في ٢ اغسطس تحل ذكرى غزو الجيش العراقي لدولة الكويت او ما يعرف بحرب الخليج الثانية !!
حرب الخليج التانية (او احتلال الكويت ثم تحريرها لاحقا) كان حدث ملحمي مليان تفاصيل تستحق الذكر واعادة التذكير واستخلاص العبر والدروس لاي حد مهتم بالسياسة...
القصة بدأت قبل سنوات من الحرب. بدأت في استنزاف عبثي للجيش العراقي في حرب عبثية مع ايران لمدة ثمان سنوات
ايران كانت خارجة من ثورة اخذت صبغة (اسلامية) اطاحت بالاخضر واليابس. اطاحت وقتها بالقوات المسلحة الموالية للشاه وبالذات قواته الجوية الموالية المتفوقة والتي اغلبها تسليح امريكي.
ومع الحصار الاقتصادي الخانق (المستمر الي اليوم) تراجعت كفائة الجيش الايراني بشدة. وفي نفس الوقت دخل مع العراق في حرب طاحنة. ولكنها بوصف الخبراء العسكريين (مثل المرحوم المشير ابو غزالة مثلا) ان الحرب العراقية الايرانية كانت معركة متخلفة جدا من الجيل التاني مثل الحرب العالمية الاولي فيها صدامات بشرية علي هيئة امواج وخنادق وغازات كيماوية.
الجيش العراقي وقواته الجوية كانت متفوقة جدا، ولكن رعونة صدام (الذي لم يخدم في الجيش حتي كعسكري مجند وخرج لاسباب طبية) وتدخلاته المتواصلة في الخطط والتكتيكات العسكرية كان له تأثير مؤذي جدا للجيش العراقي.
وانتهت المعركة الدامية اللي استمرت لسنوات بسيطرة الغراق علي المنطقة المتنازع عليها مع ايران كما كانت قبل الحرب وفق اتفاقية الجزائر الموقعة بين الطرفين في 1976 !!
بعد نهاية الحرب العبثية بالاشيء التفت العراق الي ال "اشقاء" العرب بحثا عن الدعم المادي لانقاذ اقتصاد بلاده المتردي نتيجة الحرب.
وعادت للطفو علي السطح مشاكل خدودية مع الكويت علي عدد من ابار البترول.
ظهرت هنا في الصورة الولايات المتحدة راعية الفتنة في كل مكان. وعلي رأسهم سفيرة مخضرمة هي (آبريل جلاسبي) وبدأت تزين لصدام فكرة اجتياح الكويت وانها المحافظة التاسعة عشر له.
في نفس الوقت كانت جلاسبي تهيىء الرأي العام الامريكي لفكرة اننا لن نسمح لرجل واحد مهما كان بالسيطرة علي كل هذه المنابع النفطية وممكن تهور هذا الرجل يسمح بالتلاعب في استقرار اسواق الطاقة العالمية (والتذكير بأزمة اكتوبر 73)
في نفس الوقت كانت جلاسبي ترسخ في السعودية لفكرة ان جيش صدام مهول القوة والكفاءة والتسليح. وانه سيجتاح المملكة فور فراغه من احتلال الكويت...
وهكذا تواصلت عملية التسخين الكامل لكل الاطراف حتي استيقظ العالم في بداية اغسطس من العام 1990 علي منظر اجتياح الكويت.
وقوافل العاملين المهاجرين من البلدين عائدين لاوطانهم.
واشتغلت الاغاني الكويتية المستدرة لعطف العالم. وهنا في مصر فتحنا (شعبيا قبل رسميا) احضاننا لاستقبال ال"اشقاء" العرب لحين انتهاء محنتهم!!
في جلسة عاصفة لجامعة الدول العربية مررت السعودية قرارا يسمح لها بإستدعاء قوات اجنبية للدفاع عنها.
لائحة الجامعة بتقول ان القرارات تكون بالاجماع، في هذه الجلسة العاصفة اتخذ القرار بالاغلبية البسيطة وسط اعتراض كبير تزعمه القذافي رافضا لإستدعاء قوات اجنبية. السعودية كانت تسعى لجلب الامريكان وتسمح لهم بالتمركز في اراضيها ولكن القرار كان زلزاليا وكان يحتاج الى (شرعية) ما لهذا القرار!!
العراق لقي نفسه وحيد وقليل الحيلة. طبعا لجأ للغريم التقليدي (الاتحاد السوفيتي) وطلب منه المساعدة. لكنالاتحاد السوفيتي كان غرقان لشوشته في البروستريكا والانجلاسوسست وباقي اختراعات جورباتشوف (انهار وتفكك بعدها بعام واحد علي كل حال) لكن السعودية مستحيل تسيب ثغرة لصدام فراحت للسوفيت بعرض لا تستطيع رفضه. عرض ب 4 مليار دولار كاش مقابل عدم التدخل العسكري في النزاع
وفي تصريح (ثعباني) لوذعي قال سفير السعودية في امريكا وقتها انهم اشترطوا علي السوفيت صرف ال اربع مليارات علي الجمهوريات المسلمة في الاتحاد السوفيتي !!!
نوع من غسيل اليد والوجه من انهم يصرفوا علي شيوعيين ملحدين وكأن اصلا عندهم قدرة علي اجبار السوفيت علي شيء ما!
اللعب بالمشاعر الدينية لم يكن اسلوب سعودي فقط، صدام هو كمان لما لقي جبهة روسيا خربت منه عمل تصرفات مزايدة دينية هو الاخر.
فزود مثلا في العلم العراقي كلمة (الله اكبر) بين نجمتي العلم. وكأنه داخل معركة دينية بيرفع فيها لواء الله!
وكمان عمل تصرف اخر لاحراج الدول العربية المشاركة في عملية التحرير. اطلق صواريخ سكود علي اسرائيل وقال جملته الشهيرة (اطلقت عليهم 49 صاروخ واتحدي اي رئيس عربي يطلق الصاروخ ال 50)
طبعا الصواريخ كلها صدتها الدفاعات الاسرائيلية ولم تحقق اي خسائر. لكن الاسرائيليين عندهم عقيدة دفاعية صارمة. اي اعتداء يستوجب رد موجع مزلزل يجعل المعتدي يفكر الف مرة قبل ان يعتدي عليهم ثانية. وبالفعل بدأوا في تجهيز ضربة مضادة الا ان تدخل امريكا كان حاسما، لدرجة التهديد بضرب اسرائيل نفسها اذا ما تدخلت في المعركة. وبالفعل امتنعت اسرائيل عن الرد هذه المرة فقط في تاريخها الدموي الشرس كله لتفويت الفرصة علي صدام لتفتيت الجبهة المتحالفة ضده
امريكا فرضت حظر جوي كامل علي الاجواء العراقية واعمت طيرانها ودفاعتها الجوية. الامر الذي دفع العراقيين لطلب العون من جيرانهم الاعداء (ايران) لاستقبال عدد من الطائرات العراقية لتحميهم من التدمير. وبالفعل وافقت ايران علي طلب العراق بشرط التنازل عن منطقة النزاع التي دارت حولها حرب ضروس لسنوات!! وانتقلت تبعية شط العرب لايران (لاحقا منعت ايران هذه لطائرات من العودة لوطنهم وضمتها لقواتها الجوية، ثم لاحقا ضمت العراق كلها لتبعيتها!!)
بعد هذه التعمية دفعت امريكا بأسلحة لم تستخدم من قبل. طائرات قاذفة ثقيلة مثل البي 2 التي تستخدم تقنية التخفي وطائرات الشبح اف 117. وطائرات هجوم ارضي ايه 10 ثندربولت والتي قصفت بيها ارتال مدرعة كاملة عراقية كانت منسحبة ولها صورة شهيرة معروفة بإسم طريق الموت!
حماقات صدام كانت متعددة وقدر يقلب الرأي العام العربي والعالمي بالكامل عليه بتصرفات غبية جدا.
مثل انه اشعل النار في ابار البترول واغرق الخليج بالنفط وتلقفت ال سي ان ان صورة ل (بطة) غرقانة بالنفط الخام وجعلتها صورة ايقونية لحماقات صدام ومصير العالم اذا سمحنا له بالاستمرار!
بمناسبة ال سي ان ان... كانت هذه هي الحرب الاولي علي مستوي التاريخ التي تنقل احداثها علي الهواء مباشرة. مسببة اول موجة من تضارب المشاعر والبلبلة، هو صح صدام ولا صح الكويت ولا الصح هو اللي بيعمله الملك فهد
ولا الصح مصر ؟!!!
رأيي الشخصي ان التصرف الوحيد الصحيح المسئول في كل هذه الازمة العبثية كانت تصرفات الادارة المصرية. التي ظلت لاخر لحظة تضغط في اتجاه انسخاب العراق، ثم تقدمت القوات لتحرير الكويت بريا ولكنها لم تخطو خطوة واحدة داخل الحدود العراقية. استفادت بعد ذلك من اسقاط ديون نادي باريس الشهير
غير كدة (التصرف البرجماتي للادارة المصرية والتصرف المحترف لقواتها المسلحة) كانت نتيجة الازمة كارثية بكل المقاييس علي المنطقة.
تم استنساخ ال سي ان ان وال بي بي سي في نسخة عربية هي الجزيرة. وضاعت للابد العراق ووضعت علي منحدر الضياع في مستنقع الارهاب. وتصاعدت قوة المليشيات في مقابل الجيوش الوطنية. ترسخت تواجد القوات الاجنبية والقواعد في الخليج. واصبح جزءا من الماضي والتراث فكرة القومية العربية. والتي راحت علي يد احد اخلص ابناء الفكر القومي العربي...
ضاعت المنطقة بالكامل علي يد صدام حسين!!!
