اتفاقية “بريكست- Brexit”
هذه الكلمة اختصار لعبارة
“British exit” أو خروج بريطانيا، وتعني مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة تسمح بحرية الحركة والحياة والعمل لمواطنيها داخل الاتحاد، فضلًا عن تجارة هذه الدول مع بعضها؛ فالاتحاد الأوروبي أراد تشديد الخناق على المملكة المتحدة بشروط وقيود مرهقة، حتى تكون عبرة لكل من يريد التفكير في اتخاذ قرار الانفصال عنه. فقد كان الاتحاد مهددًا بفقدان قدرته على التأثير ومن الممكن أن ينهار.
ومن هنا توصلا سويًا إلى “اتفاق البريكست” الذي سيضمن المحافظة على العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد الانفصال، خاصة فيما يتعلق بالجمارك والسوق المشتركة. وفي نفس الوقت يمنع هجرة مواطني الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، مع الاستمرار في عدم وضع حدود مرئية بين أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا التابعة للاتحاد الأوروبي.
وفي عام 2018، وضعت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك “تريزا ماي” اتفاقًا قدّمته للبرلمان الأوروبي يتضمن نقاطًا رئيسة، وهي:
- المدفوع: أن تدفع بريطانيا 39 مليار جنيه إسترليني للاتحاد الأوروبي لتغطية ما تدين به.
- الفترة الانتقالية: تكون بين 29 مارس 2019 و31 ديسمبر عام 2020 ولن تشهد تغييرات كبيرة للسماح لبريطانيا والاتحاد بالتوصل لاتفاق تجاري ولمنح فرصة للمؤسسات التجارية بتعديل وضعها.
- الهجرة: سيظل من حق مواطني الاتحاد الأوروبي وأسرهم الانتقال إلى بريطانيا بحرية قبل 31 ديسمبر عام 2020
- التجارة: لن يكون هناك أي تغيير في هذا الملف خلال الفترة الانتقالية.
- القانون، وآليات حلّ النزاعات: توكل إلى محكمة العدل الأوروبية.
- أيرلندا الشمالية: لا تريد بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي حدودًا بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، ولكن في الاتفاق هناك اتفاقية بشأن حواجز معينة.
ومن هنا جاءت النقطة العالقة
، “الحواجز”، فلا بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي يريدان حدودا “مرئية” بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا؛ أي لا يريدان نقاط حراسة وتفتيش، ما يعني أن أيرلندا الشمالية وليس باقي بريطانيا سيتعين على صادراتها الامتثال لمعايير الصحة والسلامة التي يضعها الاتحاد الأوروبي، بينما تحكم قواعد صارمة المنتجات المصنوعة من مكوّنات مصدرها المملكة المتحدة. ولذلك اتفق الطرفان على وضع كلمة حواجز “backstop” وتطبيقها في حالة عدم التوصل إلى اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا خلال الفترة الانتقالية.
وكان
“الحزب الوحدوي الديمقراطي”، والذي يعد الحزب الرئيس في أيرلندا الشمالية منذ تأسيسها، غير مرحب تمامًا بالاتفاقية، وعلى الرغم من الضرر الذي سيلحقه “بريكست” باقتصاد أيرلندا الشمالية، فإن “الوحدوي الديمقراطي” كان مستعدًا للتضحية برفاهية مواطنيه الاقتصادية من أجل سحب أيرلندا الشمالية بعيدًا عن جمهورية أيرلندا عبر إنشاء نقاط مراقبة جمركية وحدود صلبة في أنحاء جزيرة أيرلندا.
ولهذا السبب، فقد رفض الحزب الوحدوي الديمقراطي صفقة “بريكست” الناعمة، بمعنى الخروج التدريجي من الاتحاد الأوروبي والحفاظ على علاقات وثيقة به وعدم الانسحاب من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، التي وضعتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تريزا ماي، وكان من شأنها أن تسمح لأيرلندا الشمالية بالاستمرار في التجارة بحرية مع بريطانيا ومع الاتحاد الأوروبي.
والجدير بالذكر أن النسخة الأولية من اتفاقية “تريزا ماي” تم رفضها من قبل مجلس العموم ثلاث مرات، ما أدى إلى قبول الملكة إليزابيث الثانية استقالتها من منصب رئيسة وزراء المملكة المتحدة وتعيين “بوريس جونسون” رئيسًا للوزراء في 24 يوليو 2019، والذي تحدث في المؤتمر العام لـ “الحزب الوحدوي الديمقراطي”، مشيرًا إلى أنه لن “يلحق الأذى بنسيج الاتحاد بين بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية من خلال الرقابة التنظيمية والضوابط الجمركية”، ومعتبرًا أن الحكومة البريطانية لن تشارك في ترتيب من هذا النوع”. وفي 23 يناير 2020 منح برلمان المملكة المتحدة موافقته على مسوّدة مشروع الاتفاقية عبر سنّ تشريعات تنفيذية
(قانون الاتحاد الأوروبي (اتفاقية الانسحاب) للعام 2020).
بروتوكول أيرلندا الشمالية.. عقدة بريكست
تم توقيعه بمعزل عن اتفاقية بريكست عام 2020 بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، البروتوكول يجعل أيرلندا الشمالية الجزء الوحيد من المملكة المتحدة القادر على التجارة مع الاتحاد الأوروبي. وربما لم يتسبب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في مزيد من الغضب السياسي مثلما فعل هذا البرتوكول، فهو يحدد إجراءً احتياطيًا يدخل حيز التنفيذ في حال فشل تطبيق الاتفاقات البديلة الناجحة قبل انتهاء الفترة الانتقالية.
وتم التفاوض على البروتوكول من ضمن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بشكل يتيح تفادي نشوء حدود مادية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية، من خلال إبقاء الأخيرة عمليًا جزءًا من السوق الأوروبية الموحدة، تطبيقًا لبندٍ رئيس من اتفاقية سلام “الجمعة العظيمة” تعود إلى عام 1998، طوت صفحة عقود من أعمال العنف على خلفية الحكم البريطاني لأيرلندا الشمالي.
إلا أن هذه الخطوة أثارت انتقادات النقابيين المؤيدين للمملكة المتحدة في أيرلندا الشمالية، بل وأسهمت في إسقاط السلطة التنفيذية لأيرلندا الشمالية، لاعتبارهم أن الترتيبات المرتقبة ستؤدي إلى نشوء حدود تجارية بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية، وقد تنص على فرض ضوابط جمركية على البضائع التي تصل إلى المقاطعة من البر البريطاني، ويعني أنه لم تعد هناك حاجة إلى فحص السلع عند عبورها الحدود مع جمهورية أيرلندا، غير أن بعض عمليات الفحص والضبط تبقى مطلوبة على السلع التي تدخل أيرلندا الشمالية قادمة من بقية أنحاء المملكة المتحدة، وهو الأمر الذي يعد تقليلًا من شأن الموقع القانوني لبلفاست كجزء من المملكة المتحدة.
بالتالي، تسبب هذا الوضع في صعوبات واجهتها بعض شركات الأعمال، إضافة إلى معارضته من قبل الأحزاب الوحدوية المطالبة ببقاء أيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة. بينما ترى نسبة كبيرة أن في هذا البروتوكول فرصة يجب استغلالها من أجل المصلحة العامة؛ فوفقًا لاستطلاع أجرته غرفة التجارة والصناعة في أيرلندا الشمالية في يوليو الماضي، وجد أن 67% من 200 عضو شملهم الاستطلاع في البروتوكول فرصة، فيما رأى 47% أنه مفيد لأعمالهم، ويرون أنه إذا فشل الاتفاق بين لندن وبروكسل فقد يزداد الأمر سوءًا عندما تنتهي ما تسمى بفترات السماح، ما يلحق الضرر بسلاسل التوريد في مجالات رئيسة مثل الإمدادات الطبية.
ولا يزال الصراع مستمرًا، فقد هددت حكومة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بتمزيق بروتوكول أيرلندا الشمالية، ما لم يوافق الاتحاد الأوروبي على التخلي عن عمليات التفتيش على الحدود قريبًا، على الرغم من التحذيرات من أن الخلاف قد يشعل حربًا تجارية غير محمود عقباها، مؤكدة أن هذه الترتيبات تهدد تموين سكان أيرلندا الشمالية ببعض البضائع، وتهدد وحدة وسلامة أراضي المملكة المتحدة. والجدير بالذكر أن البروتوكول كان يحظى في بادئ الأمر بدعم حكومة جونسون، بالرغم من أن تنفيذه سيكون مصدرًا مستمرًا للتوتر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وحاليًا، تعتزم المملكة المتحدة خلال الأسبوع المقبل زيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي للقبول بتعديلات واسعة على البروتوكول وإصلاحه أو إعادة التفاوض على النص المكتوب بداخله، والذي يمنح وضعًا خاصًا للمقاطعة من خلال إبقائها في السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي لتجنب عودة الحدود الصعبة مع أيرلندا للحفاظ على السلام، بينما ترفض بروكسل هذا الأمر وتعرض إجراءات للتعديلات البسيطة فقط.
ماذا بعد فوز حزب “شين فين” اليساري الانفصالي؟
استيقظت بريطانيا العظمى على خبر فوز حزب
“شين فين” الجمهوري القومي، في حدث لأول مرة منذ 100 عام على تأسيس أيرلندا الشمالية المقاطعة التي تشهد توترات على خلفية بريكست، وهو خبر من شأنه أن يحدث زلزالًا سياسيًا؛ إذ إن هذا الحزب من المؤيدين لتوحيد الجزيرة الأيرلندية.
فاز الحزب بـ 27 مقعدًا من أصل 90 في الجمعية الوطنية، متقدمًا على منافسه الحزب “الوحدوي الديمقراطي” المؤيد للتاج البريطاني ولبقاء أيرلندا الشمالية مع المملكة المتحدة والذي استحوذ على 25 مقعدًا فقط، وقد كان الحزب الرئيس تقريبًا منذ عام 1921.
ومن شأن فوز “شين فين” في الانتخابات أن يجعل زعيمته ” ميشيل أونيل” رئيسةً للحكومة المحلية التي ينص اتفاق “السلام” المبرم في عام 1998 على أن يتقاسم “القوميون” و”الوحدويون” السلطة فيها. وبعد فوزها، اعتبرت أونيل أن أيرلندا الشمالية تدخل “حقبة جديدة” بعد أن شهدت مرحلة اتسمت بعدم الاستقرار السياسي، ووعدت بأنّها ستنتهج أسلوب قيادة يُشرك الأطراف كافة.
ولكن يُشار إلى أنّ المحادثات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة تبدو معقَّدة، وتُنذر بشلل سياسي تامّ، إذ يرفض الوحدويون المشاركة في أي حكومة من دون تعديل الاتفاق التجاري المبرم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحثوا لندن على أن تتخلى عن “بروتوكول أيرلندا الشمالية”، لأنه يهدد مكانة أيرلندا الشمالية داخل المملكة المتحدة. والجدير بالذكر أن أمام “شين فين” و”الحزب الوحدوي الديمقراطي” 24 أسبوعًا لإيجاد أرضية مشتركة، وفي حال عدم التوصل إلى ذلك يتعين تنظيم انتخابات جديدة.
وبالرغم من أن “شين فين” يدعم الحفاظ على اتفاق التجارة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ويرى أن البروتوكول الذي جرى التفاوض عليه على مدى أربع سنوات قد عزز بالفعل التجارة بين الشمال والجنوب، إلا أن الحكومة البريطانية مصممة على موقفها وتعتزم التحرك بسرعة لتعديله، مهددة بأنها تستعد لانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق.
ولكن يبدو أن بريطانيا غير مرحبة بفوز “شين فين”، وترى أنها أمام حزب لن يهدأ حتى يعيد توحيد أيرلندا بالكامل، بعد أن دعت رئيسة “شين فين” إلى إجراء استفتاء في القريب لإعادة التوحيد في غضون خمس سنوات، ولكن ما يشغلها الآن هو معالجة النظام الصحي في بلادها، ومعالجة ارتفاع تكاليف المعيشة في المقام الأول، بعدما كانت حملة انتخاباتها كانت في هذا الاتجاه.
التهديد بتفعيل المادة 16
هي الورقة القوية المتبقية في أيدي بريطانيا العظمى، وهي مصطلح تقني أطلق على فقرة في اتفاق “بريكست” يسمح للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بتعليق أي جزء من ذلك الاتفاق يؤدي إلى “صعوبات اقتصادية أو مجتمعية أو بيئية عرضة للاستمرار، أو تؤدي إلى خروج التجارة عن مسارها”. وطبقًا للمعاهدة فإن المادة 16، لا تسمح لأي طرف بإلغاء البروتوكول بالكامل، ولكن إذا تحققت شروط تفعيل هذه المادة، فيمكن للطرف المتضرر استخدامها. وبريطانيا ترى أن تدفق التجارة بينها بين أيرلندا الشمالية قد تعطل.
وبسبب تزايد التوترات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق ببروتوكول أيرلندا الشمالية، وانتقادات الاتحاد الأوروبي لبوريس جونسون واتهامه بالإخلال بالبروتوكول وما يتعهد به لما بعد بريكست، فقد حذر رئيس الوزراء البريطاني بأنه لن يتردد في مخالفة بنود البروتوكول المثير للجدل إذا لم يبد شركاء بلاده السابقون مرونة تتعلق بتسهيل حركة التجارة بين بلاده والكتلة الأوروبية عبر أيرلندا الشمالية، ملوحًا بـ “المادة 16” التي تجيز له ذلك في حال واجهت بلاده “صعوبات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية خطيرة”، أو إذا وصلت المفاوضات بين وزير “بريكست”، والمفوضية الأوروبية إلى طريق مسدود.
المادة 16 تتيح اتخاذ تدابير “وقائية” أحادية الجانب، وهو ما سيتسبب في إشعال حرب تجارية مع الاتحاد الأوروبي وعرقلة التجارة بين الطرفين. ويرى الخبراء أن تفعيل المادة 16 ليست حلًا، بل إنها ستتسبب في سحب الثقة والاستقرار اللذين تحتاجهما الشركات، ويغرقها في مزيدٍ من المفاوضات، وستكون خطيرة أيضًا على العلاقات بين الاتّحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عمومًا، لأنها تعني رفض جهود الاتّحاد الأوروبي الهادفة إلى إيجاد حلٍّ توافقي لتنفيذ البروتوكول.
ومن المفهوم أن الاتحاد الأوروبي لن يصمت، وسيرد بإجراءات قانونية إذا فعّلت المملكة المتحدة المادة 16، عبر تحضير المفوضية الأوروبية لسلسلة من العقوبات تتعلق بزيادة الإجراءات المتعلقة بالانتهاكات القانونية، وآليات التحكيم، والردود المتبادلة التي تحددت في “اتفاقية التجارة والتعاون”، وستطعن المفوضية بشكل قانوني في تفعيل المملكة المتحدة للمادة 16، لأن وجهة النظر ستكون في تلك الحالة أنه لا يحق لبريطانيا تفعيلها، وأن الشروط التي تسمح بتفعيلها غير متوفرة.
ويكمن الخوف في إمكانية أن تعمق بريطانيا من هذا النزاع، مستغلة انهيار المحادثات للتحرك من خلال تشريعاتها المحلية لإلغاء دور محكمة العدل الأوروبية في عملية التحكيم، وهو ما لا يمكن لها تحقيقه من خلال المادة 16؛ إذ تريد المملكة المتحدة التوصل إلى إنشاء هيئة تحكيم دولية لإنفاذ قوانين السوق الموحدة في أيرلندا الشمالية، بدلًا من محكمة العدل الأوروبية.
وجددت لندن تأكيداتها، في أكتوبر الماضي، بالمطالبة بإنهاء دور القضاء الأوروبي في حل نزاعات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشأن أيرلندا الشمالية، مستبعدة أي تليين في موقفها حول نقطة الخلاف مع بروكسل.