة الرئيسية المسئولة عن شئون المسلمين في فلسطين، والذي حظى بنفوذ كبير على النظم القضائية والتعليمية والدينية والسياسية للعرب.

ويحاج طوم سجيف في تحليله لفلسطين في ظل الإنتداب البريطاني بأن الحسيني كان مناصراً صريحاً للإرهاب ضد الصهيوينة وأن تعيين البريطانيين له مفتياً لم يخفف من غلوائه، رغم أنه تحول علناً إلى الدعوة لوسائل سياسية مشروعة بدرجة أكبر لدعم القضية العربية.

ونشبت أعمال شغب وهجمات أخرى ضد اليهود في أغسطس 1929، مما أودى بحياة العشرات وجرح المئات، وشاع الإعتقاد بأن الجسيني هو الذي أشعلها في حين امتنعت الشرطة البريطانية عن التدخل. وعقب أعمال الشغب هذه، أصبح العنف والإرهاب السياسي سمة مستمرة وعادية للحياة في فلسطين، واستهدف العرب واليهود على حد سواء، واستهدف من بداية العقد الرابع البريطانيين أنفسهم، حيث استمروا يرعون مزيداً من موجات هجرة اليهود إلى فلسطين.

وفي 1931، عقد الحسيني مؤتمراً إسلامياً في القدس وسافر كثيراً لمختلف أنحاء العالم الإسلامي، لجمع الأموال وحشد التأييد، وكان ذلك على الدوام تحت حماية بريطانية شاملة.

وبحلول منتصف الثلاثينيات، وفي ذلك الوقت تطورت حركة الإحتجاج، وشجعت على تنظيم إضراب عام في 1936 وموجة من الإضطرابات الآخرى وأعمال المقاطعة والعنف. ولمدة سنوات ثلاث، استمر تمرد مكتمل الجوانب – وهو أول انتفاضة فلسطينية – متحدياً الجيش البريطاني الذي كان يربو على 50 ألف في البلاد.

وسيطر نحو 10 آلاف – 15 ألفاً من المقاتلين العرب المتمردين على كثير من أنحاء الريف واحتلوا كثيرا ً من المراكز الحضرية، وذلك فصل لايظهر كثيراً في كتب التاريخ البريطانية، لكن القوات البريطانية قمعتهم بوحشية، باعتقالات حاشدة، وإطلاق كثيف للرصاص، وقتل عشوائيـ وتدمير مئات البيوت وعقاب جماعي وسجن للآلآف دون محاكمة.

وإذ أدرك الحسيني أن الوضع وصل إلى نقطة تحول ولرغبته في البقاء مفتياً، تحول في النهاية إلى ناصرة ال تمرد وقيادته وتبني موقفاً معادياً للبريطانيين تماماً. وعندما قام منصبه رئيساً للمجلس الإسلامي الأعلى.

وبعد أن ساندت السلطات البريطانية الحسيني طوال خمسة عشر عاماً، أصبحت حينذاك تحرم حتى أي ذكر لإسمه أو توزيع لصورته. وفر إلى لبنان في 1937، ومن هناك استمر في قادة الإنتفاضة الفلسطينية.

بيد أن بحلول 1939، كان احتمال نشوب حرب مع ألمانيا يلوح في الأفق وشعرت السلطات البريطانية بالحاجة إلى الحفاظ على علاقات طيبة مع الدول العربية ومحالولة استرضاء الفلسطينين. وأعلن رئيس الوزراء نيفيل تشمبرلن في اجتماع وزاري عقد في أبريل 1939 أنه من الأهمية البالغة كسب العالم الإسلامي لصفنا وأنه إذا كان علينا أن نغضب طرف دعونا نغضب غاليهود وليس العرب. وهكذا فإنه بعد هزيمة التمرد بصورة وحشية، أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض في مايو 1939، سلم بكثير من المطالب العربية وحد من الهجرة اليهودية لفلسطين، موفراً للعرب القدرة على الحيلولة دون نشوء أغلبية يهودية. وأثارت هذه السياسة التي فسرها كثيرون بأنها تخل عن وعد بلفور، مرارة اليهود في كل مكان وأدت إلى مواجهة بين اليهود والبريطانيون بعد الحرب.

وبعد عامين من سحق الإنتفاضة، فر الحسيني إلى العراق، حيث ساعد في أبريل 1941 في تدبير مذبحة ضد اليهود خلفت مايربو على 400 يهودي عراقي قتلى خلال الإنقلاب العسكري الذي سانده النازيون على الحكومة الموالية للبريطانيين.

ودعا المفي للدهاد ضد البريطانيين، لكن الإنقلاب العراقي انهار بعد تدخل عسكري بريطاني أعاد حكومة موالية للبريطانيين. وحينذاك فر الحسيني مرة أخرى، إلى برلين هذه المرة حيث التقى هتلر وغيره من كبار المسئولين النازيين، وطور علقاات وثيقة من هنريتش هملر رئيس الجستابو.

وقد أيد المفتي النازيين طويلاً استناداً لعدائه للسامية ورغبته في تأمين دعمهم لفلسطين، تم إرسال بعض المعونات الألمانية إلى الفلسطيين إبان الإنتفاضة.

وأخذ الحسيني حينذاك يساعد النازيين في تجنبد مسلمين من البلقان لتكوين تشكيلة من الشعب الإسلامية من الجتسابو في شرقي أوروبا. ومع وجود مئات الآلآف من الجنود المسلمين في آلة الحرب النازية، تبني هتلر سياسة استخدام الإسلام حصناً ضد اعداء النازي – صربيا وروسيا الأرثوذوكسيتين، وكانت هذه الإستراتيجية صدى لإستخدام البريطانيين للإسلام ضد البلاشفة وكررها البريطانيون والأمريكيون مراراً ضد القوميين في البوسنة وكوسوڤو في التسعينيات.

وفي نهاية الحرب، هرب الحسيني من ألمانيا، ربما بمساعدة الحلفاء، ووضعته السلطات الفرنسية قيد الإعتقال في منزله في فرنسا. ثم هرب إلى مصر، حيث منحه نظام الملك فاروق الموالي لبريطانيا حق اللجوء السياسي، بعد مناشدة من الإخوان المسلمين نيابة عنه. ورفضت لندن الطلبات التي قدمتها الجماعات اليهودية بالحكم عليه باعتباره مجرم حرب خوفاً من أن يزيد التعرض للحسيني، الذي كان لايزال يحظى بالشعبية، القلاقل ضد الوجود البريطاني في مصر.

والواقع أن الحسيني بدأ في 1946 يعمل لصالح البريطانيين مرة أخرى، وتشير مصادر إلى أن الوكالة العربية للأنباء، وهي واجهة لإدارة المخابرات الخارجية أقيمت في القاهرة لنشر الدعاية لبريطانيا قد وظفته.

وهكذا فإنه بعد نحو ربع قرن من التعاون الأول مع الحسيني، كانت بريطانيا لاتزال مستعدة لإعتبار المفتي أداة للسياسة البريطانية، رغم دوره في الفترة الفاصلة في قيادة التمرد في فلسطين والتعاون مع النازيين. ومن ثم فإن استهداف المصلحة الخاصة في السياسة البريطانية، المجملة رغم كثرة التفاصيل كانت سابقة للإستخدام اللاحق الأكثر إسهاباً للمتأسلمين.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
مصر والإخوان المسلمون خلال الحرب

شهدت سنوات الحرب نمواً متواصلاً لحركة الإخوان المسلمين التي تطورت بقيادة حسن البنا إلى حركة جماهيرية متأسلمة.

فقد أصبحت جمعية إسلامية في مصر وأقامت فروعاً لها في السودان والأردن وسوريا وفلسطين وشمال أفريقيا.

ونادت جماعة الإخوان التي استهدفت إقامة دولة إسلامية تحت شعار القرآن دستورنا بالإلتزام الصارم بأحكام الإسلام وقدمت بديلاً دينياً لكل من الحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية في مصر والشرق الأوسط – وهي قوى كانت قد طفقت تصبح بمثابة تحد رئيسي لقوة بريطانيا والولايات المتحدة في المنطقة.

وقد اعتبرت بريطانيا أن مصر مرتكز وضعها في الشرق الأوسط منذ أن أعلنت الحماية على هذا البلد في بداية الحرب العالمية الأولى. وسيطرت الشركات البريطانية على الإستثمار الأجنبي والحياة التجارية في البلاد وأصبحت القاعدة العسكرية البريطانية في منطقة قناة السويس هي الأكبر في العالم عندما حان وقت الحرب العالمية الثانية. بيد أن السيطرة البريطانية على البلاد تعرضت للتحدي من قبل كل من الحركة القومية المتنامية والقوى الإسلامية للإخوان المسلمين، في حين كان حليف لندن في البلادفي نهاية المطاف، هو حاكمها الملك فاروق، الذي تولى العرش في 1936.

وقد دعا الإخوان المسلمون إلى الجهاد ضد اليهود إبان الثورة العربية أعوام 36-1939 في فلسطين، وأرسلوا متطوعين هناك بعد نداء وجهه المفتي، كما ساعدهم ضباط ألمان في بناء جناح عسكري. واعتبرت المنظمة البريطانيين قاهرين إمبراليين لمصر، وأثارت الناس ضد الإحتلال العسكري البريطاني للبلاد، خاصة بعد تمرد فلسطين. وفي السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية، انطوت الإستراتيجية البريطانية إزاء الإخوان في مصر في الأساس على محاولة قمعهم. ومع ذلك، في ذلك الوقت حظى الإخوان الذين تحالفوا مع اليمين السياسي، برعاية الملكية المصرية الموالية للبريطانيين، والتي بدأت تمول الإخوان في 1940، فقد اعتبر الملك فاروق الإخوان معارضاً مفيداً لقوة الحزب السياسي الرئيسي في البلاد – حزب الوفد الوطني العلماني – والشيوعيين. ونبه تقرير للمخابرات البريطانية في 1942 إلى أن القصر بدأ يرى أن الإخوان مفيدون وأضفى حمايته عليهم. وخلال ذلك الوقت، كانت السلطات ترعى كثيراً من الجمعيات الدينية في مصر لمعارضة خصومها أو تعزيز مصالح البريطانيين والقصر ومجموعات أصحاب النفوذ الآخرين.

وتم أول اتصال مباشر معروف بين المسئولين البريطانيين والإخوان في 1941، في وقت رأت في المخابرات البريطانية أن الحشود المناصرة للمنظمة وخططها للتخريب ضد بريطانيا هما أشد خطر يواجه الأمن العام في مصر. وفي ذلك العام، كانت السلطات المصرية قد سجنت البنا تنفيذاً لضغوط بريطانية، ولكن عند إطلاق سراحه فيما بعد في ذلك العام أجرى البريطانيون أول اتصال مع الإخوان. ووفق بعض التقارير، عرض المسئولون البريطانيون مساعدة المنظمة لشراء مساندتها. وكثرت النظريات حول ما إذا كان البنا قبل عرض البريطانيين تقديم المساندة أم رفضه، لكن في ضوء الهدوء النسبي للإخوان لبعض الوقت عقب هذه لفترة، فإنه من المحتمل أن تكون المعونة البريطانية قد قبلت.

وبحلول 1942 كانت بريطانيا قد بدأت على وجه القطع فيتمويل الإخوان. ففي 18 مايو عقد مسئولو السفارة البريطانية اجتماعاً مع أمين عثمان باشا رئيس وزراء مصر، نوقشت فيه العلاقات مع الإخوان وتم الإتفاق عدد من النقاط، كان أحدهما هو أن تدفع الحكومة المصرية سراً الدعم المقدم من حزب الوفد للإخوان المسلمين سراً وأنها ستحتاج في هذا الأمر إلى بعض المساعدة المالية من السفارة البريطانية. المعلومات التي يحصل عليها هؤلاء العملاء. وسنحبط بدورنا الحكومة بالمعلومات المتحصلة من مصادر بريطانية.

كما تم الإتفاق على أنه ينبغي بذل الجهد لإثارة الإنقسام في الحزب باستغلال أي خلافات قد تحدث بين القائدين حسن البنا وأحمد السكري.

كما سيقدم البريطانيون للحكومة قائمة بأعضاء الإخوان المسلمين الذين يعتبرونهم خطيرين، لكن لم تتخذ أي أعمال عدائية ضد المنظمة، بل كانت الإستراتيجية التي تم الإتفاق عليها هي القتل عن طريق تقديم الأفضال. واتفق على أن يسمح للبنا بإصدار صحيفة ونشر مقالات تؤيد المبادئ الديمقراطية – وبعد ذلك طريقة جيدة للمساعدة في تفكيك الإخوان، كما أعلن أحد الحاضرين للإجتماع.

كذلك ناقش الإجتماع كيف أن الإخوان يشكلون تنظيمات للتخريب ويتجسسون لحساب النازي. كما وصفوا بأنهم تنظيم ديني وظلامي محدود لكنه يمكن أن يحشد قوات للصدام في وقت الإضطرابات بما في ذلك فرق انتحارية.

وبعضوية تقدر بنحو 100-200 ألأف، كان الإخوان ضمناً معاديين للأوروبيين، ومعادين للبريطانيين بصفة خاصة، في ضوء وضعنا الإستثنائي في مصر ومن ثم فقد كانوا يأملون في انتصار المحور، الذين تصوروا أنه سيجعلهم أصحاب النفوذ السياسي المسيطر في مصر.

وبحلول 1944، كانت لجنة المخابرات السياسية البريطانية تصف الإخوان باعتبارهم خطراً محتملاص، لكنهم بقيادة ضعيفة: فقد اعتبرت أن البنا كان هو الشحصية البارزة الوحيدة وبدونه يمكن أن ينهاروا بسهولة. بيد أن هذا التحليل القاتل بإمكان زوال الجماعة جرت مراجعته في السنوات التالية، عندما تعهدها البريطانيون وتعاونوا معها في مواجهة العداء المتنامي للإستعمار في مصر.

وهكذا، فإنه بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، توافرت لبريطانيا بالفعل خبرة كبيرة في التواطؤ مع القوى الإسلامية لتحقيق أهداف معينة، في حين أدرك المسئولون البريطانيون أيضاً أن هذه القوى نفسها كانت بصفة عامة معراضة لسياسة بريطانيا الإمبريالية وأهدافها الإستراتيجية، كانوا أعواناً مؤقتين في ظروف محددة لتحقيق أهداف بعينها عندما كانت بريطانيا تفتقر إلى حلفاء آخرين أو إلى قوة كافية خاصة بها لتفرض أولوياتها.

وتعمقت هذه السياسة البريطانية النفعية بصورة كبيرة في عالم ما بعد الحرب حيث زادت الحاجة للإعوان في مناخ عالمي أصبح أكثر اتساماً بالتحدي بقدر كبير.
 

صانع

طاقم الإدارة
إنضم
30 نوفمبر 2021
المشاركات
10,704
مستوى التفاعل
29,164
المستوي
10
الرتب
10
Country flag
انتهاء الفصل الاول وان شاء الله فى القريب باقى الفصول
 

s e t

عضو مميز
إنضم
19 نوفمبر 2021
المشاركات
11,501
مستوى التفاعل
39,026
المستوي
10
الرتب
10

مذكرات مستر همفر


- بريطانيا تهدف إلى ضرب وحدة المسلمين وتدمير خلافتهم

ولذا كنا نضع الخطط الطويلة الأمد لأجل سيطرة التفرقة والجهل والفقر وأحيانا المرض على هذه البلاد.

لكن الذي كان يقلق بالنا هي البلاد الإسلامية، فإننا وإن كنا قد عقدنا مع الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا، وكانت تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) يلفظ نفسه في أقل من قرن.


جتماع همفر بابن عبد الوهاب

وجدت مكانا عند نجّار تعاقدت معه... وكان اسمه (عبد الرضا) وكان شيعيا فارسيا من أهالي (خراسان)، وقد انتهزت فرصة وجودي عنده أن أتعلم منه اللغة الفارسية، وكانت الشيعة العجم يجتمعون عنده كل عصر ويتكلمون بكل أقسام الكلام من سياسة إلى اقتصاد، وكانوا يتهجمون على حكومتهم كثيرا كما يتهجمون على الخليفة في الآستانة، أما إذا جاء زبون لا يعرفونه انقطعوا عن الكلام وأخذوا يتكلمون في قضاياهم الشخصية، وأني لا أعلم كيف وثقوا بي كل هذه الثقة، لكني علمت أخيرا أنهم ظنوا أني من أهالي (أذربيجان) حيث علموا أني أعرف اللغة التركية، وساعدهم على هذا الظن لوني المائل إلى البياض، اللون الغالب على أهالي (أذربيجان)، وهنا على هذا الحال تعرفت على شاب كان يتردد على هذا الدكان يعرف اللغات الثلاث التركية والفارسية والعربية، وكان في زى طلبة العلوم الدينية ويسمى (محمد عبد الوهاب)، وكان شابا طموحا للغاية عصبي المزاج، ناقما على الحكومة العثمانية. وكان سبب صداقته مع صاحب المحل (عبد الرضا) هو أن الاثنين كانا ناقمين على الخليفة، وأني لا أعلم من أين كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية مع أنه كان من أهل السنة وكيف صادق مع (عبد الرضا) الشيعي؟ إن كل الأمرين لم يكونا غريبين، ففي البصرة يلتقي السني بالشيعي كأنهما أخوة كما يعرف الكثير من القاطنين في البصرة اللغتين الفارسية والعربية، وأن كثيرا منهم يعرف أيضا اللغة التركية .

9-) همفر يصف ابن عبد الوهاب

كان الشاب الطموح (محمد) يقلد نفسه في فهم القرآن والسنة، ويضرب بآراء المشايخ. ليس مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب، بل بآراء أبي بكر وعمر أيضا بعرض الحائط. إذا هو فهم من الكتاب على خلاف ما فهموه الآخرين، وكان يقول أن الرسول قال أني مخلف فيكم الكتاب والسنة، ولم يقل أني مخلف فيكم الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب، ولذا فالواجب الكتاب والسنة مهما كانت أراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك. وقد جرى يوما حوار بين (محمد عبد الوهاب) وبين أحد علماء فارس اسمه الشيخ (جواد القمّي) الذي كان ضيفا عند (عبد الرضا) على مائدة الطعام التي ضيفنا عليها عبد الرضا في داره، وكان يحضر بعض أصدقاء صاحب البيت، فجرى بين محمد والشيخ جواد القمي حوار عنيف لم أحفظه كله، وإنما حفظت مقتطفات منه.


10-) ابن عبد الوهاب والشيخ الشيعي

قال له القمي : إذا كنت أنت متحررا ومجتهدا كما تدّعي فلماذا لا تتبع عليا كالشيعة؟

قال محمد : لأن عليا مثل عمر وغيره ليس قوله حجة، وإنما الحجة الكتاب والسنة فقط

قال القمي : ألم يقل الرسول (أنا مدينة العلم وعلي بابها) إذاً ففرق بين علي وباقي الصحابة

قال محمد : إذا كان قول علي حجة فلماذا لم يقل الرسول (كتاب الله وعلي بن أبي طالب)؟

قال القمي : بل قال حيث قال (كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، وعلي سيّد العترة

أنكر محمد عبد الوهاب أن يكون الرسول قال ذلك، لكن الشيخ القمي جاء بأدلة مقنعة حتى سكت محمد ولم يجد جوابا. لكن محمد اعترض عليه وقال: إذا قال الرسول كتاب الله وعترتي فأين سنة الرسول؟

قال القمي : سنة الرسول هي شرح لكتاب الله، فلما قال الرسول كتاب الله وعترتي أراد كتاب الله بشرحه الذي هو السنة

قال محمد : أليس كلام العترة شرحا لكتاب الله؟ فما الحاجة إليهم؟

قال القمي : لما مات الرسول احتاجت الأمة إلى شرح القرآن شرحا يطابق حاجيات الزمن، ولذا فالرسول أرجع الأمة إلى الكتاب كأصل وإلى العترة كشرح له فيما يتجدد من حاجات الزمن .

لقد أعجبت أنا بهذا البحث أيما أعجاب، ورأيت إنما محمدا الشاب أمام القمي كالعصفور في يد الصياد لا يتمكن تحركا .

11-) همفر يجد في ابن عبد الوهاب ضالته

ووجدت في (محمد عبد الوهاب) ضالتي المنشودة، فإن تحرره وطموحه من مشايخ عصره، ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن و السنة، كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلى نفسه، وأين هذا الشاب المغرور من ذاك الشيخ التركي الذي درست عنده في تركيا؟ فإنه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شيء. إنه كان إذا أراد أن يأتي باسم أبي حنيفة (كان الشيخ حنفي المذهب) قام وتوضأ ثم ذكر اسم أبي حنيفة، وإذا أراد أن يأخذ كتاب البخاري – و هو كتاب عظيم عند أهل السنة يقدسونه أيما تقديس – قام وتوضأ ثم أخذ الكتاب. أما الشيخ محمد عبد الوهاب فكان يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء. وكان يقول عن نفسه أني أكثر فهما من أبي حنيفة، وكان يقول أن نصف كتاب البخاري باطل.

12-) همفر وابن عبد الوهاب والصلة القوية

لقد عقدت بيني وبين محمد أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار وأبين له أنه أكثر موهبة من (علي وعمر) وأن الرسول لو كان حاضرا لأختارك خليفة له دونهما. وكنت أقول له دائما آمل في تجديد الإسلام على يديك فإنك المنقذ الوحيد الذي يرجى به انتشال الإسلام من هذه المسقطة.

13-) همفر يحاور ابن عبد الوهاب

قررت مع محمد أن نناقش تفسير القرآن على ضوء أفكارنا الخاصة لا على ضوء فهم الصحابة والمذاهب والمشايخ، وكنا نقرأ القرآن ونتكلم عن نقاط منها. كنت أقصد منها إيقاع محمد في الفخ، وكان هو يسترسل في قبول أفكاري ليظهر نفسه بمظهر المتحرر، وليجلب ثقتي أكثر فأكثر. قلت له ذات مرة : الجهاد ليس واجبا، قال : كيف وقد قال الله (جاهد الكفار)؟ قلت له يقول (جاهد الكفار والمنافقين)، فإذا كان الجهاد واجبا فلماذا لم يجاهد الرسول المنافقين؟ قال محمد : جاهدهم الرسول بلسانه. قلت : إذا فجهاد الكفار أيضا واجبا باللسان. قال : لكن الرسول حارب الكفار. قلت : حرب الرسول كان دفاعا عن النفس حيث أن الكفار أرادوا قتل الرسول فدفعهم. فهز محمد رأسه علامة الرضا .

14-) ابن عبد الوهاب وصفية [البريطانية]

وقلت له ذات مرة أن متعة النساء جائزة

قال : كلا

قلت : فالله يقول فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن

قال : عمر حرم المتعة قائلا : متعتان كانتا على عهد رسول الله و أنا أحرمهما وأعاقب عليهما .

قلت : أنت تقول أنا أعلم من عمر فلماذا تتبع عمر؟ ثم إذا قال عمر أنه حرمها وأن الرسول حللها فلماذا تترك رأي القرآن ورأي الرسول وتأخذ برأي عمر؟ فسكت، ولما وجدت سكوته دليل الاقتناع، وقد أثرت فيه الغريزة الجنسية (ولم تكن له إذ ذاك زوجة)، قلت له : ألا نتحرر أنا وأنت ونتخذ (متعة) نستمتع بها؟ فهز رأسه علامة الرضا، وقد اغتنمت أنا هذا الرضا أكبر اغتنام، وقررت موعدا لآتي بامرأة ليتمتع بها، من أجل أن أكسر خوفه من مخالفة الناس. لكنه اشترط على أن يكون الأمر سرا بيني وبينه وأن لا أخبر المرأة باسمه. فذهبت فورا إلى بعض النساء المسيحيات اللاتي كن مجندات من قبل وزارة المستعمرات لإفساد الشباب المسلم، ونقلت لها كامل القصة، وجعلت لها اسم (صفيّة) وفي يوم الموعد ذهبت بالشيخ محمد إلى دارها، وكانت الدار خالية إلا منها، فقرأنا أنا والشيخ صيغة العقد مدة أسبوع، وأمهرها الشيخ نقدا ذهبا، فأخذت أنا من الخارج وصفية من الداخل نتراوح على توجيه الشيخ محمد عبد الوهاب. وبعدما أخذت صفية من الشيخ كل مأخذ، وتذوق محمد حلاوة مخالفة أوامر الشريعة تحت غطاء الاجتهاد والاستقلال في الرأي والحرية، في اليوم الثالث من المتعة أجريت مع محمد حوارا طويلا عن (عدم تحريم الخمر)، واستدليت بآيات القرآنية وأحاديث زيفتها وقلت له لقد صح أن معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس كانوا يتعاطون الخمر فهل من الممكن أن يكون كل أولئك على ضلال وأنت على صواب؟ أنهم لا شك كانوا أفهم لكتاب الله وسنة الرسول مما يدل على أنهم لم يفهموا التحريم وإنما فهموا الكراهة والإعافة، وفي الأسفار المقدسة لليهود والنصارى إباحة الخمر، فهل يعقل أن يكون الخمر حراما في دين وحلالا في دين؟ والأديان كلها من إله واحد؟ ثم أن الرواة رووا أن عمر شرب الخمر حتى نزلت الآية (فهل أنتم منتهون) ولو كانت الخمرة حراما لعاقبه الرسول. فعدم عقاب الرسول دليل الحلية .

15-) ابن عبد الوهاب ومعاقرة الخمرة

أخذ يسمعني محمد بكل قلبه، ثم تنهد وقال : بل تثبت في بعض الأخبار أن عمر يكسر الخمر في الماء و يشربها، ويقول أن سكرها حرام، لا إن لم تكن تسكر. ثم أردف محمد قائلا : وكان عمر صحيح الفهم في ذلك لأن القرآن يقول (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة)، فإذا لم تُسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التي ذكرت في الآية وعليه فلا نهى عن الخمر، إذا لم تكن مسكرة .

أخبرت (صفية) بما جرى، وأكدت عليها أن تسقي محمد في هذه المرة الخمرة مغلفة ففعلت وأخبرتني أن الشيخ شرب حتى الثمالة وعربد وجامعها عدة مرات في تلك الليلة، وقد رأيت أنا آثار الضعف والنحول عليه غداة تلك الليلة. وهكذا استوليت أنا وصفية على الشيخ محمد استيلاء كاملا. ويا لها من روعة تلك الكلمة الذهبية، قالها لي وزير المستعمرات حين ودعته (إنا استرجعنا أسبانيا من الكفار (يقصد المسلمين) بالخمر والبغاء، فلنحاول أن نسترجع سائر بلادنا بهاتين القوتين العظيمتين .
 

s e t

عضو مميز
إنضم
19 نوفمبر 2021
المشاركات
11,501
مستوى التفاعل
39,026
المستوي
10
الرتب
10
من حوارات همفر مع ابن عبد الوهاب

ذات مرة تكلمت مع الشيخ محمد عن الصوم وقلت له : إن القرآن يقول (وأن تصوموا خير لكم) ولم يقل أنه واجب عليكم، فالصوم بنظر الإسلام مندوب وليس واجب، لكنه قاوم الفكرة وقال لي :

يا محمد تريد أن تخرجني من ديني؟ قلت له : يا وهاب إن الدين هو صفاء القلب و سلامة الروح وعدم الاعتداء على الآخرين، ألم يقل النبي (الدين الحب)؟ وألم يقل الله في القرآن الحكيم (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)؟ فإذا حصل للإنسان اليقين بالله واليوم الآخر، وكان طيب القلب نظيف العمل كان من أفضل الناس. لكنه هز رأسه علامة النفي وعدم الارتياح. ومرة أخرى قلت له :

الصلاة ليست واجبة. قال : وكيف؟ قلت : لأن في القرآن يقول الله (وأقِم الصلاة لذكري) فالمقصود من الصلاة ذكر الله تعالى، فلك أن تذكر الله تعالى عوضا عن الصلاة. قال محمد : نعم سمعت أن بعض العلماء كانوا يذكرون الله تعالى في أوقات الصلاة عوضا عن الصلاة. ففرحت لكلامه أيما فرح، وأخذت أنفخ بهذا الرأي حتى ظننت أني استوليت على لبّه، وبعد ذلك وجدته لا يهتم لأمر الصلاة، فأحيانا يصلي وأحيانا لا يصلي خصوصا في الصباح، فإنه كان يترك الصلاة غالبا، حيث كنت أسهر معه إلى بعد منتصف الليل غالبا فكان منهوك القوى عند الصباح فلا يقوم للصلاة. وهكذا أخذت أسحب رداء الإيمان من عاتق الشيخ شيئا فشيئا. وأردت ذات مرة أن أناقش حول الرسول لكنه صمد في وجهي صمودا كبيرا، و قال لي : إن تكلمت بعد ذلك حول هذا الموضوع قطعت علاقتي بك. وخشيت أن ينهار كل ما بنيته، من أجل ذلك أحجمت عن الكلام، لكن أخذت في إذكاء روحه في أن يكون لنفسه طريقا ثالثا غير السنة والشيعة، وكان يستجيب لهذا الإيحاء كل استجابة، لأنه يملأ غروره وتحرره. وبفضل (صفية) التي دامت علاقتها معه بعد الأسبوع أيضا في متعات متعددة تمكنا بالأخذ بقيادة الشيخ محمد كاملا. وذات مرة قلت للشيخ :

هل صحيح أن النبي آخى بين الصحابة؟ قال : نعم. قلت : هل أحكام الإسلام وقتية أم دائمة؟ قال محمد : بل دائمة لأن الرسول يقول (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة). قلت : إذا فلنواخي أنا وأنت. ومنذ ذلك الحين كنت أتبعه في كل سفر وحضر، وكنت أهتم لأن تأتي الشجرة التي غرستها ثمارها التي صرفت لأجلها أثمن أوقات شبابي. وكنت أكتب بالنتائج إلى وزارة المستعمرات كل شهر مرة. كما كانت عادتي منذ أن خرجت من لندن وكان الجواب يأتي بالتشجيع الكافي، فكنت أنا ومحمد نسير بالطريق الذي رسمناه بخطي سريعة، ولم أكن أفارقه لا في السفر ولا في الحضر، وكانت مهمتي أن أنمي فيه روح الاستقلال والحرية، وحالة التشكيك، وكنت أبشره دائما بمستقبل باهر وأمدح فيه روحه الوقادة ونفسه النفاذة. ولفقت له ذات مرة (حلما) فقلت له أني رأيت البارحة في المنام رسول الله – وصفته بما كنت سمعته من خطباء المنابر – جالسا على كرسي وحوله جماعة من العلماء لم أعرف أحدا منهم وإذا بي أراك قد دخلت ووجهك يشرق نورا فلما وصلت إلى الرسول قام الرسول إجلالا وقبّل بين عينيك وقال لك : يا محمد أنت سمييّ ووارث علمي والقائم مقامي في إدارة شؤون الدين والدنيا (فقلت أنت) يا رسول الله إني أخاف أن أظهر علمي على الناس؟ قال رسول الله لك : لا تخف إنك أنت الأعلى.

فلما سمع محمد مني هذا المنام كاد أن يطير فرحا ، وسألني مكررا هل أنت صادق في رؤياك؟

وكلما سأل أجبته بالإيجاب حتى اطمأن، وأظن أنه صمم من ذلك اليوم على إظهار أمره .
 

s e t

عضو مميز
إنضم
19 نوفمبر 2021
المشاركات
11,501
مستوى التفاعل
39,026
المستوي
10
الرتب
10
وزارة المستعمرات البريطانية مهتمة لأمر ابن عبد الوهاب

وضع لي السكرتير موعدا للاجتماع بنفس الوزير، ولما زرته رحب بي ترحيبا حارا يختلف عن ترحيبه السابق عندما عدتُ من الآستانة إلى لندن، وظهر لي أنني شغلت من قلبه مكانا لائقا. وقد أبدى الوزير ارتياحه الكبير من السيطرة على محمد، وقال : أنه ضالة الوزارة، وأكد علي مكررا بأن أعاهده بكل أنواع المعاهدة، وقال أنك لو لم تحصل في كل أتعابك إلا على الشيخ، كان ذلك جديرا بكل تلكم الأتعاب.

إجماع تقارير جواسيس بريطانيا ترشح ابن عبد الوهاب

بقيت في لندن مدة شهر آخر حتى أتتنا أوامر الوزارة بالتوجه إلى العراق مرة أخرى، لتكميل الشوط مع (محمد عبد الوهاب) وقد أمرني السكرتير بأن لا أفرط في حقه مقدار ذرة حيث قال أنه حصل من مختلف التقارير الواردة إليه من العملاء أن الشيخ أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطية لمآرب الوزارة. ثم قال السكرتير: تكلم مع الشيخ بصراحة. وقال أن عميلنا في أصفهان، تكلم معه بصراحة، وقبل الشيخ العرض على أن نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لابد وأن يهاجموه بكافة السبل حينما يبدي آرائه وأفكاره، وأن يزوده بالمال الكافي والسلاح إذا اقتضى الأمر ذلك، وأن نجعل له إمارة ولو صغيرة في أطراف بلاده (نجد) وقد قبلت الوزارة كل ذلك .

- ابن عبد الوهاب والوثيقة البريطانية معه

لقد كدتُ أخرج عن جلدي من شدة الفرح بهذا النبأ، قلت للسكرتير : إذن فما هو العمل الآن؟

وبماذا أكلّف الشيخ، ومن أين أبدأ؟ قال السكرتير : لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لأن ينفذها الشيخ وهي :

1-) تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة، رجالهم جعلهم عبيدا ونسائهم جواري .

2-) وهدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية إن أمكن ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم .

3-) والسعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضا محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم .

4-) وهدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي (محمد) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسّر .

5-) ونشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه .

6-) ونشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيصة .
 

Shokry

ولقلبي أنتِ بعد الدين دين
طاقم الإدارة
إنضم
18 نوفمبر 2021
المشاركات
20,769
مستوى التفاعل
77,459
المستوي
11
الرتب
11
مذكرات همفر ، الجاسوس البريطاني إلى الشرق الأوسط وتطفل الوهابية - تطفل الوهابية


frute-vendor-baghdad-1915.jpg

مذكرات همفر ، الجاسوس البريطاني للشرق الأوسط وتطفل الوهابية​

اعترافات جاسوس بريطاني وعداء بريطاني للإسلام

مذكرات همفر ، الجاسوس البريطاني إلى الشرق الأوسط هو عنوان وثيقة نُشرت في سلسلة (حلقات) في الصحيفة الألمانية شبيجل وفيما بعد في صحيفة فرنسية بارزة. قام طبيب لبناني بترجمة الوثيقة إلى اللغة العربية ومن هناك تمت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ولغات أخرى. قامت منشورات وقف الإخلاص بإخراج الوثيقة وتوزيعها باللغة الإنجليزية في نسخة ورقية وإلكترونياً تحت عنوان: اعترافات جاسوس بريطاني وعداء بريطاني للإسلام. تكشف هذه الوثيقة عن الخلفية الحقيقية للحركة الوهابية التي ابتدعها محمد بن عبد الوهاب وتشرح الكذب العديدة التي نشروها باسم الإسلام وتكشف دورهم في العداء لدين الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وتجاه المسلمين بشكل عام. لا عجب أن الوهابيين اليوم يقفون العمود الفقري للإرهاب الذي يسمح بتمويل وتخطيط سفك دماء المسلمين وغيرهم من الأبرياء. إن تاريخهم المعروف في الإرهاب كما وثق في فتنة الوهابية من قبل مفتي مكة الشيخ أحمد زيني دحلان ، واغتيالاتهم ومخالفتهم الحالية ترجع إلى اعتقادهم الخاطئ بأن الجميع كفار ينقذون أنفسهم. حفظ الله أمتنا من شرورهم.

مذكرات همفر ، الجاسوس البريطاني للشرق الأوسط

الجزء الأول
يقول Hempher:


إن بريطانيا العظمى شاسعة للغاية. تشرق الشمس على بحارها ، وتغيب مرة أخرى تحت بحارها. دولتنا ضعيفة نسبيًا لكنها في مستعمراتها في الهند والصين والشرق الأوسط. هذه البلدان ليست بالكامل تحت سيطرتنا. ومع ذلك ، فإننا ننتهج سياسة نشطة للغاية وناجحة في هذه الأماكن. سنمتلكهم جميعًا بشكل كامل قريبًا جدًا. هناك شيئان مهمان:

1- محاولة الاحتفاظ بالأماكن التي حصلنا عليها بالفعل ؛

2- محاولة الاستيلاء على تلك الأماكن التي لم نحصل عليها بعد.

كلفت وزارة المستعمرات لجنة من كل مستعمرة لتنفيذ هاتين المهمتين. بمجرد دخولي إلى وزارة المستعمرات ، وضع الوزير ثقته بي وعينني مديرًا لشركة الهند الشرقية. ظاهريا كانت شركة تجارية. لكن مهمتها الحقيقية كانت البحث عن طرق للسيطرة على الأراضي الشاسعة جدًا في الهند.

لم تكن حكومتنا متوترة على الإطلاق بشأن الهند. كانت الهند بلدًا يعيش فيه أناس من جنسيات مختلفة ، ويتحدثون لغات مختلفة ، ولديهم اهتمامات متباينة معًا. ولم نكن خائفين من الصين. بالنسبة للأديان السائدة في الصين كانت البوذية والكونفوشيوسية ، ولم يكن أي منهما يمثل تهديدًا كبيرًا. كلاهما كانا ديانتين ميتتين لم تؤسس أي اهتمام بالحياة ولم تكن أكثر من شكل من الخطابات. لهذا السبب ، من غير المرجح أن يكون لدى الأشخاص الذين يعيشون في هذين البلدين أي مشاعر وطنية. لم تقلقنا هاتان الدولتان ، الحكومة البريطانية. ومع ذلك ، فإن الأحداث التي قد تحدث فيما بعد لم تكن خارجة عن الاعتبار بالنسبة لنا. لذلك ، كنا نصمم خططًا طويلة المدى لشن الفتنة والجهل والفقر وحتى الأمراض في هذه البلدان. كنا نقلد عادات وتقاليد هذين البلدين ، وبالتالي نخفي نوايانا بسهولة.

Joseph_Chamberlain_MP.png

جوزيف تشامبرلين وزير الدولة للمستعمرات، 1895-1903​

أكثر ما أزعج أعصابنا هو البلدان الإسلامية. لقد عقدنا بالفعل بعض الاتفاقيات ، وكلها لصالحنا ، مع الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية). تنبأ أعضاء ذوو خبرة في وزارة المستعمرات بأن هذا الرجل المريض سيموت في أقل من قرن. بالإضافة إلى ذلك ، فقد عقدنا بعض الاتفاقيات السرية مع الحكومة الإيرانية ، ووضعنا في هذين البلدين رجال دولة كنا قد عملناهم على البناء. إن الفساد مثل الرشوة والإدارة غير الكفؤة والتعليم الديني غير الملائم ، والذي أدى بدوره إلى الانشغال بالنساء الجميلات وبالتالي إهمال الواجب ، حطم العمود الفقري لهذين البلدين. على الرغم من كل ذلك ، كنا قلقين من أن أنشطتنا يجب ألا تسفر عن النتائج التي توقعناها ، لأسباب سأذكرها أدناه:

1- المسلمون مخلصون للغاية للإسلام. يرتبط كل فرد مسلم بقوة بالإسلام مثل الكاهن أو الراهب بالمسيحية ، إن لم يكن أكثر. كما هو معروف ، يفضل الكهنة والرهبان الموت على التخلي عن المسيحية. أخطر هؤلاء هم الشيعة في إيران. فإنهم يحطون من غير الشيعة بالكفر والأشرار. المسيحيون مثل الأوساخ المؤذية عند الشيعة. بطبيعة الحال ، قد يبذل المرء قصارى جهده للتخلص من الأوساخ.

سألت ذات مرة شيعيًا هذا السؤال: لماذا تنظر إلى المسيحيين على هذا النحو؟ كان الجواب: "كان نبي الإسلام رجلاً حكيماً جداً. لقد وضع المسيحيين تحت المرجع الروحي
الضغط لجعلهم يجدون الطريق الصحيح من خلال الانضمام إلى دين الله ، الإسلام. في واقع الأمر ، فإن سياسة الدولة هي إبقاء الشخص الذي يُعتبر خطيراً تحت الاضطهاد الروحي حتى يتعهد بالطاعة. القذارة التي أتحدث عنها ليست مادية. إنه اضطهاد روحي ليس خاصًا بالمسيحيين وحدهم. فيه أهل السنة وجميع الكافرين. حتى أسلافنا الإيرانيين المجوس القدامى سيئون عند الشيعة ".

فقلت له: "حسنًا! أهل السنة والنصارى يؤمنون بالله والأنبياء ويوم القيامة أيضاً. لماذا يجب أن يكونوا قذرون ، إذن؟ " فأجاب: هم قذرون لسببين: هم ينسبون الكذب إلى نبينا حضرت محمد حفظنا الله من مثل هذا الفعل! (1) * ونحن ، ردًا على هذا التفسير الشنيع ، نتبع القاعدة الواردة في القول: إذا عذبك شخص ، يمكنك أن تعذبه بالمقابل ، ونقول لهم: أنت فاسد. ثانيًا ؛ المسيحيون يوجهون ادعاءات مسيئة لأنبياء الله. على سبيل المثال ، يقولون: عيسى (عليه السلام) كان يشرب المشروبات (الكحولية). لأنه كان ملعونًا ، صلب.

قلت للرجل في ذعر أن المسيحيين لم يقلوا ذلك. كان الجواب "نعم ، يفعلون" ، "وأنت لا تعرف. هو مكتوب هكذا في الكتاب المقدس. " أصبحت هادئًا. لأن الرجل كان محقًا في المقام الأول ، إن لم يكن في الجانب الثاني. لم أرغب في مواصلة النزاع أكثر من ذلك. وإلا فإنهم قد يشتبهون في أني أرتدي الزي الإسلامي كما كنت. لذلك تجنبت مثل هذه الخلافات.

2- كان الإسلام في يوم من الأيام دين إدارة وسلطة. وكان المسلمون محترمين. سيكون من الصعب إخبار هؤلاء الأشخاص المحترمين بأنهم عبيد الآن. ولن يكون من الممكن تزييف التاريخ الإسلامي والقول للمسلمين: إن الشرف والاحترام الذي حصلت عليه في وقت ما كان نتيجة لبعض الشروط (المواتية). لقد ولت تلك الأيام الآن ، ولن يعودوا أبدًا.

3- كنا قلقين للغاية من أن يلاحظ العثمانيون والإيرانيون مؤامراتنا ويفشلونها. على الرغم من حقيقة أن هاتين الدولتين قد أصابتهما الضعف بالفعل إلى حد كبير ، إلا أننا ما زلنا غير متأكدين لأن لديهما حكومة مركزية بالممتلكات والأسلحة والسلطة.

4- كنا قلقين للغاية بشأن علماء الإسلام. بالنسبة لعلماء اسطنبول والأضار ، كان العلماء العراقيون والدمشقيون عقبات لا يمكن التغلب عليها أمام مقاصدنا. لأنهم كانوا من النوع الذي لن يتنازل عن مبادئهم إلى الحد الأدنى لأنهم انقلبوا على الملذات والزينة العابرة في العالم ، وركزوا أعينهم على الجنة التي وعد بها القرآن الكريم. تبعهم الناس. حتى السلطان كان يخاف منهم. لم يكن السنة ملتزمين بقوة بالعلماء مثل الشيعة. فالشيعة لم يقرؤوا الكتب. لقد اعترفوا بالعلماء فقط ، ولم يبدوا الاحترام الواجب للسلطان. أما أهل السنة فيقرأون كتباً وعلماء محترمين وسلطان.

لذلك قمنا بإعداد سلسلة من المؤتمرات. ومع ذلك ، في كل مرة حاولنا فيها ، رأينا بخيبة أمل أن الطريق كان مغلقًا أمامنا. كانت التقارير التي تلقيناها من جواسيسنا دائمًا محبطة ، ولم تؤد المؤتمرات إلى شيء. لكننا لم نفقد الأمل. لأننا من الأشخاص الذين طوروا عادة أخذ نفس عميق والتحلي بالصبر.

حضر أحد مؤتمراتنا الوزير نفسه ، أعلى الرهبان ، وعدد قليل من المتخصصين. كان هناك عشرين منا. استمر مؤتمرنا ثلاث ساعات واختتمت الجلسة الأخيرة دون أن تصل إلى نتيجة مثمرة. فقال كاهن: "لا تقلق! لأن المسيح ورفاقه لم يحصلوا على السلطة إلا بعد اضطهاد دام ثلاثمائة سنة. المأمول أن يراقبنا من عالم المجهول ، ويمنحنا الحظ السعيد في طرد الكفار ، (يقصد المسلمين) ، من مراكزهم ، بعد ثلاثمائة عام. بإيمان قوي وصبر طويل الأمد ، يجب أن نسلح أنفسنا! من أجل الحصول على السلطة ، يجب أن نمتلك جميع أنواع الوسائط ، ونجرب كل الطرق الممكنة. يجب أن نحاول نشر المسيحية بين المسلمين. سيكون من الجيد لنا أن نحقق هدفنا ، حتى لو كان بعد قرون. للآباء يعملون لأبنائهم ".

وعقد مؤتمر وحضره دبلوماسيون ورجال دين من روسيا وفرنسا وكذلك من إنجلترا. كنت محظوظا جدا. أنا أيضًا حضرت لأنني والوزير كانا في حالة جيدة جدًا. في المؤتمر ، تمت مناقشة خطط تقسيم المسلمين إلى مجموعات وجعلهم يتخلون عن عقيدتهم وتقريبهم إلى الاعتقاد (تنصيرهم) كما هو الحال في إسبانيا. ومع ذلك ، فإن الاستنتاجات التي تم التوصل إليها لم تكن كما كان متوقعا. لقد كتبت كل المحادثات التي عقدت في ذلك المؤتمر في كتابي "Ilaa Melekoot-El-Meseeh".

من الصعب اقتلاع شجرة فجأة من جذورها. لكن يجب أن نجعل المصاعب سهلة ونتغلب عليها. انتشرت المسيحية. وعدك ربنا المسيح
ق هذا. ساعدت الظروف السيئة التي كان فيها الشرق والغرب محمد. لقد أزالت تلك الظروف الآلام (يقصد الإسلام) التي صاحبتهم.

نلاحظ بسرور اليوم أن الوضع قد تغير تماما. نتيجة للأعمال والمساعي العظيمة لوزارتنا والحكومات المسيحية الأخرى ، بدأ المسلمون في الانحدار الآن. من ناحية أخرى ، فإن المسيحيين يكتسبون السيادة. لقد حان الوقت لاستعادة الأماكن التي فقدناها عبر القرون. إن دولة بريطانيا العظمى القوية هي الرائدة في هذه المهمة المباركة [لإبادة الإسلام] !!.
 

Shokry

ولقلبي أنتِ بعد الدين دين
طاقم الإدارة
إنضم
18 نوفمبر 2021
المشاركات
20,769
مستوى التفاعل
77,459
المستوي
11
الرتب
11
الجزء الثاني

في سنة 1122 هجرية 1710 م أرسلني وزير المستعمرات إلى مصر والعراق والحجاز واسطنبول لأعمل كجاسوس وللحصول على المعلومات الضرورية والكافية لتفريق المسلمين. عينت الوزارة تسعة أشخاص آخرين ، مليئين بالرشاقة والشجاعة ، لنفس المهمة وفي نفس الوقت. بالإضافة إلى الأموال والمعلومات والخرائط التي نحتاجها ، حصلنا على قائمة تحتوي على أسماء رجال الدولة والعلماء ورؤساء القبائل. لا أستطيع أن أنسى! عندما ودعت الوزير ، قال: "إن مستقبل دولتنا يعتمد على نجاحك. لذلك يجب أن تبذل قصارى جهدك ".

انطلقت في رحلة إلى اسطنبول ، مركز الخلافة الإسلامية. بالإضافة إلى واجبي الأساسي ، كنت أتعلم اللغة التركية جيدًا ، وهي اللغة الأم للمسلمين المتواجدين هناك. لقد تعلمت بالفعل في لندن قدرًا كبيرًا من التركية والعربية (لغة القرآن) والفارسية ، اللغة الإيرانية. ومع ذلك ، كان تعلم اللغة مختلفًا تمامًا عن التحدث بتلك اللغة مثل المتحدثين الأصليين لها. في حين أن المهارة السابقة يمكن اكتسابها في غضون بضع سنوات ، فإن الأخيرة تتطلب مدة زمنية عدة مرات مثل هذا. كان علي أن أتعلم اللغة التركية بكل خفاياها خشية أن يشكني الناس بي.

Bb4unJUwWIwzUIYuCaczN5bcaM0JISNM.jpg

لم أكن قلقة من أن يشتبهوا بي. بالنسبة للمسلمين متسامحون ومنفتحون وخيرون ، كما تعلموا من نبيهم محمد "عليه السلام". إنهم ليسوا متشككين مثلنا. بعد كل شيء ، في ذلك الوقت لم يكن لدى الحكومة التركية منظمة لاعتقال الجواسيس.

بعد رحلة شاقة وصلت إلى اسطنبول. قلت أن اسمي محمد وبدأت أذهب إلى المسجد ، معبد المسلمين. أحببت الطريقة التي يلتزم بها المسلمون بالانضباط والنظافة والطاعة. قلت لنفسي للحظة: لماذا نحارب هؤلاء الأبرياء؟ هل هذا ما نصحنا به ربنا المسيح؟ لكنني تعافيت حالا من هذا الفكر الشيطاني [!] وقررت أن أقوم بواجبي على أحسن وجه.

التقيت في اسطنبول بعالم قديم يُدعى "أحمد أفندي". بأخلاقه الأنيقة ، وقلبه المنفتح ، والليونة الروحية ، والإحسان ، لم يكن بإمكان أي من رجالنا المتدينين الذين رأيتهم أن يضاهيه. هذا الشخص سعى ليل نهار ليجعل نفسه مثل النبي محمد. ووفقًا له ، كان محمد هو الرجل الأكثر كمالًا وأعلى الرجال. كلما ذكر اسمه تبلل عيناه. لا بد أنني كنت محظوظًا جدًا ، لأنه لم يسأل حتى من أنا أو من أين أتيت. كان يخاطبني باسم "محمد أفندي". كان يجيب على أسئلتي ويعاملني بالحنان والرحمة. لأنه اعتبرني ضيفًا أتى إلى اسطنبول للعمل في تركيا والعيش في ظل الخليفة ممثل النبي محمد. في الواقع ، كانت هذه هي الذريعة التي كنت أستخدمها للبقاء في اسطنبول

ذات يوم قلت لأحمد أفندي: "والداي ماتا. ليس لدي أي إخوة أو أخوات ، ولم أرث أي ممتلكات. لقد جئت إلى مركز الإسلام للعمل من أجل لقمة العيش وتعلم القرآن الكريم والسنة ، أي لكسب كل من احتياجاتي الدنيوية وحياتي في الآخرة ". لقد كان سعيدًا جدًا بكلماتي هذه ، وقال ، "أنت تستحق الاحترام لهذه الأسباب الثلاثة." أنا أكتب بالضبط ما قاله:

1- أنت مسلم. كل المسلمين إخوة.

2- أنت ضيف. صرح رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "قدموا كرم الضيافة لضيوفكم!"

3- تريد العمل. وفي حديث شريف أن (العامل محبوب إلى الله).

هذه الكلمات أسعدتني كثيرا. قلت لنفسي ، "ليت هناك مثل هذه الحقائق المشرقة في المسيحية أيضًا! إنه لأمر مخز أنه لا يوجد أي شيء ". ما أدهشني هو حقيقة أن الإسلام ، مثل هذا الدين النبيل ، قد انحط في أيدي هؤلاء الأشخاص المغرورون الذين لم يكونوا على دراية بما يجري في الحياة.

قلت لأحمد أفندي أنني أريد أن أتعلم القرآن الكريم. أجاب بأنه سيعلمني بكل سرور ، وبدأ يعلمني (فاتحة سورة). كان يشرح المعاني كما نقرأ. واجهت صعوبة كبيرة في نطق بعض الكلمات. في غضون عامين قرأت القرآن الكريم كاملاً. قبل كل درس كان يتوضأ بنفسه ويأمرني أيضًا أن أتوضأ. كان يجلس باتجاه القبلة ثم يبدأ التدريس.

ما يسميه المسلمون الوضوء يتألف من سلسلة من الاغتسالات ، كما
يتبع:

1) غسل الوجه.

2) غسل الذراع اليمنى من الأصابع إلى المرفقين ؛

3) غسل الذراع اليسرى من الأصابع إلى المرفقين ؛

4) عمل ماسة من (ترطيب اليدين وفركهما برفق) الرأس وظهر الأذنين وظهر العنق.

5) غسل كلا القدمين.

اضطراري إلى استخدام المسواك أزعجني كثيرًا. "السواك" غصين ينظفون به أفواههم وأسنانهم. اعتقدت أن قطعة الخشب هذه ضارة بالفم والأسنان. أحيانًا يؤذي فمي ويسبب نزيفًا. ومع ذلك كان علي أن أستخدمه. فبحسب قولهم ، فإن استعمال "السواك" هو سنة مؤكد للنبي. قالوا إن هذا الخشب كان مفيدًا جدًا. وبالفعل انتهى نزيف أسناني. وذهبت النفس الكريهة التي كانت لدي حتى ذلك الوقت ، والتي كانت لدى معظم البريطانيين.

خلال إقامتي في اسطنبول قضيت الليالي في غرفة استأجرتها من رجل مسؤول عن الخدمة في مسجد. كان اسم هذه الخادمة "مروان أفندي". مروان هو اسم أحد الصحابة للنبي محمد. كان الخادم رجلاً عصبيًا للغاية. كان يتباهى باسمه ويخبرني أنه إذا كان يجب أن يكون لي ابن في المستقبل ، فيجب أن "أطلق عليه اسم مروان ، لأن مروان أحد أعظم محاربي الإسلام".

كان "مروان أفندي" يعد العشاء المسائي. لن أذهب إلى العمل يوم الجمعة ، عطلة للمسلمين. في الأيام الأخرى من الأسبوع كنت أعمل لدى نجار يدعى خالد ، أتقاضى أجرًا أسبوعيًا. لأنني عملت بدوام جزئي ، من الصباح حتى الظهر ، أي أنه كان يعطيني نصف الأجر الذي كان يدفعه للموظفين الآخرين. كان هذا النجار يقضي معظم وقت فراغه في الحديث عن فضائل "خالد بن الوليد". خالد بن الوليد ، من صحابة النبي محمد ، مجاهد عظيم (محارب للإسلام). أنجز العديد من الفتوحات الإسلامية. ومع ذلك ، فإن إقالته (خالد بن الوليد) من منصبه من قبل عمر بن حطاب خلال الخلافة الأخيرة أزعجت قلب النجار (2) *.

"خالد" ، النجار الذي عملت لديه ، كان شخصًا غير أخلاقي وعصابي للغاية. بطريقة ما وثق بي كثيرا. لا أعرف لماذا ، لكن ربما كان ذلك لأنني كنت أطيعه دائمًا. لقد تجاهل وصايا الإسلام في أخلاقه السرية. لكن عندما كان مع أصدقائه كان يطيع وصايا الشريعة. كان يحضر صلاة الجمعة ، لكني لست متأكداً من الصلوات الأخرى (اليومية).

كنت سأتناول الفطور في المحل. بعد العمل أذهب إلى المسجد لأداء صلاة الظهر وأبقى فيه حتى صلاة العصر. بعد صلاة العصر كنت أذهب إلى منزل أحمد أفندي ، حيث يعلمني دروسًا مثل (قراءة) القرآن الكريم ، واللغات العربية والتركية لمدة ساعتين. كل يوم جمعة كنت سأعطيه أرباحي الأسبوعية لأنه علمني جيدًا. في الواقع ، علمني جيدًا كيفية قراءة القرآن الكريم ومتطلبات الدين الإسلامي ودقة اللغتين العربية والتركية.

عندما علم "أحمد أفندي" أنني أعزب ، أراد أن يتزوجني بإحدى بناته. لقد رفضت عرضه. لكنه أصر ، قائلاً إن الزواج من سنة النبي ، وكان النبي قد ذكر أن "من يبتعد عن سنتي ليس معي". خوفًا من أن هذا الحدث قد يضع حدًا لتعاملاتنا الشخصية ، كان علي أن أكذب عليه ، وأقول إنني أفتقر إلى القوة الجنسية. وهكذا حرصت على استمرار معرفتنا وصداقتنا.

عندما انتهت إقامتي في اسطنبول لمدة عامين ، أخبرت "أحمد أفندي" أنني أريد العودة إلى المنزل. قال ، "لا ، لا تذهب. لماذا انت ذاهب؟ يمكنك أن تجد أي شيء قد تبحث عنه في اسطنبول. لقد أعطى الله تعالى الدين والعالم في نفس الوقت في هذه المدينة. أنت تقول إن والديك قد ماتا وليس لديك إخوة أو أخوات. لماذا لا تستقرون في اسطنبول؟ ... "شكّل" أحمد أفندي "اعتمادًا قهريًا على شركتي. لهذا السبب لم يكن يريد أن ينفصل عني وأصر على أن أجعل بيتي في اسطنبول. لكن شعوري الوطني بالواجب أجبرني على العودة إلى لندن لتقديم تقرير مفصل عن مركز الخلافة وأخذ أوامر جديدة.

طوال فترة إقامتي في اسطنبول ، قمت بإرسال تقارير عن ملاحظاتي الشهرية إلى وزارة المستعمرات. أتذكر أنني سألت في أحد تقاريري عما يجب أن أفعله إذا طلب مني الشخص الذي كنت أعمل معه ممارسة اللواط معه. كان الرد: يمكنك فعل ذلك إذا كان سيساعدك على تحقيق هدفك. كنت غاضبًا جدًا من هذه الإجابة. شعرت كما لو أن العالم كله قد سقط على رأسي. كنت أعرف بالفعل أن هذا الفعل الشرير كان شائعًا جدًا في إنجلترا. ومع ذلك ، لم يخطر ببالي مطلقًا أن رؤسائي سيأمرونني بارتكابها. ماذا يمكنني أن أفعل؟ لم يكن لدي أي طريقة أخرى سوى إفراغ الدواء إلى الثمالة. لذلك التزمت الصمت وواصلت واجبي.

كما ودعت "أحمد أفندي" ، تبللت عيناه وقال لي: "يا بني! وفقك الله تعالى! إذا كان يجب عليك العودة إلى اسطنبول ورأيت أنني ميت ، فتذكرني. قل كلمة (سور
أ) فاتحة روحي! سنلتقي في يوم القيامة أمام رسول الله ". في الواقع ، شعرت بالحزن الشديد أيضًا. لدرجة أنني أذرف دموعًا دافئة. ومع ذلك ، كان شعوري بالواجب أقوى بشكل طبيعي.

الجزء الثالث

كان أصدقائي قد عادوا إلى لندن قبل ذلك وقد تلقوا بالفعل أوامر جديدة من الوزارة. أنا أيضًا تلقيت أوامر جديدة عند عودتي. لسوء الحظ ، عاد ستة منا فقط.

وقال الوزير إن أحد الأشخاص الأربعة الآخرين أسلم وبقي في مصر. ومع ذلك ، كان السكرتير سعيدًا لأنه ، كما قال ، لم يخون أي أسرار ، كما قال. أما الثاني فقد ذهب إلى روسيا وبقي هناك. كان أصله روسيًا. كان السكرتير حزينًا جدًا عليه ، ليس لأنه عاد إلى وطنه ، ولكن لأنه ربما كان يتجسس على وزارة المستعمرات لروسيا وعاد إلى الوطن لأن مهمته قد انتهت. والثالث ، بحسب تصريحات السكرتير ، توفي متأثرا بالطاعون في بلدة اسمها "عمارة" في حي بغداد. تم تتبع الشخص الرابع من قبل الوزارة حتى مدينة صنعاء في اليمن وتلقوا تقاريره لمدة عام ، وبعد ذلك انتهت تقاريره ولم يتم العثور على أي أثر له رغم كل الأنواع. من الجهود. ووصفت الوزارة اختفاء هؤلاء الرجال الأربعة بأنه كارثة. لأننا أمة ذات واجبات كبيرة مقابل عدد قليل من السكان. لذلك نقوم بحسابات جيدة جدًا لكل رجل.

300px-Niebuhr_-_Kriegs%C3%BCbungen_der_Araber_in_Yemen.jpg

بعد بضعة من تقاريري ، عقد السكرتير اجتماعاً للتدقيق في التقارير التي قدمها أربعة منا. عندما قدم أصدقائي تقاريرهم المتعلقة بمهامهم ، قمت أنا أيضًا بتقديم تقريري. لقد أخذوا بعض الملاحظات من تقريري. وأشاد الوزير والسكرتير وبعض من حضر الاجتماع بعملي. ومع ذلك كنت ثالث أفضل. وفاز بالصف الأول صديقي "جورج بلكود" ، وكان "هنري فانسي" ثاني أفضل.

لقد نجحت بلا شك في تعلم اللغتين التركية والعربية والقرآن والشريعة. ومع ذلك ، لم أتمكن من إعداد تقرير للوزارة يكشف جوانب الضعف في الإمبراطورية العثمانية. بعد الاجتماع الذي دام ساعتين ، سألتني السكرتيرة عن سبب فشلي. قلت: كان واجبي الأساسي أن أتعلم اللغات والقرآن والشريعة. لم أستطع توفير الوقت لأي شيء بالإضافة إلى ذلك. لكنني سأرضيك هذه المرة إذا كنت تثق بي ". قال السكرتير إنني كنت ناجحًا بالتأكيد لكنه تمنى لو فزت بالصف الأول. (ومضى):

"يا Hempher ، تتكون مهمتك التالية من هاتين المهمتين:

1- الكشف عن نقاط ضعف المسلمين ونقاط الضعف التي ندخل من خلالها أجسادهم ونفك أطرافهم. في الواقع ، هذه هي الطريقة للتغلب على العدو.

2- في اللحظة التي اكتشفت فيها هذه النقاط وفعلت ما أخبرتك به ، [بمعنى آخر ، عندما تنجح في زرع الفتنة بين المسلمين وتضعهم في صراع مع بعضهم البعض] ، ستكون الوكيل الأكثر نجاحًا وستكسب وسام من الوزارة ".

مكثت في لندن ستة أشهر. تزوجت ابنة عمي الأولى "ماريا شفاي". في ذلك الوقت كان عمري 22 عامًا ، وكانت تبلغ من العمر 23 عامًا. "كانت ماريا شفاي فتاة جميلة جدًا ، وذكية متوسطة وخلفية ثقافية عادية. أسعد أيام حياتي وأكثرها بهجة هي تلك التي قضيتها معها. كانت زوجتي حامل. كنا نتوقع ضيفنا الجديد ، عندما تلقيت الرسالة التي تحتوي على أمر المغادرة إلى العراق.

تلقي هذا الأمر في وقت كنت أنتظر ولادة ابني جعلني حزينًا. ومع ذلك ، فإن الأهمية التي أولتها لبلدي تضاعفت مع طموحي في الوصول إلى الشهرة باختيار الأفضل بين زملائي ، وكانت فوق مشاعري كزوج وأب. لذلك قبلت المهمة دون تردد. أرادت زوجتي مني تأجيل المهمة إلى ما بعد ولادة الطفل. ومع ذلك فقد تجاهلت ما قالته. كنا كلانا نبكي ونحن نقول وداعا لبعضنا البعض. قالت زوجتي ، "لا تتوقف عن الكتابة إلي! سأكتب لك رسائل عن منزلنا الجديد ، الذي لا يقل قيمة عن الذهب ". أثارت كلماتها هذه العواصف في قلبي. كدت ألغي السفر. ومع ذلك تمكنت من السيطرة على مشاعري. وبعد وداعي لها ، توجهت إلى الوزارة لتلقي التعليمات النهائية.

بعد ستة أشهر وجدت نفسي في مدينة البصرة بالعراق. كان سكان المدينة جزئيًا من السنة والشيعة جزئيًا. كانت البصرة مدينة قبائل ذات تعداد سكاني مختلط من العرب والفرس وعدد قليل نسبيًا من المسيحيين. كانت المرة الأولى في حياتي التي التقيت فيها بالفرس. بالمناسبة ، اسمحوا لي أن أتطرق إلى المذهب الشيعي والسني.

يقول الشيعة إنهم يتبعون علي بن أبو طالب ، زوج فاطمة بنت محمد وعليه السلام ، وفي نفس الوقت ابن عم محمد الأول "عليه السلام". يقولون أن محمد عليه السلام عين علي والأئمة الاثني عشر من نسل علية خلفا له في الخليفة.

في رأيي ، الشيعة على حق في
يتعلق الأمر بخلافة عالي وحسن وحسين. فبقدر ما أفهمه من التاريخ الإسلامي ، كانت ألي شخصًا يتمتع بالمؤهلات المتميزة والعالية المطلوبة للخلافة. ولا أجد أنه من الغريب على محمد "عليه السلام" تعيين حسن وحسين خليفة. ما يجعلني أشك ، مع ذلك ، هو أن محمد "عليه السلام" عين ابن حسين وثمانية من أحفاده خليفة. لأن حسين كان طفلاً في وفاة محمد "عليه السلام". كيف علم أنه سيكون لديه ثمانية أحفاد. إذا كان محمد "عليه السلام" نبيًا حقًا ، فقد كان من الممكن أن يعرف المستقبل من خلال إخبار الله تعالى ، كما توقع المسيح عن المستقبل. ومع ذلك ، فإن نبوءة محمد "عليه الصلاة والسلام" موضع شك بالنسبة لنا كمسيحيين.

يقول المسلمون: "براهين كثيرة على نبوة محمد عليه السلام. واحد منهم القرآن (القرآن) ". لقد قرأت القرآن. في الواقع ، إنه كتاب عالٍ جدًا. بل هو أعلى من التوراة والكتاب المقدس. لأنه يحتوي على مبادئ وأنظمة وقواعد أخلاقية وما إلى ذلك.

لقد كان من المدهش بالنسبة لي كيف يمكن لشخص أمي مثل محمد عليه السلام أن يأتي بمثل هذا الكتاب النبيل ، وكيف يمكن أن يكون لديه كل تلك المؤهلات الأخلاقية والفكرية والشخصية التي لا يمكن أن يمتلكها حتى الرجل. الذي قرأ وسافر كثيرا. أتساءل ما إذا كانت هذه الحقائق هي البراهين على نبوة محمد عليه السلام؟

لطالما قمت بملاحظات وأبحاث لاستنباط الحقيقة حول نبوءة محمد "عليه الصلاة والسلام". ذات مرة أطلعت على اهتمامي إلى كاهن في لندن. كانت إجابته متعصبة وعنيدة ولم تكن مقنعة على الإطلاق. سألت أحمد أفندي عدة مرات عندما كنت في تركيا ، لكنني لم أتلق إجابة مرضية منه أيضًا. لقول الحقيقة ، تجنبت طرح أسئلة على أحمد أفندي تتعلق مباشرة بالموضوع خشية أن يشكوا في تجسسي.

أفكر كثيرا في محمد "عليه السلام". لا شك أنه من أنبياء الله الذين قرأنا عنه في الكتب. ومع ذلك ، لكوني مسيحيًا ، فأنا لم أؤمن بنبوته بعد. مما لا شك فيه أنه كان متفوقًا جدًا على العباقرة.

أما السنة فيقولون: "بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر المسلمون أن أبو بكر وعمر وعثمان وعيلة صالح للخلافة".

توجد خلافات من هذا النوع في جميع الأديان ، وعلى الأغلب في المسيحية. نظرًا لأن كل من عمر وعلي قد ماتوا اليوم ، فإن الحفاظ على هذه الخلافات لن يخدم أي غرض مفيد. بالنسبة لي ، إذا كان المسلمون عاقلين ، فعليهم التفكير اليوم ، وليس تلك الأيام الخوالي (3) *.

ذات يوم في وزارة المستعمرات أشرت إلى الاختلاف بين السنة والشيعة ، قائلاً: "إذا عرف المسلمون شيئًا عن الحياة ، فإنهم سيحلون هذا الاختلاف بين الشيعة والسنة ويتحدون". قاطعني أحدهم وقال: "واجبك هو إثارة هذا الاختلاف ، وليس التفكير في كيفية الجمع بين المسلمين".

قبل أن أبدأ سفري إلى العراق ، قالت السكرتيرة ، "يا همفر ، يجب أن تعلم أنه كانت هناك اختلافات طبيعية بين البشر منذ أن خلق الله هابيل وقايين. تستمر هذه الخلافات حتى عودة المسيح. وكذلك الحال مع الخلافات العرقية والقبلية والإقليمية والقومية والدينية.

واجبك هذه المرة هو تشخيص هذه الخلافات بشكل جيد وتقديم تقرير إلى الوزارة. كلما نجحت في تفاقم الخلافات بين المسلمين كلما زادت خدمتك لإنجلترا.

"نحن ، الشعب الإنجليزي ، علينا أن نلحق الأذى وأن نثير الانقسام في جميع مستعمراتنا حتى نتمكن من العيش في رفاهية ورفاهية. فقط من خلال مثل هذه التحريضات سنتمكن من هدم الإمبراطورية العثمانية. وإلا ، كيف يمكن لأمة ذات عدد سكان صغير أن تجلب أمة أخرى ذات عدد أكبر من السكان تحت نفوذها؟ ابحث عن فم الهوة بكل قوتك ، وادخل حالما تجدها. يجب أن تعلم أن الإمبراطوريتين العثمانية والإيرانية قد وصلت إلى الحضيض في حياتهما. لذلك واجبك الأول هو تحريض الناس على الإدارة! لقد أظهر التاريخ أن "مصدر كل أنواع الثورات هو التمردات العامة". عندما تنكسر وحدة المسلمين ويضعف التعاطف المشترك بينهم ، ستحل قواهم ، وبالتالي سنقوم بتدميرهم بسهولة ".
 

الذين يشاهدون الموضوع الآن

أعلى أسفل