فقه الأولويات، قرض ال ٢ مليار يورو، المُقاول الفاشل وسوء الإدارة!
-
يوم الأربعاء ال فات مجلس النواب وافق على قرض بقيمة ٢.١ مليار دولار لتنفيذ المرحلة الأولى من القطار الكهربائي السريع ال هيربط بين العين السخنة، الاسكندرية، العالمين، مطروح، والسبب الأساسي للهجوم هو فشل الإدارة في ترتيب أولويتها في ظل الأزمة الحالية، واستمرار توجيه مُخصصاتها للبنية التحتية.
-
بداية لازم الأول نحدد أيه هي الأزمة، لأنه ببساطة الأزمة الحالية ناتجة عن سببين:
* الأول شُح المعروض من العُملة الصعبة، بسبب الخروج السريع والمتوالي لاستثمارات الحافظة من مصر بسبب ارتفاع أسعار الفايدة في الخارج خصوصًا في أمريكا وأوروبا، وعدم استطاعة البنك المركزي مُجاراتها.
* التاني: هو ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق العالمية، ودا رافع فاتورة الاستيراد المصرية.
-
زي ما حضراتكم عارفين مصادر مصر من العملة الأجنبية هي خمسة فقط:
*الصادرات: ارتفعت إلى ٤٣ مليار دولار في ٢٠٢٢، من ٢٦ مليار في ٢٠١٤.
*تحويلات المصريين في الخارج: ارتفعت إلى ٣١.٩ مليار دولار في ٢٠٢٢ من ١٨.٥ مليار في ٢٠١٤.
*إيرادات السياحة: ارتفعت إلى ١٠.٧ مليار دولار من ٥.٧ مليار، ورجعت قُرب أعلى مُعدل في تاريخها قبل كورونا في ٢٠١٩، عند ١٢.٥ مليار دولار.
*قناة السويس: إيراداتها ارتفعت إلى ٧ مليار من ٥.٣ مليار دولار.
*الاستثمار الأجنبي المُباشر: ارتفع ل ٨.٩ مليار من ٤.١ مليار في ٢٠١٤، وبيقرب أعلى مُعدلاته التاريخية في ٢٠٠٨ عند مُستوى ١٣.٢ مليار دولار. (صورة ١)
-
لو دا مُلخص الأزمة في غياب الدولار، فببساطة توفير الدولار أو العُملة الصعبة هو الحل، ولو مُعظم مصادر تدفقات النقد الأجنبي لمصر في الوقت الحالي عند أعلى مُعدلاتها التاريخية في ظل أزمة طاحنة بتضرب العالم، يبقي أذن السعي مطلوب خارج هذه المصادر، أو الطريق التاني إن الإدارة تستسلم تمامًا للأزمة، وتتعامل عادي جدًا من الموجود، ودا هينعكس بشكل أشد سودًا على المواطنين.
-
بالتالي الإدارة بتتحرك في كل اتجاه علشان تزود تدفقاتها الدولارية، ومن هنا جاي القرض دا، ال رغم أنه موجه لمشروع القطار السريع إلا أنه في النهاية دولارات داخلة البلد، هتزود المعروض منه، وبالتالي تخفف من حدة الأزمة، وهنا عاوز أفكر حضراتكم بأنه دول ٢ مليار يورو مُقارنة بقرض صندوق النقد ال جاي من الصندوق ب ٣ مليار دولار تقريبًا، يعني دا لا يتناقض إطلاقًا مع الأولويات بتاعت الأكل والشرب دلوقت.
-
لغاية هنا دا مُبرر كافي للقرض دا، لكن من ناحية تانية قناة السويس نفسها ال هي المصدر الخامس من مصادر تدفقات النقد الأجنبي لمصر، بتتعرض لمُنافسة مُتزايدة للغاية من طُرق القطب الشمالي ال بيربطوا بشكل أقصر بين الشرق والغرب وأهمهم طريق بحر الشمال، وممر الشمال الغربي، ال بدأوا يجذبوا عدد أكبر وحمولات أكبر من السُفن.
-
في ٢٠٢٢ عبرت ممر الشمال الغربي ٣٥٠ سفينة في الطريق منهم ٤٨ من كندا ال بتسيطر على الطريق، ٣٩ من فرنسا، ٣٧ من أمريكا، وبقيت الدول متوزعة على الخريطة في (صورة ٢).
.
أما ممر بحر الشمال ال بتسيطر عليه روسيا، فدا بتحصل فيه تطورات سريعة للغاية، فارتفعت الحمولة ال مرت فيه من ٣٩ ألف طُن في ٢٠١٥، علشان توصل ١.٢٨ مليون طن في ٢٠٢٠، وعدد السفن ال مرت في الطريق السنة دي لغاية إبريل ٨٦ سفينة من يناير ٢٠٢٣، ومُعظم السفن جاية من روسيا والصين (صورة ٣).
.
الشرق والغرب كل مُعسكر عاوز يجهز ممره، ويقلل اعتماده على غيره، وبيحاول يوجد لنفسه ممر بديل عن القناة، ال عندها محدوديات أهمها العمق ال مش هيزيد عن ٢٤م، بينما ممر بحر الشمال مثلًا متوسط العمق فيه ٢٠٠م.
٠
محدودية العمق بيأثر على الحمولة ال ممكن السُفن بتشيلها، لأنه كل لما السُفن حمولتها زادت، كل لما احتاجت عمق أكتر، وبالتالي هنوصل لوقت مُعين -مش بعيد- عدد كبير من السُفن مش هتقدر تمر في القناة، هنا يجي دور الخط الأول من القطار الكهربائي السريع.
-
السُفن ال حمولتها زايدة عن العمق ال مفروض تستحمله القناة ال هو لغاية دلوقت -٣٢ ألف حاوية مُكافئة ل ٢٠ قدم- هتفضي حمولتها في العين السُخنة ال بيتجهز فيها واحد من أكبر مخازن الحاويات في العالم، تنزل الحمولة الزايدة، علشان تنقلها للاسكندرية والعلميين بحيث توصل السُفن تلقي حاوياتها مُنتظرها، تكمل الطريق عادي (صورة ٤).
.
التطوير دا مش الوحيد ال بيحصل في القناة، مصر بتطور مدخل القناة الجنوبي علشان تجوزه زي المدخل الشمالي، بحيث يبقي مُعظم القناة طريقيين (صورة ٤/ الدايرة الحمراء)، يقلل وقت السُفن، ويعظم من الميزة التنافسية ال عند القناة إن السُفن عند مرورها بتمر في عدد كبير من المواني تقدر تحمل وتنزل، عكس طُرق الشمال.
-
الكلام ال فوق دا الإدارة شايفها وبتتحرك علشان تحافظ على مواردها، وفرص القناة وأهمية مصر الاستراتيجية في العالم، وفي ذات الوقت تحمي جزء كبير من سُكانها من توابع الأزمة ال هي داخلها وهي محققة أفضل أرقام لتدفقات النقد الأجنبي في تاريخ مصر، في ظل أزمة طاحنة ضاربة العالم كله.
-
دا ميتقلش عليه إطلاقًا فشل، ولا يتقال عليه مقاولة، ولا يتزايد عليه في كلمتين في مايك، علشان كم لايك وشير على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن التاريخ واقف، حاضر بيدون وبيسجل، وال جاي بعدنا هيسألنا كلنا، وهيشوف مين كان مش بينام علشانه، ومين بينيمه بكلامه...
-
دُمتم بخير ودامت مصر حُرة مُزدهرة!