من حيفا إلى الخليج: مشروع أميركي – إسرائيلي يهدّد قناة السويس
-الخميس، 17 أغسطس 2023
TheCradle
منذ عام 2017، وتحت مسمّى "مسارات من أجل السلام الإقليمي"، يحاول كيان العدو الإسرائيلي الترويج لمشروع ربط سككي يربط ميناء حيفا مع دول الخليج وصولاً إلى الموانئ الإماراتية. وبعد توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل" أخذ هذا المشروع زخماً كبيراً وتزايدت الخطابات الإسرائيلية التي تروّج له. وفي تموز الماضي، نشرت المواقع الإسرائيلية أن "إسرائيل" والولايات المتحدة تعملان على خطة لمشروع ربط بري للشاحنات التي تتنقّل بين "إسرائيل" والإمارات مروراً بالأردن والسعودية. وبالتالي يصل المشروعان بين البحر الأبيض المتوسّط والخليج الفارسي.
مشروع الربط السككي
عام 2017، عرض وزير النقل الإسرائيلي حينها يسرائيل كاتس، الذي يشغل حالياً منصب وزير الطاقة، رؤيته لمشروع "مسارات من أجل السلام الإقليمي". والمشروع عبارة عن خط سكك حديد يربط ميناء حيفا بخط سكك الحديد في الأردن ومنها إلى السعودية والإمارات.
، تمت مناقشة المشروع مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومع بعض الدول العربية قبل أن تعلن حكومة نتنياهو عنه.
يعتمد المشروع المُقترح على استخدام الأراضي الفلسطينية المحتلة كجسر بري بين البحر الأبيض المتوسط والخليج الفارسي، والأردن كمركز نقل إقليمي.
، سينقل المشروع، في مراحل لاحقة، المسافرين الآتين من أوروبا والراغبين بالذهاب إلى دول الخليج.
ينطلق المشروع المُقترح عبر خط قطار المرج، الذي يمتد من مدينة حيفا إلى مدينة بيت شيعان، القريبة من الحدود الأردنية. من هناك، يكمل المشروع طريقه نحو الأردن مروراً بمعبر نهر الأردن، أو ما يُعرف بجسر الشيخ حسين، ليتّصل هناك بخط السكك الحديدية الداخلية للبلاد ليربط الخط بميناء العقبة المطل على البحر الأحمر. من الأردن يُكمل الخط طريقه إلى السعودية وثم الإمارات، ومن المحتمل أن يمتد إلى عمان. وبالتالي يكتمل الربط بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والموانئ المطلة على الخليج الفارسي. وبحسب كاتس قد يتطوّر المشروع ليشمل العراق والكويت مستقبلاً.
TheCradle
بالنظر إلى الخريطة التي يمتد فيها المشروع، من الممكن القول إن كيان العدو يحاول إعادة إحياء خط الحجاز القديم، مع استثناء سوريا نظراً إلى موقفها من الصراع مع "إسرائيل". وخط الحجاز هو خط سكك حديد، بلغ طوله 1464 كيلومترًا، أنشأته السلطنة العثمانية لنقل الركاب والبضائع من فلسطين المحتلة إلى سوريا ومنها إلى السعودية مروراً بالأردن. افتتح الخط عام 1908 من قبل السلطان عبد الحميد الثاني شخصيًا. وفي عام 1909، جرى تنظيم رحلات يومية بين حيفا ودمشق، وثلاثة رحلات أسبوعيا بين دمشق والمدينة المنورة، تم من خلالها نقل الركاب والبضائع التجارية، كما جرى تنظيم رحلات إضافية لنقل مواد البناء والإمدادات العسكرية والحجاج. وبالتالي، الطرح الإسرائيلي الأخير هو رؤية تطويرية لخط الحجاز القديم مع استبدال سوريا بالإمارات.
مشروع الربط البري
ضمن نفس المسار، ومن أجل كسب الوقت وجر بعض الدول العربية نحو تطوير علاقاتها مع كيان العدو الإسرائيلي طرحت "إسرائيل" على الولايات المتحدة، عبر مُقترح قُدّم من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، خطة لمشروع ربط برّي للشاحنات يصل ميناء حيفا بالإمارات مروراً بالأردن والسعودية. وبحسب الخطة التي قدّمتها "إسرائيل" إلى واشنطن، من المحتمل أن تنضم البحرين وعُمان إلى المشروع.
، إلا أنه لا يوجد حتى اللحظة أي تبنّي رسمي له. ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين كبار، كان الأميركيون متحمّسين للخطة وبدأوا في الترويج لها مع الدول المعنية، الإمارات والسعودية والأردن.
TheCradle
في الوقت الحالي، تواجه الشاحنات التي تغادر الإمارات إلى ميناء حيفا إجراءات بيروقراطية، بما في ذلك تغيير السائقين والأوراق وفترات الانتظار الطويلة. في المقابل، يطرح المشروع المُقترح إمكانية تنقّل سائق واحد وشاحنة واحدة بين دبي وميناء حيفا من دون تغيير السائقين والشاحنات عند المعابر الحدودية بين الدول.
ولذلك، سيمكّن هذا المشروع الشاحنات من نقل البضائع مع تقليل تكاليف النقل والوقت بشكل كبير مقارنة بالوضع الحالي. ووفقًا
، يُقدَّر تقليل وقت نقل البضائع بين كيان العدو والإمارات بفترة تراوح بين يومين وثلاثة أيام إلى عدة أسابيع، وتوفير ما يصل إلى 20٪ في تكاليف الشحن.
وفي ظل دعم واشنطن للمشروع، يمكن القول إن فرص نجاحه مقبولة. فالبنية التحتية المطلوبة من أجل ضمان انتقال الشاحنات من ميناء حيفا وصولاً إلى الموانئ الإماراتية موجودة، وبدء سير الشاحنات على هذا الطريق يحتاج حصراً إلى إزالة العقبات الإدارية والسياسية، وهو ليس بحاجة لوجود اتفاق تطبيع كامل بين كيان العدو والسعودية. فعلى الرغم من عدم وجود اتفاقية تطبيع رسمية بين السعودية وكيان العدو، بعكس الإمارات والأردن، سمحت الرياض، في عام 2020، لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي للطائرات المتنقّلة بين "إسرائيل" من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى. وبالتالي، على غرار السماح بانتقال الطائرات فوق الأجواء السعودية يمكن للرياض الموافقة على انتقال الشاحنات على أراضيها من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، من دون الحاجة لتوقيع اتفاقية تطبيع. بهذه الطريقة، تكون الرياض قد اقتربت خطوة إضافية باتجاه التطبيع الرسمي مع كيان العدو.
مكاسب كيان الاحتلال
المستفيد الأكبر من الربط البري هو كيان الاحتلال الإسرائيلي. بشكل أساسي يخدم هذان المشروعان ثلاثة أهداف إسرائيلية، تندرج ضمن المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية. أولا، انعكاسات هكذا مشاريع على المستوى الاقتصادي مهمة جدا لكيان العدو.
، حجم التجارة الإسرائيلية سيزيد بنسبة 400 في المائة نتيجة لمشروع الربط السككي.
في العام 2030، يتوقع أن تصل حجم التجارة المتوقّعة عبر المسار، في العام 2030، إلى 250 مليار دولار.
كما أنه في الوقت الحالي، تصل آلاف الشاحنات سنوياً إلى ميناء حيفا بالعبّارة من تركيا، قادمة من أوروبا، ثم تمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة محمّلة بالبضائع إلى بعض الدول العربية عبر الأردن. وبالتالي، سيتيح مشروع الربط السككي ومشروح الربط البرّي بالشاحنات إمكانية نقل البضائع إلى الدول العربية بكلفة ووقت أقل. سيفتح هذا الأمر الباب أمام المنتجين الإسرائيليين بالوصول إلى أسواق جديدة، فمثلاً سترتفع إمكانية تصدير الخضار الطازجة المطلوبة في الإمارات. وفي ظل وجود ربط سككي، أو بري بالشاحنات، بين فلسطين المحتلة ودول الخليج، ستزداد أهمية "إسرائيل" كمركز لنقل البضائع القادمة من أوروبا إلى الدول العربية، وبالعكس.
ثانيا، تستفيد "إسرائيل" من المشروعين المُقترحين من أجل تخفيف المخاطر الأمنية عليها. فمن خلال هذين المشروعين سيلتف الكيان على "المخاطر الأمنية" التي تشكّلها إيران عليه في مضيق هرمز واليمن في مضيق باب المندب. كما يساهم المشروعان في ربط أمن "إسرائيل" بأمن الخليج، أو ما يسمّى بالتشبيك الأمني بين أطراف المشروعين. فمن خلال الربط البري ترتفع مصلحة دول الخليج في الحفاظ على أمن "إسرائيل"، وهو ما قد يفتح الباب نحو تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين الأطراف المشاركة. وبالتالي، نجاح الربط البرّي يدعم جهود "إسرائيل" المستمرة لتوحيد الدول العربية معها ضد "أعدائها"، على رأسهم إيران.
وأخيرا، بالنسبة لكيان العدو، يساهم المشروع في تثبيت كونه حالة طبيعة في منطقة غرب آسيا ويعزّز من موقعه الجيوبوليتيكي في المنطقة من خلال ربط الكيان بالدول الخليجية وتحويله إلى مركز لنقل البضائع من وإلى أوروبا. كما يشكّل المشروع مدخلاً اتجاه تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية التي لم تطبّع رسمياً حتى اللحظة، على رأسهم السعودية.
القلق المصري
مع طرح مشروع الربط بين كيان الاحتلال ودول الخليج برز القلق المصري من تأثير هذا الأمر على قناة السويس.
. هذه النسبة تصبح مهدّدة بالتراجع في حال وجود ممر بري يصل الغرب بموانئ الخليج الفارسي وهو ما سيقلّل من أهمية قناة السويس التي تربط البحرين المتوسط والأحمر، وبالتالي يشكّل خطراً كبيراً على مصر التي تستفيد من عوائد نقل البضائع عبر القناة. ففي العام المالي الماضي، الذي انتهي في حزيران 2023،
، وهو رقم قياسي. وقد سجّل العام المالي الماضي مرور ما يقارب 26،000 سفينة عبر القناة.
إلا أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن انتقال البضائع عبر قناة السويس سيظل الأفضل من ناحية الكلفة والوقت. ولكن في حال توافر شروط معيّنة في مواصفات السكك الحديدية، أبرزها سرعة السكة ولوجيستيات الشحن والتفريغ من السفن إلى القطار الإسرائيلي، من المتوقّع أن تتراجع عائدات مصر. وهنا تكون "إسرائيل" قد وجّهت ضربة قوية للدولة العربية التي وقّعت معها أول اتفاقية تطبيع للعلاقات.
خاتمة
عام 2020، وفي محادثات عقدت في منتدى يسمى I2U2 العام الماضي، والذي يضم الولايات المتحدة و"إسرائيل" والإمارات والهند، طرح كيان العدو مشروع بنى تحتية يهدف لربط دول الخليج والدول العربية عبر شبكة من السكك الحديدية. المشروع المُقترح ينص على أن الهند ستكون مرتبطة أيضا بهذا المشروع من خلال ربط موانئها بالموانئ الخليجية. وبحسب المعلومات، من المفترض أن تنضم "إسرائيل" إلى المر في المستقبل (
).
يتقاطع هذا الطرح مع مشروع الربط البري بين "إسرائيل" والإمارات، والفرق الوحيد بين المشروعين هو الإعلان العلني عن انضمام كيان الاحتلال إلى الممر البري مع الإمارات. وبالتالي، مع اختلاف التسميات إلا أن الهدف الرئيسي من جميع هذه الطروحات واحد: ربط "إسرائيل" بالدول العربية.
في الوقت ذاته، يواجه أي مشروع ربط مع كيان العدو الإسرائيلي تحدّي الفشل بفعل الصراع العربي الإسرائيلي ونصرة بعض دول غرب آسيا للقضية الفلسطينية وهو ما يضع كيان العدو في الاستهداف المباشر كونه كيان غير طبيعي في المنطقة. وهنا يأتي دور الدول الرافضة للتطبيع والمواجهة لـ"إسرائيل" من أجل تفعيل الربط الاقتصادي لدول غرب آسيا ومواجهة هكذا مشاريع تطرحها تل أبيب.
