كيف أصبحت “طالبان” الأفغانية تهديدًا لباكستان؟
علي عاطف
أرسل بريدا إلكترونيايونيو 6, 2022
5 دقائق
خلال الأشهر الأولى التي تلت استيلاء حركة “طالبان” الأفغانية على السلطة في كابول، كان يُنظَر إلى باكستان على أنها أحد أهم الفائزين على المستوى السياسي الإقليمي عند النظر إلى مستقبل الفاعلين في المشهد الأفغاني؛ إذ إن العلاقات القديمة بين إسلام آباد و”طالبان” والتقارب العرقي ما بين الحركة والقبائل الباكستانية الكبيرة المنتشرة على شمال الحدود بين أفغانستان وباكستان، علاوة على اتخاذ كثيرٍ من قادة “طالبان” تلك المناطق القبلية ملاذًا لهم؛ قد بعث برسالة ضمنية مفادها أن الدور الباكستاني سوف يتصاعد في كابول.
لقد ظلت هذه النظرة على هذا النحو حتى بدا أنها تتغير مع توجيه الجيش الباكستاني ضرباتٍ جوية ضد مواقع تنظيمات إرهابية في ولايتي “خوست” و”كونار” شمال شرقي أفغانستان في شهر أبريل 2022، أي في المناطق القبلية المُشار إليها آنفًا. فقد بدأت إسلام آباد ترى التهديدات قادمة من الأراضي الأفغانية باتجاهها. ولا تقتصر في الواقع تلك التهديدات على الناحية الأمنية التي دفعت إسلام آباد بالأساس لتنفيذ الهجمات، بل إن الخلافات آخذة في التصاعد بين “طالبان” الأفغانية وباكستان لأسباب أخرى.
لماذا تتصاعد الخلافات بين “طالبان-أفغانستان” وباكستان؟
تتنوع تلك المخاوف التي بدأت في التبلور أمام السياسيين والجيش في باكستان إزاء التطورات في أفغانستان المجاورة بعد مضي أشهر معدودة من استيلاء “طالبان” على الحكم في كابول خلال شهر أغسطس 2021؛ وذلك على النحو التالي:
- تهديدات أمنية جديدة:
تتركز هذه التهديدات حول تنامي أنشطة الجماعات الإرهابية في أفغانستان وتهديدها للجارة باكستان.
اتحاد “طالبان-باكستان” مع “طالبان- أفغانستان”:
يبرز أحد أهم المخاوف لدى باكستان خلال الأشهر الأخيرة من احتمالية حدوث ائتلاف أو حتى اتحاد فيما بين تنظيمي “طالبان” في أفغانستان وباكستان، حيث ينشط فرع الحركة غربي باكستان على الحدود مع أفغانستان بطول جزء كبير من “خط ديورند”، وهي حركة مشابهة مناوئة للحكم في إسلام آباد ويُطلق عليها “تحريك-طالبان (TTP)” تهدف بالأساس إلى الإطاحة بالحكومة الباكستانية.
إن ما يُقلق باكستان -بشكل أكبر- هو أن “تحريك-طالبان” قد تزيد من تعداد عملياتها الإرهابية ضد نظام الحكم في إسلام آباد؛ بعد وصول شقيقتها في أفغانستان إلى الحكم، ولا تستبعد إسلام آباد بالتالي أيضًا أن يُشجّع وصولُ “طالبان” إلى الحكم في أفغانستان نظيرتها في باكستان على “تسريع” العمل للوصول إلى الهدف نفسه.
إن الهجمات التي قام بها الجيش الباكستاني في أفغانستان في 16 أبريل الماضي كانت موجهة بالأساس إلى “طالبان-باكستان” (TTP) شرقي أفغانستان؛ ردًا على هجمات إرهابية شنتها “طالبان” المتمركزة غربي باكستان ضد الجيش الباكستاني أدت إلى مقتل 7 جنود. وتعد هذه الحادثة بالأساس مؤشرًا آخر يعزز لدى السلطات الباكستانية مخاوفها القائمة بشأن تنظيم “تحريك-طالبان”، خاصة بعد اتهام إسلام آباد لـ “طالبان” أفغانستان بإيواء الإرهابيين ومن بينهم “طالبان-باكستان”.
“حقاني” وتصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في أفغانستان:
يُعد هذا العامل أكثر شمولًا من العنصر السابق؛ إذ إنه من الواضح أن نشاط العناصر والجماعات الإرهابية في أفغانستان قد تزايد بعد وصول “طالبان” إلى الحكم في أغسطس الماضي. فإلى جانب غضب باكستان من عدم اتخاذ “طالبان” الأفغانية خطواتٍ واضحة تجاه تحجيم أنشطة “تحريك-طالبان” التي تستهدف إسلام آباد، يفاقم تزايدُ أنشطة تنظيم “داعش-خراسان” (ISKP) الإرهابي داخل أفغانستان وعددٍ آخر من الجماعات الإرهابية من قلق الباكستانيين تجاه التطورات في أفغانستان ما بعد 15 أغسطس 2021؛ في ظل عدم قدرة “طالبان” حتى الآن على السيطرة بشكل كامل على الأمن في أفغانستان.
فمنذ وصول “طالبان” الأفغانية إلى الحكم، تزايدت الهجمات ضد الجيش الباكستاني في منطقة وزيرستان الشمالية والجنوبية شرقي باكستان، ما أدى إلى إيجاد مشكلات جديدة يتوجب على جهاز الأمن الباكستاني التعامل معها. ولعل أكثر الجماعات التي تشكل تهديدًا للجيش والأجهزة الأمنية الباكستانية هي شبكة “حقاني” الإرهابية المتحالفة مع “طالبان” الأفغانية والتي تتخذ من أفغانستان ميدانًا لها تنشط داخله.
إن ما يجعل الأخيرة الأكثر خطورة هي أنها الأكثر تدريبًا بين جميع الجماعات المتحالفة مع “طالبان”، حتى أنها قامت بالهجوم الإرهابي الأكثر دموية في تاريخ دولة باكستان حينما هاجم 5 من عناصرها صباح يوم 16 ديسمبر 2014 مدرسة في مدينة بيشاور، وتسببوا في مقتل 149 شخصًا، من بينهم 133 طالبًا وإصابة 122 آخرين. ويشغل زعيمُ شبكة “حقاني” الآن، سراج الدين حقاني، منصب وزير الداخلية في كابول في ظل الحكومة المعلنة من جانب “طالبان”، وهو ما يعمّق من الخلافات بين “طالبان-أفغانستان” وباكستان بشكل عام.
وعلى أي حال، فإن مسألة تصاعد العنف الموجه إلى باكستان من الأراضي الأفغانية -والذي تتبناه بعض الجماعات المناوئة بشكل مباشر للحكم في إسلام آباد- سوف يمثّل أحد أهم العوامل التي قد تزيد من حجم الأزمة المتصاعدة بين باكستان و”طالبان-أفغانستان”، خاصة مع محاولة الجماعات المتشعبة من “طالبان-باكستان” هي الأخرى الاندماج للعمل ضد الحكومة الباكستانية.
- توجهات السياسة الخارجية بين “طالبان-أفغانستان” وباكستان:
تختلف طبيعة التوجهات السياسية عند الحديث عن علاقات باكستان الخارجية وحركة “طالبان-أفغانستان”، خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فحتى الآن، لم تتمكن “طالبان” الأفغانية من إقامة علاقات مع الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي تتمتع فيه العلاقات الأمريكية الباكستانية بتقدم مستمر قد أعادها إلى مسارها الطبيعي وصولُ شهباز شريف إلى سدة الحكم في 11 أبريل 2022 خلفًا لـ “عمران خان”.
ويعزز من الخلاف بين باكستان و”طالبان- أفغانستان” عدم اعتراف الولايات المتحدة ومختلف دول العالم حتى الآن بالحكومة التي أعلنتها “طالبان” في كابول العام الماضي. بل إن فرض عقوباتٍ ضد حركة “طالبان” الأفغانية قد يعني أن علاقاتها مع واشنطن تسير إلى توتر متزايد، ما يرجح -من ناحية أخرى- احتمالية عدم حدوث توافق بين باكستان و”طالبان-أفغانستان”.
ومثّل رحيل رئيس الوزراء الباكستاني السابق، عمران خان، عاملًا آخر لتزايد الخلافات بين باكستان و”طالبان” الأفغانية؛ إذ إن “خان” كان يميل إلى تعميق العلاقات مع “طالبان”، في الوقت الذي كانت علاقاته بالولايات المتحدة على غير ما يُرام. أما رئيس الوزراء الحالي، شهباز شريف، فلا يتبنى إجمالًا هذه الرؤى؛ إذ يميل إلى تعزيز العلاقات مع واشنطن، ولا يفضل تعميقها مع “طالبان”، لذا يلاحظ أن الهجمات التي نفذها الجيش الباكستاني في أفغانستان قد جاءت بعد أيام قليلة من تولي شريف منصبه في إسلام آباد.
- اختلافات الإيديولوجيا ونزاع “ديورند”:
من أجل كسب النفوذ في أفغانستان ولعوامل أخرى تتعلق بالأمن الإقليمي وأمن باكستان، استطاعت إسلام آباد التمتع ببعض النفوذ داخل حركة “طالبان” الأفغانية، ولكن ذلك لا يعني أن هناك مشتركاتٍ فكرية بين الجانبين؛ إذ إن الرؤى الباكستانية مختلفة، ولم تسع باكستان إلى هذا النفوذ إلا من أجل تحقيق بعض المصالح؛ فالرؤى التي يتبناها النظام الحاكم في باكستان تختلف عن المسار الذي تتخذه حركة “طالبان”، لذا تظل هذه النقطة من أهم أوجه الخلاف بين الطرفين، وستظل هكذا خلال الفترة المقبلة.
ومن ناحية أخرى، سوف يظل الخلاف الجغرافي حول الخط الفاصل بين الحدود الباكستانية والأفغانية (خط ديورند) قائمًا بين “طالبان-أفغانستان” وباكستان، خاصة وأن الضفة الشرقية منه تسكنها قبائل بشتونية ترتبط ارتباطًا عرقيًا وثيقًا بحركة “طالبان” الأفغانية. ويعود هذا الخلاف إلى عقود مضت منذ تأسيس باكستان بعد استقلالها عام 1947. وهو نزاع استمر بين الحكومات المتعاقبة في أفغانستان وباكستان.
- ضعف القوات الأمنية التي تتحكم بها “طالبان”:
لم تستطع “طالبان” حتى الآن السيطرة على الأوضاع الأمنية بشكل مستحكم في أفغانستان، وذلك في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الجماعات المناوئة لحكمها، ما يرجح احتمالية دخول أفغانستان قريبًا في مرحلة عنفٍ أكثر خطورة. ويُقدَّر تعداد عناصر “طالبان” بما لا يزيد في الغالب على 75 ألف شخص، في الوقت الذي كان الجيش الوطني الأفغاني السابق نفسه قبل استيلاء “طالبان” على الحكم يبلغ قوامه نحو 300 ألف شخص، إلى جانب القوات الأمنية الأخرى.
وعلى أي حال، فإن حركة “طالبان” ومنذ أغسطس الماضي، لم تستطع حفظ الأمن أو السيطرة على باقي الجماعات الإرهابية النشطة على الأراضي الأفغانية، إلى جانب عمليات تجارة المخدرات نفسها، ما يعني تحديًا جديدًا معقدًا للغاية أمام باكستان.
الاستنتاج
كانت باكستان تتوقع أن ينتج عن سيطرة حركة “طالبان” الأفغانية على الحكم في كابول في أغسطس الماضي تعزيز نطاق نفوذها في تلك الدولة المجاورة. وكانت تلك النظرية ترتكن إلى أن الحركة الأفغانية يمكنها أن تسيطر على الأوضاع الأمنية في كابول، أو أن تُقدم على تشكيل حكومة ائتلافية تشمل باقي القوميات والطوائف في أفغانستان؛ من أجل أن تستقر الأوضاع.
ولكن ومع ازدياد عدد ومستوى عنف الجماعات الإرهابية في أفغانستان بعد وصول “طالبان” إلى الحكم العام الماضي، علاوة على ضعف التنظيمات الأمنية التابعة لها؛ أدى ذلك إلى بروز مخاوف جدية في إسلام آباد من أن تؤثر هذه التحديات في أفغانستان على أمن البلاد. فضلًا عن أن رحيل عمران خان عن السلطة في أبريل الماضي -والذي كان يميل إلى الحفاظ على علاقات إسلام آباد مع “طالبان” الأفغانية- قد يعزز من احتمالية الصدام المستقبلي بين باكستان والحركة الأفغانية. ومع ذلك، فإنه من غير المتوقع أن تسعى باكستان إلى الانخراط في صدام “مباشر وواسع” مع “طالبان؛ نظرًا إلى تعقد تداعيات مثل هذا النزاع على الأمن الباكستاني والإقليمي في آسيا الوسطى.